14-أكتوبر-2016

مستوطنون يهود يؤدّون طقوسًا في حائط البراق بالقدس

قرار غير مسبوق، لا بل يمكن وصفه بالقرار الأكثر جرأة وأهمية في تاريخ المنظمات الدولية ضد "دولة إسرائيل"، فبعد دراسة اعتمدت على علم الجينات البشرية أجراها الدكتور الإسرائيلي إيران الحايك Eran Elhaik، لصالح جامعة "شيفيلد" البريطانية مطلع هذا العام أثبت فيه أنّ من يسمون اليوم بيهود فلسطين لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد ببني إسرائيل الذين تذكرهم في التوراة، وبالتالي لا يحق لهم المطالبة بفلسطين كأرض لأجدادهم، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، قرارًا تنفي بموجبه وجود أيِّ حق لليهود بالمقدسات في شرق مدينة القدس، لا سيما المسجد الأقصى الذي تقول تل أبيب إنه مبني فوق ما تسميه "جبل الهيكل" والمقصود به هيكل سليمان.

القرار الذي أثار سخط نتنياهو، واعتبرته إسرائيل يقوّض الصلة اليهودية بالقدس، يمكن وصفه بأنّه الأكثر جرأة وأهمية في تاريخ المنظمات الدولية

القرار الذي أثار سخط رئيس الوزراء الإسرائيلي معتبرًا إيّاه قرارًا سخيفًا "يفقد اليونسكو ما تبقى لها من شرعية" على حد تعبيره، واعتبرته الخارجية الإسرائيلية أنه يأتي "لتقويض الصلة اليهودية بالقدس"، يأتي في حقيقة مضمونه نسفًا لعلاقة اليهود بالقدس التي يدّعون أنها ستكون عاصمتهم الدينية والسياسية، ضمن خطواتهم الحثيثة لتهويد القدس، وهو ما أدركته تمامًا الحكومة الإسرائيلية وفهمت القصد من ورائه.

وهنا يمكن لنا أن نفهم لماذا ألصقت إسرائيل صفة الإرهاب بهذه المنظمة الدولية، واعتبرت على لسان وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت - الذي يشغل أيضًا منصب رئيس لجنة إسرائيل لدى اليونسكو- أنّه "وفقًا لهذا التصويت ستتوقف فورًا كل مشاركة ونشاط  للجنة الإسرائيلية مع المنظمة الدولية، ولن تُجرى أية لقاءات أو مقابلات، ولن يجري أي تعاون فنّي مع منظمة تقدم الدعم للإرهاب".

اقرأ/ي أيضًا: علم الجينات يوجه الضربة القاضية لإسرائيل

الغريب أن إسرائيل لم تسارع لإلصاق تهمة معاداة السامية بهذا المنظمة الدولية رغم فداحة القرار بحقِّها، ولكن ربما ستنعتها لاحقًا بهذه التهمة، مع استشراسها في إفراغ هذا القرار من أهميته، وهو دأبها بكل القرارات الأممية التي صدرت سابقًا، والتي لا تعيرها أهمية إطلاقًا، مراهنة على أنها ستصبح مع الزمن مجرد حبر على ورق.

اليونسكو وقبل قرارها الأخير، كانت قررت منتصف هذا العام اعتماد الاسم العربي للمسجد الأقصى ورفضت التسمية الإسرائيلية له بـ"جبل الهيكل"، ومنذ ذلك الحين تعرب إسرائيل عن خشيتها من أن يتم "تجاهل العلاقة التاريخية الفريدة من نوعها القائمة بين الديانة اليهودية وجبل الهيكل"، أمّا اليوم فإن قرارًا دوليًا لمنظمة عالمية يصدر لينفي فعلًا "وجود أي رابط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وما يسمى بحائط المبكى (البراق، الذي كانت الحكومات الإسرائيلية تتخذه ذريعة لاقتحام المسجد الأقصى والاصطدام بالمصلين دائمًا، وإقامة الحواجز التي تنظم عبور المصلين إلى المسجد الأقصى، بسببه بات حجة ممجوجة وسخيفة وساقطة من أساسها.

في حقيقة الأمر الضربة الموجهة لم تكن لإسرائيل فقط، بل لكل المثقفين العرب الذين يدعمون وجهة نظرها ومزاعمها في فلسطين، ومنهم كبار الكُتّاب والمثقفين،  كالكاتب المصري "يوسف زيدان" على الرغم من أن كتاب إسرائيليين وعلماء أثار مثل إسرائيل فرانكشتاين، وشلومو صاند، طالما أكدوا وبالأدلة التاريخية والأثرية أن الادّعات الإسرائيلية اليوم بأحقيتهم التاريخية في فلسطين ليست أكثر من خرافات وتحريفات وتزوير لكتب التاريخ، لا بل إن علم الأثار لم يجد إلى اليوم ما يدل على حقيقة الوجود الإسرائيلي في فلسطين أساسًا.

لكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه بعد هذا القرار الصادم اليوم، هو: ما هي الدلائل التاريخية والمرجعيات والوثائق التي دفعت باليونسكو - أهم منظمة عالمية في مجال الثقافة والعلوم- التي مكنتها من أن تواجه دولة كإسرائيل معروف حجم "لوبياتها الاخطبوطية" المسيطرة على أهم مراكز صناعة القرار في العالم؟!

هذا من ناحية، ومن أخرى كيف ستكون ردة فعل إسرائيل على هذا القرار؟ هل ستكون بإحكام قبضتها على المسجد الأقصى أو بأن تهدمه كفعل انتقامي؟ والمعروف أن عمليات الحفريات التي أنجزتها إسرائيل طيلة سنوات طويلة تحته بحجة البحث عن هيكل سليمان أضعفت من أساساته وجعلته أيلًا للسقوط في أية لحظة.

هذا القرار يفتح المواجهة اليوم مع العرب وإسرائيل على آفاق جديدة، لاسيما أن إسرائيل تستميت اليوم للإعلان عن "يهودية" بحيث تكون القدس كل القدس عاصمة لها، وكانت ولا تزال تسعى لحشد أكبر التأييد لها من دول العالم. ليأت هذا القرار الأخير نسفًا لجهودها أو لنقل بشكل أدق منعطفًا تاريخيًا لحرب إسرائيل المستميتة لـ"تهويد القدس"، لا بل تهويد فلسطين كلها.

اقرأ/ي أيضًا: 

يوسف زيدان.. خدمات صهيونية بالمجان

شلومو ساند وديناصور الشعب اليهودي

إيلان بابيه يفضح "فكرة إسرائيل"