28-يونيو-2019

في منتصف شهر نيسان/إبريل الماضي، قرر "محمود" الاحتفال بعيد ميلاد خطيبته "ياسمين" الذي حلّ موعده قبل أيامٍ من موعد زفافهما. جهّز "جاتوه" باسمها وزيّن المكان بالبالونات المزخرفة باسمها، وأخرى بأمنيات السعادة والحب.

أثناء الحفلة كانت ترتسم على وجه محمود ابتسامة تُوحي بأنه يفّكر في شيء ما، كان ينظر إلى البالونات وكأنه يحاكيها، فهو نفسه سينطلق صباح اليوم التالي لنفخ ذات البالونات وإعدادها لحفلة من نوعٍ آخر "على الحدود".

ارتفاع أسعار "البلالين" في غزة مع دخول الصيف وتزايد الإقبال عليها لاستخدامها في مسيرات العودة وأفراح الغزيين

قال عن تلك اللحظات: "كنت طوال الحفلة أتنبّه للبالونات بين حين وآخر، أضحك من قلبي، لأنني لم أكن أهتم لهذه الأشياء كشاب عمري خمسة وعشرين سنة، لكنه القدر".

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | "طيري يا طيارة".. عهد الطفولة يعود بورق ونار

"القدر" الذي يقصده محمود -الملقّب بين شبّان الحدود بـ"الصقر"- هو انضمامه لـ"وحدة أحفاد الناصر"، وهي إحدى المجموعات الشبابية التي تطلق البالونات الحارقة من الحدود الشرقية لقطاع غزة نحو مستوطنات غلاف غزة.

هذا "القدر" أوجد صورة جديدة لاستخدام البالونات في غزة، فبينما يهوى الغزيون وأصحاب الصالات والمحلات استخدامها مع دخول فصل الصيف المتّسم بالأفراح والمناسبات والحفلات، دخل على الخط شبان الحدود الذين تدافعوا إليها "سرًا" ابتغاءً لاقتناء كميات كبيرة منها بعدما استأنفوا إطلاقها على المستوطنات بحلول الصيف حيث موسمها الذهبي.

على أبواب احتفالات التخرج التي بدأت في بعض الجامعات وستنطلق خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس القادمين، سيكون أصحاب محلات البالونات على موعدٍ مع زبائن كُثر، لكن في المقابل سيُفاجأ الطلاب بأسعار جديدة لها، خاصة الأنواع عالية ومتوسطة الجودة بضعفي السعر المتعارف عليه، وهو ما اضطرت له الطالبة إيمان جودة.

وصل سعر البالون عالي الجودة في غزة إلى 40 شيكل

جودة التي احتفلت مع أهلها وصديقاتها بتخرجها من الجامعة قالت: "البالون الواحد من الحجم الكبير المكتوب عليه بـ30 وفي نوعية 40 شيقل، مضطرة".

استحضرت حفلاتٍ سابقة اشترت فيها البالونات "أتذكر قبل كان غير، أول مرة أعرف أن البالون صار سعره هيك، في حين كنت أدفع 100 شيقل لجهة لتزيّن لي مكان بالكامل دون زيادة، يعني كان التجهيز كله بالبالونات وغيرها فقط بـ100 شيقل وأقل أحيانًا".

حتى أجرة تزيين حفلةٍ ما، زاد ليصل إلى ثلاثة أضعاف بسبب غلاء البالونات وهي أصلًا غير متوفرة، وذلك وفق صفحة "بلالين" الخاصة بتزيين المناسبات في غزة.

لكن طبيعة الوضع الاقتصادي السيء وبالتالي انخفاض الدخل أجبرا غزيين على التوجه لشراء أنواع رديئة من البالونات "السادة"، وهي رديئة الجودة وسرعان ما تتفرقع، وفي نفس الوقت لا يستخدمها شبان الحدود.

"عشنا وشفنا البالون يصير عليه أزمة وقصة"، قالت سناء أبو حماد وهي مدرسةٌ في إحدى رياض الأطفال في محافظة خانيونس، التي أقامت حفل تخرج لطلابها بعد عيد الفطر.

اقرأ/ي أيضًا: صور | أدوات الإرهاب الإسرائيلي تحف فنية في غزة

أضافت، "الحفلة هذه السنة ما كان فيها إلا أربع بالونات من الجامدة المكتوب عليها عبارات، وهذه النوعية تبقى بعد نفخها أيام كما هي".

استدركت، "لكن صاحب المحل الذي نتعامل معه قال لنا بالحرف إن كيس البالون أصبح غالي عليه، لهذا يبيعه بسعر أغلى، فاضطررنا لاستخدام بالونات خفيفة جدًا سادة، وطبعًا هذه النوعية نصف الكمية تقريبًا تفرقعت ونحن ننفخ فيها".

شبان الحدود يقتنون البالونات عالية الجودة وهم يحرصون على أن يكون لديهم فائضًا منها، كما قال "الصقر".

أضاف، "في بداية إطلاق البالونات كنا نجلب بالوناتٍ دون كتابة لكنها عالية الجودة ونكتب عليها ما نريده من رسائل قبل إطلاقها محملة بغاز الهيليوم والنار تجاه المستوطنات، لكن اليوم معظم البالونات في السوق مزخرفة برسومات وكلمات، فصرنا نخزن منها أولاً بأول".

وأفاد بأنهم يشترون بعضها من المحلات العادية وأخرى من تجار الجملة، "فالبالونات على قفا مين يشيل"، يقصد متوفرة بكثرة.

لكن سعر البالونات "ضُرب" في السوق، خاصة أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمنع منذ عام ونصف دخولها لغزة، بعد إدخال البالونات الحارقة إلى مسيرات العودة.

يقول صاحب محلات "روكسي حازم أبو شعبان: "ضربوا سعرها، ضربوه في اثنين أو في ثلاثة وفي نوعيات في خمسة".

وتابع، "من سنة أصبح هناك شح في البالونات، وأنا كصاحب محل معروف وأبيع بالقطعة والجملة عندي أنواع متوفرة من قبل بشيكل البالون، لكن الأنواع الجديدة المخملة والمكتوب عليها ولها أشكال متعددة حسب المناسبة، وهي الأكثر طلبًا أصبح سعرها مضاعف".

التجار الذين يجلبون البالونات بطرق متعددة من بينها "التهريب بين البضائع" فرضوا أسعارًا غالية جدًا حتى على أصحاب المحلات

التجار الذين يجلبون البالونات بطرق متعددة من بينها "التهريب بين البضائع" استغلوا كثرة الطلب عليها مع إدخال البالونات الحارقة لمسيرات العودة، وفرضوا أسعارًا غالية جدًا على أصحاب المحلات أمثال أبو شعبان.

قال: "السعر انضرب في 3، أبو 5 شيكل أصبح بـ15 شيكل للبالون الواحد من المخملة، لأنها عليها طلب من الناس كونها تأخذ هواءً كثيرًا وعمرها طويل، وهو نفس النوع الذي يستخدمه شبان الحدود".

حازم أبو شعبان

سابقًا كان صاحب المحل يأخذ تشكيلاتٍ متنوعة من تجار الجملة وكميات أكبر، وكان البيع أكثر أيضًا، "لكن اليوم سعرها غالي فأصبحنا نوفر كم صنف فقط" يقول أبو شعبان.

وكما البالونات، فغاز الهيليوم -الذي يُستخدم عادة في تطيير البالونات لكي تبقى بوضع المعلقة في الجو- ممنوع من دخول غزة. يُبين أبو شعبان أن البديل عنه الآن نوعٌ من اللاصق يوضع في البالون بعد نفخه ويتم لصقه بالحائط أو الأسقف، وهو يسبب خدوشًا، "لأن الأصل استخدام الهيليوم وهو مختفي تمامًا".

تاجز غزي: أزمة البالونات في غزة سببها احتكار المستوردين للبالونات وتحكمهم في الأسعار

ردد باستغراب "أما كيف يحصل عليه شبان الحدود، هل يصنعونه محليًا أم من أين؟ لا أدري.. العلم عند الله".

صاحب محلات "العشي" أكد لنا أن غزة فيها بالوناتٌ تكفيها 10 سنواتٍ وأكثر قادمة، مبينًا أن ارتفاع الأسعار سببه أن مستوردي هذه البالونات وعددهم لا يزيد عن خمسة أو ستة تجار، أخفوا البالونات الموجودة وأصبحوا يتحكمون في بيعها للتجار والناس، خلافًا لمبررات المستوردين بهذا الخصوص.

يُذكر أن إطلاق البالونات الحارقة لايزال مستمرًا حتى الآن، رغم العقوبات التي تفرضها سلطات الاحتلال على غزة ردًا على إطلاقها، ومنها تقليص مساحة الصيد، ومؤخرًا منع إدخال الوقود إلى قطاع غزة ليومين، إذ تُشكل هذه البالونات وسيلة الضغط الأهم حاليًا للتعجيل بتنفيذ تفاهمات التهدئة التي تتلكؤ حكومة الاحتلال في تنفيذها.


اقرأ/ي أيضًا: 

"سبيدي إكسبريس" ومسيرات العودة.. ما العلاقة؟

مسيرات العودة: مشاهد لا تُنسى.. صور وفيديو

صور | "طائرات المولوتوف".. السلاح الأقوى لمسيرات العودة