12-أكتوبر-2019

62 صحافية وصحافيًا التحقوا في أواسط عام 2009 بالعمل في فضائية "الفلسطينية" التابعة لحركة فتح، لكن تم إغلاق  الفضائية وتسريحهم من العمل قبل نهاية العام ذاته، فترتبت لهم على الشركة المشغلة حقوقٌ مالية، فتوجهوا إلى المحاكم الفلسطينية، وتم استصدار أحكام قضائية لصالحهم، لكنها بقيت حبرًا على ورق، فالشركة تبخرت، والحركة الأكبر تنكرت لحقوقهم، وبدا ذلك كأنه سبرًا سيطول كل العاملين في وسائل الإعلام الحزبية والشركات الإعلامية الفلسطينية التي يتم إغلاقها.

608 آلاف دولار، حقوق مالية غير مدفوعة لصحافيين وصحافيات في فضائية تابعة لحركة فتح

بلغت قيمة الحقوق المالية للعاملات والعاملين في الفضائية الفلسطينية التي أقرتها المحاكم الفلسطينية أكثر من 608 ألف دولار، ووجه رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون رياض الحسن في حينه كتابًا بتاريخ 13 كانون أول/ديسمبر 2009 إلى الرئيس محمود عباس لصرف المبلغ المذكور، ووقع الرئيس على الكتاب ثم حوله إلى رئيس ديوانه في حينه ليتم الصرف، لكن لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، وبقي العاملون دون حقوقهم المالية رغم مرور أكثر من عشر سنوات على قرار إغلاق الشركة المسجلة بأسماء أربعة مساهمين برأسمال قيمته 700 ألف دينار. 

اقرأ/ي أيضًا: إذاعة سرية في رام الله

وُجِدَت الشركة المذكورة حين قررت وقف بثها ملزمة بحقوقٍ لأكثر من جهة غير حقوق العاملين بها. فهي ملزمة بحقوق مالية لوكالةٍ إخباريةٍ دوليةٍ بعقدٍ مقداره 139 ألف دولار، والمحاكم البريطانية هي المختصة بالنظر في دعاويه. وملزمةٌ باتفاقية مع شركة اتصالاتٍ دولية بمبلغ 170 ألف دولار، والمحاكم القبرصية مرجعيتها، وملزمةٌ مع شركة إنتاج أردنية بعقد سنوي قيمته 400 ألف دولار، والمحاكم الأردنية مرجعيته، إضافة إلى عقدٍ مع شركةٍ إعلاميةٍ فلسطينيةٍ بقيمة 120 ألف دولار كل ثلاثة شهور مرجعيتها المحاكم الفلسطينية.

لقد تم التوصل إلى تسوياتٍ ماليةٍ مع كل هذه الأطراف باستثناء العاملين لدى الشركة، فهم الطرف الأضعف في المعادلة ومرجعيتهم محاكم فلسطينيةٌ وقانون شركاتٍ يتيح التنكر لحقوق العاملين في هذه الشركات في حال تم إغلاقها، حتى لو حكمت المحاكم لصالحهم. فالأحكام المتعلقة بحقوقهم التي كفلها قانون العمل الفلسطيني وضعت لدى دائرة التفيذ لكنها لم تنفذ أي قرار منها، وموجودات الشركة حولت قبل حل الشركة إلى التلفزيون الفلسطيني مما حال دون إيقاع الحجز عليها، ولم تنجح محاولات الحجز على مساهميها كونها شركة ولا تنفذ حقوقها على الأفراد المساهمين.

هذه القضية وقضايا أخرى أثيرت للمرة الأولى في مؤتمر نظمته مؤسسة "فلسطينيات" مؤخرًا في مدينتي رام الله وغزة تحت عنوان "الإعلاميات يتحدثن"، وقد كشفت عن حجم التنكر لحقوق عاملين وعاملات في وسائل إعلام تابعة لأحزاب سياسية، فقد أغلقت مؤخرًا وسائل إعلام عديدة مثل قناة "القدس" الفضائية، وقناة "الكتاب" الفضائية، وقناة "هنا القدس" الفضائية، وإذاعة "الأقصى"، وغالبيتها تتبع إلى حركة حماس، كما تم تسريح العديد من العاملين في قنوات أخرى كقناة "فلسطين اليوم" التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، وغالبية العاملين في هذه القنوات لم يتم تسوية حقوقهم المالية بعد تسريحهم، فبعضهم تم الاتفاق على حقوقه وبعضهم لم يتم، ويُخشى أن تكون حركة فتح فيما فعلته مع العاملين في قناتها قد سنت سنةً لكل الأحزاب السياسية، هذا عدا عن أن شركاتٍ إعلامية فلسطينية أُغلقت ولم يحصل العاملين فيها على حقوقهم.

يُخشى أن تكون حركة فتح فيما فعلته مع العاملين في قناتها قد سنت سنةً لكل الأحزاب السياسية

لعلاج هذه المعضلة لابد من خطواتٍ سريعةٍ لمواجهة تنكر الأحزاب السياسية والشركات الأخرى لحقوق العاملين فيها، كأن تقوم نقابة الصحفيين بملاحقةٍ إعلاميةٍ للأحزاب التي تتنكر لحقوق العاملين والعاملات في شركاتٍ إعلاميةٍ تتبع لها، وأن يتم تفعيل العمل بقانون نقابة الصحفيين لسنة 1952، فهو الإطار القانوني النافذ الذي يمكن من خلاله حماية حقوق العاملين في الشركات الخاصة ولدى الأحزاب السياسية.

يتوجب أيضًا تعديل قانون الشركات المساهمة الخاصة بما يضمن حماية العاملين فيها، مثل إنشاء صندوق ضامن لحقوق العاملين، أو أن يكون المساهمون ضامنين بصفتهم الشخصية.

يجب أيضًا تعديل قانون المطبوعات والنشر بما يمكن وزارة الإعلام من كفالة حقوق العاملين في الشركات الإعلامية، ومنع أية وسيلة إعلام لا يوجد لديها تسجيل في فلسطين من ممارسة العمل قبل التسجيل وضمان حقوق العاملين بها، وأن يكون رأس المال المسجل عند ترخيص وسائل الإعلام والرسوم السنوية بمثابة رأسمال ضامن للحقوق العمالية للعاملين في الشركات الإعلامية المساهمة الخصوصية، وأن يسقط الإعلاميون والإعلاميات الغطاء الأخلاقي عن أية وسيلة إعلامٍ حزبيةٍ تتنكر لحقوق العاملين لديها، خاصةً عند التسوية المالية، ولا شك أن قانون ضمان اجتماعي عصري هو الحل الضامن لكرامة العاملين في وسائل الإعلام المذكورة.


اقرأ/ي أيضًا: 

إعلام وزارة وليس إعلام وزير

زمن إعلامي رديء

السلطة وشيطنة الشبكات الاجتماعية