30-سبتمبر-2016

يصطحب عماد أبو شمسية طفله صالح إلى منطقة "باب الزاوية" وسط الخليل مروراً بحاجز "الكونتينر" الذي يقطع وسط المدينة عن أحيائها الجنوبية، حتى يشتري لمنزله بعض الخضروات خشية أن يتعرض الطفل لاعتداءات المستوطنين في طريقه، وهو الطفل الذي تعرض للاعتقال ثلاث مرات سابقًا.

يقف عماد أمام عربة لبيع الخضار، يتخير بين حبات الباذنجان ما يصلح لتطبخ زوجته "المقلوبة" – أكلة شعبية فلسطينية – ويعود طفله إلى المنزل لاحقًا. 

يغلق الاحتلال الإسرائيلي شارع الشهداء بالخليل منذ 22 عاما ويعزل سكانه عن العالم

يعاني عماد إعاقة في قدمه اليمنى، ويعمل في توثيق انتهاكات المستوطنين وجيش الاحتلال ضد الفلسطينيين في أحياء تل الرميدة وشارع الشهداء المغلقين منذ مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994.

اقرأ/ي أيضا: مصوّر فيديو إعدام الشهيد الشريف يعيش مسلسل رعب

لسكان هذه الأحياء قصص معاناة كبيرة، ولكن لاسطوانات الغاز المنزلي حكاية مختلفة معهم، فهم لا يعانون من قلة الكميات ولا ارتفاع الأسعار، بل من صعوبة إدخال هذه الاسطوانات إلى منازلهم بسبب مضايقات جنود الاحتلال.

كُتب على لوحة صفراء على المدخل المؤدي إلى الشارع بثلاث لغات ومنها العربية، أنه يمنع مرور العربات، فيما كتب الجيش الإسرائيلي لافتة أخرى باللون الأحمر على بوابة تشبه بوابات السجون المحصنة، أن "هذا المدخل مخصص للمعاقين وعجلات".

يحتفظ عماد على نوافذ منزله المغطى بالشباك بثلاث اسطوانات غاز، رغم أنه يمتلك غازاً واحداً للطهي فقط، أما ما تبقى فهي احتياطا منه في حال انقطاع الغاز الذي يحتاج إدخاله عبر الحاجز الاسرائيلي إلى تنسيق مسبق وقرار من ضابط، وقد يمتد الأمر أحياناً إلى ثلاث ساعات بانتظار تدخل "الإدارة المدنية".

يصف عماد اليوم الذي يقرر فيه إحضار وتعبئة اسطوانات غاز لمنزله بأنه "يوم محروق"، أي أنه لا يستطيع إنجاز أي أمر آخر فيه، إذ يبدأ المشوار بعربة حديدية تنقل فيها اسطوانة الغاز إلى الحاجز لمسافة تزيد عن مئة متر أو يحملها على ظهره، ثم يمر عبر بوابة إلكترونية، لكن ذلك يعود لـ "مزاج الجندي اللي بقرر يخلينا نطلع قنينة الغاز"، حسب قوله.

يستند السكان في هذه الأحياء إلى الكهرباء بدلاً عن الغاز في حال انقطاعه، كونها معفاة من الرسوم بقرار فلسطيني. يعلق عماد: "هذا كله ما بيعني الاستغناء نهائيا عن الغاز ولكن ما باليد حيلة".

يعود عماد ليصف يوم تعبئة الغاز من أحد الوكلاء في المناطق القريبة الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية بأنه "مأساة"، يضيف، "خاصة إنه أنا بجر العربة رغم إعاقتي وبمشي فيها أكثر من 400 متر حتى أوصل دكان الموزع".

تعيش 145 عائلة فلسطينية في الشارع الذي شدد حيش الاحتلال قيوده على سكانه منذ تدهور الأوضاع الأمنية في تشرين الأول من العام الماضي، في ما عرف فلسطينيا بانتفاضة القدس، وتخدمهم بقالة صغيرة واحدة، وتفتقد إلى وكيل لتعبئة الغاز.

يتحدث عماد عن سكان الحي من كبار السن وذوي الإعاقة الذين يضطرون للاستعانة بأقاربهم في تعبئة اسطوانات الغاز، وهو ما يحتاج مزيداً من الوقت أيضاً.

ويستذكر العديد من القصص التي وثقها في الأحياء هناك، عندما يمنع جنود الاحتلال عائلات من إدخال اسطوانات الغاز، ومنها قصة عجوز يزيد عمرها عن الـ60 عاما، من عائلة أبو كعكور التي بقيت ساعة تنتظر حضور ضابط التنسيق الإسرائيلي، حتى يسمح لها بإدخال اسطوانة غاز.

يستعين سكان شارع الشهداء المحاصر بمتضامنين أجانب لكن الاحتلال حرمهم منهم أيضا

ويحتفظ سكان كل بيت بشارع الشهداء بعربة حديدية من ذوات الإطارين التي تعتبر سنداً رئيسياً لهم حتى ينقلوا بها احتياجاتهم، إذ تمنع السيارات الفلسطينية من الدخول قطعياً إلى الأحياء منذ سنوات طويلة.

وخلال ذلك الوقت تحدث إلينا رمضان المحتسب الذي تجاوز عمره الستين ومرَّ عبر الحاجز، قال إنه يمر منذ أكثر من 20 عاماً من هذه الأحياء مشياً رغم أنه لا يسكن فيها؛ وذلك ليثبت للاحتلال أنه فلسطيني وأن له حق في ذلك رغم قدومه من حي "واد الهرية" الذي يبعد أكثر من 3 كم، ويمكنه الحضور بأي مركبة دون أي صعوبات بطرق أخرى.

في وقت سابق كان السكان يستعينون لإدخال ونقل اسطوانات الغاز بمتضامنين أجانب يعيشون في الحي من حركة التضامن الدولي، لكن الجيش الإسرائيلي أجبرهم على الرحيل منذ "انتفاضة القدس".

ويعتبر الشارع شريان الحياة المقطوع الذي يصل وسط مدينة الخليل ببعضها بين الأحياء الشمالية والجنوبية، وتحول بفعل القرارات العسكرية الإسرائيلية إلى مكان مغلق أمام حركة الفلسطينيين، إذ يسمح فيه للمستوطنين بحرية التنقل مشياً وفي مركباتهم، كما كان مؤخراً مسرحاً لعمليات تصفية ميدانية بحق شبان فلسطينيين يذريعة محاولتهم تنفيذ عمليات فدائية.

اقرأ/ي أيضا:

هل بدأت إسرائيل بتحضير بديل للسلطة الفلسطينية؟

عنب الخليل في مهرجانه السادس.. ندرة وتنوع