24-فبراير-2017

لقد جلب وقوعهما في الحب أنظار الكثيرين، أحلام ونزار التميمي؛ شغلت قصتهما وسائل الإعلام عام 2011، ليس فقط لأن كلاهما كان أسيرًا من أصحاب الأحكام العالية في سجون الاحتلال، وخرجا في صفقة "وفاء الأحرار". بلّ لأنهما كسرا قاعدة من قواعد الزواج التي اعتادها الفلسطينيون وأتيا بما هو غير مألوف!

 أحلام حمساوية ونزار فتحاوي، ومثل هذه الزيجات لم يعد الفلسطينيون يسمعون بها كثيرًا، خاصة بعد الانقسام بين الحركتين 

لنا أن نتخيّل أنه ومنذ حوالي عشر سنوات ويزيد (عمر الانقسام الفلسطيني) أصبح الحزب غريمًا للحب، وأنّ شابّات وشُبّان الجيل الجديد من حماس وفتح لا يقربون بعضهم في أمور الحب والزواج. لقد نفد حب نزار وأحلام من كلّ هذا العداء، ربما لأنهما من الجيل القديم الذي كان فيه الانتماء للحزب وسيلة لمقاومة الاحتلال، وليس غاية، أو ربما شفعت صلة القرابة بينهم اختلافهم السياسيّ، أو ربما لم يبال الحب بينهما بكل ذلك. فهل يفعلها الحب مرة أخرى ويقع لا مباليًا في قلبيّ شاب وفتاة باعدت بينهما السياسة؟

بات الانتماء الحزبي مثل الانتماء الدينيّ؛ حسّاسًا ومُهمًّا، وتترتب عليه قائمة من الممنوعات والقواعد والشروط التي يجب على المنتسبين له الالتزام بها. وأصبح من النادر أن يرتبط شاب بفتاة تنتمي إلى حزب آخر، خاصة إذا كان الانتماء الحزبيّ يشمل العائلتين بشكل واضح، ففي فلسطين بات تعريف العائلات وفقًا لانتمائها السياسيّ أمرًا مألوفًا، وأصبحت هذه العائلات تعتبر رايات حزبها وأعلامه وأغانيه جزءًا من مراسم أعراسها وحفلاتها، ومع الوقت وكلما ازدادت حدة الانقسام بين الحركتين ازداد نهم الناس ورغبتهم بالتعبير عن انتمائهم السياسيّ.

يقول الروائي البريطاني آرثر كلارك: "أكبر مأساة في تاريخ البشرية حدثت يوم اختطف الدين الأخلاق"، بمعنى أنّه حصل ربط بين تديّن الانسان وأخلاقه، فذاب مفهوم الأخلاق ليصبح جزءًا من تديّن الفرد، وبالتالي فإن الأفراد غير المتدينين باتوا بنظر المجتمع أيضًا بدون أخلاق، بينما أصبح تديُّن الإنسان هو الدليل الأهم على حسن أخلاقه. تُتهم الأحزاب الدينية بأنها سرقت الدين وألصقته بنفسها لكسب قاعدة جماهيرية أوسع، وبات كل من يعاديها يعادي الدين، ووفقًا للمقولة فإن هذه الأحزاب تكون قد سرقت الدين والأخلاق، فهل حصل هذا فعلًا؟

إذا كان هذا هو ما حصل، فإن تعريف أخلاق الأفراد من خلال انتمائهم السياسي ليس بالأمر المستبعد، بل إنه يحصل حقًا في المجتمعات المحافظة التي يشكل فيها الدين الركيزة الأساسية التي يبني الأفراد عليها ومن خلالها آراءهم السياسية وعلاقاتهم الاجتماعية، فبالنسبة لهذه المجتمعات فإن من ينتمون إلى الأحزاب الدينية، أخلاقهم تختلف عن المنتمين للأحزاب اليسارية أو العلمانية بحكم اختلاف مستوى التديّن والتعبير عنه من خلال السلوك والمظهر، وبالتالي ولأن أخلاق الشاب أو الفتاة جزء مهم من تحديد مدى ملائمته/ها ليكون شريكًا في الحياة فستجد أن بعض الأهالي -حتى الذين لا ينتمون إلى حزب بعينه- يميلون إلى معرفة الانتماء الحزبي للشاب/الفتاة قبل تأكيد الارتباط.

بدا واضحًا أنّ الأحزاب هي الأديان الجديدة التي يلتف الناس حولها ويورثوها لأبنائهم. أمّا في فلسطين وبالنسبة للحركتين المقتتلتين فإن الآباء لن يورثوا أبناءهم الحزب كدين فقط، بل كثأر، فلماذا إذًا نتحدث عن مشكلة استحالة الزواج بين عناصر الحركتين بينما هناك مشكلة أعظم وأخطر وهي احتمالية القتل؟

البلاد البطيئة في كل شيء سريعةٌ جدًا في الرجوع إلى الوراء، وبينما تتقلص قائمة تصنيفات الناس لأنفسهم في الأزمات والكوارث حتى يتمكنوا من النجاة معًا، فإن الفلسطينيين ورغم الأسى الذي يعيشونه منذ سنوات طويلة ما زالوا متمسكين بقائمة تصنيفات طويلة عريضة ولا يتوقفون عن إضافة خانات جديدة لها، يُقسّمون فيها أنفسهم من جديد ويميّزون بين جماعة وأخرى، ولا شك أنهم يُجيدون ذلك ببراعة، لدرجة أنك ستظن أحيانًا أنّ مذيع النشرة الإخبارية يتحدث عن تسوية الخلافات بين حركة فتح المتمركزة في الضفة الغربية وحركة حماس المسيطرة على قطاع غزة، بينما هو يتلو أخر الأخبار بخصوص حلّ الدولتين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فتح وحماس.. المصالحة المستعصية

الأمل فيهم ذروة اليأس يا صاحبي

أكثر من مصالحة.. أقل من دولة