16-فبراير-2016

جيش الاحتلال يطوق طرقات قرية برقة قرب نابلس

تقول القصة عن الطرق الترابية الضيقة التي تمر في جبال القرى: إن طريقة اختيار هذه الطرق سهلة، بنفس الطريقة السهلة التي يتم من خلالها شقها. يترك سكان القرى حميرهم في الجبل، وكأنهم يعترفون بقدرة الحمير على تحديد الطريق المناسبة.

مجموعة كبيرة من مغارات قرى الضفة الغربية تشهد عبر المنقوشات على جدرانها على قصص الفلاحين من الثوار

ومع تكرار مشي الناس على الطريق مع دوابهم، تصير هناك ملامح واضحة لها، فلا ينبت العشب عليها ويصير لون ترابها مميزًا. يسمي القرويون هذه الطرق طرق الغنم، مع أنها طرق الحيوانات والناس معًا. وتقول النكتة في أيام الانتداب عن المساحين البريطانيين -الذين يمسحون الأراضي قبل شق الطرق- بأن الفلاحين استخدموا الحمار لشق الطرق لمئات السنين، وعندما عجز الحمار فجأة استعانوا بالخواجات.

تدور معظم القصص الكثيرة عن الثوار الفلاحين في القرى حول مناطق اختفائهم، وطرق هذا الاختفاء. وتسمى مناطق كثيرة على أسماء من اختفوا داخلها، وتحتفظ هذه الأماكن بقصص أبطالها وأيامهم. حتى أن مجموعة كبيرة من المغارات القديمة في قرى الضفة الغربية كانت شاهدة ليس في أسمائها فقط، ولكن في المرسومات والمنقوشات على جدرانها، على مرور مطاردين كثر، تركوا وراءهم قصصهم وأدواتهم وأسماء حبيباتهم.

تحتفي هذه القصص دائمًا بالأرض الجبلية الوعرة التي لم يستطع الإنجليز ولا الإسرائيليون عبورها، لا بآلياتهم ولا بجنودهم. ومع هذا فلم تكن هذه المساحات البعيدة عن متناول الاستعمارات المتتابعة أماكن للاختباء فقط، ولكنها كانت أيضًا مواقع استراتيجية للعمليات العسكرية النوعية، فقد استطاع الثوار الفلسطينيون استخدامها في عمليات هجوم وقنص مختلفة، أنهى الثوار من خلالها على حواجز إسرائيلية كاملة في القرى.

 انتبهت قبل فترة أن طريق الغنم من القرية إلى الواد، وطرقًا أخرى كثيرة اخضرت، يعني أن أحدًا لم يعد يمشي عليها. نبت العشب فوقها منهيًا مئات السنين من خطوات الناس على هذه الطريق، وماحيًا آثار رحل كثيرة، وحبيبات كثيرات كن يمشين إلى النبع وعلى رؤوسهن جرار فخار. اخضرت الطريق، وصارت الطرق المعبدة إلى المدينة أوسع. لكن طرقًا أخرى صارت تعبد، غير الطرق الرئيسية إلى المدينة، طرق جديدة صارت تظهر في القرية والقرى المجاورة خلال السنوات الأخيرة طرق واسعة ومعبدة تربط بين الجبال والوديان، وتصل إلى أقصى المناطق غير المأهولة.

صارت أعلى مناطق الجبال وأكثرها وعورة في ريف الضفة الغربية في متناول الآليات العسكرية الإسرائيلية

نقول في المثل الفلسطيني المعروف: "طريقك خضرا" أي طريقك ميسّرة، ويقول الفلاحون: "طريق الثوار خضرا". وليس غريبًا أن يكون لون العشب والشجر رمز اليسر عند سكان القرى. لكن الغريب أن هذا الوصف لم يعد كما كان.

بعد مجيء السلطة الفلسطينية، صرفت مئات ملايين الدولارات، على مشاريع شق الطرق الزراعية التي كانت على أولويات الممول الأوروبي والأمريكي، وبشهادة جمعيات على غرار جمعية الإغاثة الزراعية، ووزارة الزراعة! 

اخضرت طرق الغنم الضيقة التي لا يستطيع أكثر من شخص المرور عليها في وقت واحد، اخضرت طرق الغنم فاختفت، وعُبِّدَت بدلًا عنها طرق واسعة تستطيع السيارات العادية الوصول إليها، ولم تعد طرق المسّاحين البديلة عن طرق الحمير نكتة. صارت أعلى مناطق الجبال وأكثرها وعورة في متناول الآليات العسكرية الإسرائيلية. بقيت طرق الثوار خضراء، لكن الدعاء للثوار الذي كان دعاء بتيسير طرقهم، صار دعاء عليهم، وصار اخضرار الطريق يعني انتهاءها. هل كنا ندعوا على الثوار من دون أن ننتبه؟ هل كنا ندعوا عليهم عندما قصدنا أن ندعوا لهم؟ هل كنا نقول من دون أن نعرف: طريقكم خضراء، أي طريقكم منتهية، طريق ذهاب بدون عودة.

اقرأ/ي أيضًا:

متلازمة "الجيب" الفلسطينية

صور الانتفاضة.. استعرض البهجة والحرية