30-سبتمبر-2016

حددت وزارة الزراعة الفلسطينية منتصف شهر تشرين الأول موعدا لقطاف محصول الزيتون؛ بناءً على دراسات تتعلق بنضوج الثمار وبنسب الأمطار التي تلعب دورًا رئيسيًّا في نسبة الزيت، كما قالت، لكن قرارًا إسرائيليًّا نسف الإعلان السابق بالنسبة لأصحاب آلاف الدونمات التي تجاور المستوطنات المقامة بالضفة.

فجيش الاحتلال سارع إلى تحديد خمسة أيام فقط (25-29/أيلول) لقطاف الزيتون من كافة الأراضي المجاورة للمستوطنات، وهي إضافة لكونها فترة قصيرة جدا؛ فإنه لا يمكن خلالها إنهاء المهمة بالنسبة لكثير من المزارعين، كما أنها تسبق بكثير الموعد المحدد من جانب السلطة.

تحدد إسرائيل فترات زمنية قصيرة لقطف الزيتون من الأراضي المجاورة للمستوطنات وداخل الجدار الفاصل وهي سابقة للموعد المناسب لقطف الزيتون

الحاج أبو أمجد القواريق من قرية عورتا قضاء نابلس، كان قد اعتاد أن يصلي الفجر وينطلق لقطف الزيتون من أرضه في رحلة قد تطول لأسابيع، ينتظرها سنويا ويرى فيها متعة خاصة إضافة لكونها مصدر رزق أساسي، لكنه يحتاج منذ سنوات لتصريح خاص وفي مواعيد محددة وقصيرة للوصول لأرضه.

يقول أبو أمجد لـ"ألترا صوت"، إنه يملك 37 دونما تجاور مستوطنة "ايتمار" المقامة على أراضي عورتا وقرى مجاورة، ويتساءل: "ما إذا بالإمكان أن أفعل أنا وزوجتي وأبنائي الثلاثة خلال المدة المحددة؟".

اقرأ/ي أيضا:

وبرأي أبو أمجد فإن المشكلة لا تكمن فقط في قصر مدة القطاف، بل في أن الزيتون والأرض بشكل عام يحتاجان لرعاية متواصلة طوال العام، وهو ما لا يتوفر له بسبب إجراءات الاحتلال، ما يضيف سببا آخر لإضعاف جودة الزيت وإنتاج الأشجار، إلى جانب عدم قدرته على قطف المحصول كاملا وإلزامه بقطفه مبكرا.

ما يحدث في عورتا ينطبق على كل القرى المجاورة للمستوطنات بالضفة، إذ يؤكد محافظ قلقيلية رافع رواجبة لـ"ألترا صوت" أن خسائر كبيرة تنتظر المزارعين نتيجة الإجراء الذي اعتبره جزءا من مسلسل الاعتداءات والانتهاكات بحق الفلسطينيين.

وأشار رواجبة إلى أن معاصر الزيتون المنتشرة في قلقيلية لم تفتح أبوابها بعد، ولم تستعد لبدء العمل في الموعد الذي حدده الاحتلال لقطف الزيتون، والذي انتهى يوم الخميس، ما يعني فساد الزيتون الذي سيتكدس في الأكياس دون عصره، أو على الأقل إضعاف جودته بشكل كبير.

ويستهدف الاحتلال الإسرائيلي الزيتون بشكل معلن منذ سنوات، وسبق أن حث الحاخام الصهيوني الأكبر عوفاديا يوسف على سرقة محصول الزيتون الفلسطيني، واعتبر ذلك جانبا من تطبيق العقيدة اليهودية، وهو ما يفعله المستوطنون في كل موسم. وقد رصد مقطع فيديو جانبا من أعمال السرقة هذه في قرية الساوية قبل أيام.

وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون التي ابتلعها الجدار الاسرائيلي حوالي  60 الف دونم، فيما اقتلعت آليات الاحتلال 30 الف شجرة خلال عمليات بنائه.

ويوضح مدير الزراعة في محافظة قلقيلية أحمد فتحي، أن تحديد أيام القطاف في هذا الموعد المبكر جاء بسبب رفض سلطات الاحتلال فتح المناطق المحاذية للمستوطنات أو خلف الجدار أو داخل المستوطنات أمام المزارعين وعوائلهم في فترة الأعياد اليهودية، التي تبدأ يوم الثاني من تشرين الأول، وتستمر حتى الخامس والعشرين من الشهر ذاته.

وأضاف فتحي لـ"ألترا صوت" أنه تم القبول اضطراريا بهذا الموعد المبكر، للحيلولة دون سرقة المستوطنين للمحصول نتيجة عدم قطفه. غير أن هذه السرقة لا مفر منها في ظل تأكيدات المزارعين على أن الفترة لن تكون كافية لقطف جميع المحصول، أو حتى نصف في كثير من الأحيان.

ويحذر الخبير الزراعي ماجد ناصر من أن قطف ثمار الزيتون قبل شهر تشرين الأول سيسبب خسائر في كميات الانتاج والدخل، وتراجع منتوجية الزيتون الى النصف، موضحا، أن الاراضي الزراعية الواقعة خلف الجدار هي المتضرر الاكبر من تحديد ايام القطاف.

ولا تمر أيام قطف المحاصيل سهلة هادئة رغم التصاريح الإسرائيلية والتنسيق الرسمي، إذ يتعرض مزارعون في مناطق كثيرة لاعتداءات تقع أمام أعين جنود الاحتلال، كما حدث في دير الحطب قضاء نابلس، بتاريخ السادس والعشرين من تشرين الأول الماضي.

وتحدث مزارع من القرية عن هجوم شنه 40 مستوطنا مسلحين بأدوات حادة وعصي، بينهم خيالة، على مزارعين واعتدوا بالضرب على المسن توفيق محمد عمر (70 عاما) الذي يعاني من ضعف في البصر ولم يستطع الهروب، وأصابوه في رأسه ويده اليسرى متسببين بكسر أصابعه ثم إغمائه.

لا يجد الفلسطينيون من يحميهم أثناء قطف الزيتون من اعتداءات مستوطنين مسلحين يحميهم جيش الاحتلال

ولا تستطيع السلطة إرسال رجال أمن ولو بزي مدني لتوفير الحماية للمزارعين، إذ يقول وكيل وزارة الزراعة عبد الله لحلوح لـ"ألترا صوت"، إن التنسيق تم من خلال الارتباط المدني فقط لتسهيل وصول المزارعين لأراضيهم داخل المستوطنات، مضيفا، أن "جهات مختصة توثق جرائم المستوطنين إضافة لمنظمات حقوقية وجهات دولية ومتطوعين أجانب"

ويرى الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم، أن تشديد الاحتلال على المزارعين ودعمه للمستوطنين في اعتداءاتهم على الأراضي وسرقتهم للزيتون، يأتي في سياق سياسة شاملة لتقويض أي نهوض وتمكين وحصانة للاقتصاد الفلسطيني، وذلك بصفتها سلطة احتلال موجودة وقائمة على الارض، وتعمل على اضعاف مكونات الاقتصاد الفلسطيني، لابقاء سيطرتها عليه كونه احد ساحات المواجهة مع الفلسطينيين.

وأشار نصر في حديثه لـ"ألترا صوت" إلى أن "اسرائيل" تهدف من وراء تحديد أيام قطاف ثمار الزيتون إلى خلق انطباع لدى الفلسطيني بأن المنتوج الاقتصادي لم يعد مجديا له، وجره إلى هجر أرضه والانتقال للعمل داخل الخط الاخضر أو في المستوطنات، ليتمكن الاحتلال من الاستيلاء على الأراضي، والتحكم بأرزاق الفلاحين الذين يتحولون إلى عمال في مناطق تابعة له.

ودعا الخبير الاقتصادي السلطة الفلسطينية ووزراة الزراعة للوقوف عند مسؤولياتها تجاه موسم الزيتون الذي يعني للفلسطيني ارتباطه التاريخي بشجرة الزيتون، وفضح الاجراءات الاسرائيلية الهادفة لافشال موسم القطاف وإضعاف الناتج المحلي والقيمة المضافة منه، من خلال مواجهة مخططات الاحتلال وسياساته الرامية للحد من مصادر العيش للمواطنين وافقادهم دخلهم.

وكان تقرير لوزارة الزارعة أكد أن عصابات المستوطنين أتلفت منذ عام 2011 ما يقارب 73 ألف شجرة زيتون، ما يعني خسائر بقيمة 91 مليون دولار، إضافة لـ40 ألف دونم محاطة بالمستوطنات والجدار والمناطق التي تعتبرها دولة الاحتلال "مناطق أمنية" يمنع الوصول إليها إلا بتنسيق أو تصاريح لا تمنح بسهولة.

اقرأ/ي أيضا:

فلسطينيون يعودون لـ"البلاد".. "هون دارنا"!

أطفال فلسطين في سجون الاحتلال.. لقاء مبكر بالجلاد