09-أغسطس-2020

صورة توضيحية - gettyimages

للحظةٍ لم يدخل مخطط "فرض السيادة" الإسرائيلية على المستوطنات وأراضٍ شاسعة من الضفة المحتلة حيز التنفيذ، على الرغم من إعلان نتنياهو أنه سيبدأ بتطبيقه  في الأول من تموز/ يوليو الماضي.

وعلى ما يبدو فإنه لا يوجد في الأفق ما يوحي بأن الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية جاهزتان لإعلان التوقيت الفعلي لبدء تنفيذ مخططهما.

 لا يوجد في الأفق ما يوحي بأن الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية جاهزتان لإعلان التوقيت الفعلي لبدء تنفيذ مخططهما

ففي الأول من آب/أغسطس الحالي، نقلت صحيفة "ماكور ريشون" المحسوبة على التيار الاستيطان الإسرائيلي عن مصدر أمريكي مطلع قوله إنه "لا أحد يهتم بالضم الآن".

اقرأ/ي أيضًا: لماذا تعثر مشروع الضم الإسرائيلي في الضفة الغربية؟

والجدير ذكره هنا أن ثمَّة اتفاقً بين الإدارتين -الأمريكية والإسرائيلية- منذ الإعلان عن "صفقة القرن" مطلع العام الجاري، ينص على عدم الشروع في تنفيذ خطة الضم من قبل الحكومة الإسرائيلية دون موافقة البيت الأبيض. وفي إشارة إلى هذا الاتفاق، قال نتنياهو في تصريح له عقب اجتماعه بحزب الليكود في 3 آب/أغسطس الحالي "إن مخطط فرض السيادة الإسرائيلية (الضم) لم يستبعد من جدول أعمال الحكومة"، موضحًا، أن "القضية في واشنطن، وأن الدعم من البيت الأبيض ضروري لتنفيذ الضم".

أسباب تعثر مخطط الضم

1. إسرائيليًا

أولاً : الحكومة وميزانية الدولة

يسعى نتنياهو إلى التراجع عن اتفاقه الائتلافي مع غانتس، وتمرير ميزانية للفترة المتبقية من العام الحالي فقط، في حين يصر غانتس على الالتزام بنموذج الميزانية لعامين.

يحاول نتنياهو من وراء ذلك افتعال أزمة حول مشروع ميزانية الدولة كي لا يقرها الكنيست حتى الـ 25 من آب/ أغسطس الحالي، ليتم حل الحكومة تلقائيًا، والتوجه لانتخابات برلمانية مبكرة رابعة. ويرجح كثيرون، أن الدافع من وراء تأجيل مخطط الضم وافتعال أزمة حول مشروع ميزانية الدولة هو تخوف نتنياهو من صدور قرار قضائي في نهاية العام الجاري، يفرض عليه تجميد صلاحياته، بسبب مسار محاكمته المكثف الذي سينطلق في الشهر الأول من العام المقبل.

يسعى نتنياهو إلى قلب موازين القوى داخل الحكومة لتشكيل ائتلاف جديد يحول دون تسليم زمام الأمور لغانتس

وفي هذه الحالة، وحسب اتفاق الائتلاف الحكومي، فإن الصلاحيات ستُنقل فورًا إلى ما سُميّ بـ"رئيس الحكومة البديل" بيني غانتس، على أن تعود الصلاحيات لنتنياهو حينما ينتهي مفعول القرار القضائي.

اقرأ/ي أيضًا: رياح انتخابات جديدة في إسرائيل

لكن نتنياهو يسعى إلى قلب موازين القوى داخل الحكومة لتشكيل ائتلاف جديد يحول دون تسليم زمام الأمور لغانتس، والسبب في ذلك يعود لانعدام الثقة بين الحزبين .

ثانيًا: جائحة كورونا والاقتصاد الإسرائيلي

رغم التقديرات الصحية التي كانت تتحدث عن موجة جديدة من فيروس كورونا في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، وبينما ظهر أن "إسرائيل" تخرج من الأزمة الصحية، إلا أنه -على غير المتوقع- اندلعت الموجة الثانية من فيروس كورونا في مطلع شهر حزيران/يونيو الماضي، وبدأت الإحصائيات بالارتفاع مرة أخرى.

وبحسب معطيات وزارة الصحة الإسرائيلية، فإن عدد المصابين منذ بدء تفشي الوباء (وحتى نشر المقال الأحد) زاد عن 82 ألف حالة. ولذلك حذر المدير العام لوزارة الصحة يوم الثلاثاء 4 آب/أغسطس من أنه يتم دراسة إعادة فرض إجراءات إغلاق صارمة لتخفيض معدل الإصابات الجديدة بفيروس كورونا.

ويسأل كثيرون عن هذه النقطة إذا ما تم اعتماد ميزانية الحكومة وتفكيك الائتلاف والدعوة لانتخابات جديدة نهاية شهر آب/أغسطس، كيف يمكن حينها دعوة الناس، كل الناس، للتدفق إلى صناديق الاقتراع؟ فقد يكون الوضع الصحي عائقًا أمام مشاركة أعداد أضخم.

يواجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمة اقتصادية خانقة وصفها البعض بالأسوأ في تاريخ "إسرائيل"

ويواجه الاقتصاد الإسرائيلي أزمة اقتصادية خانقة وصفها البعض بالأسوأ في تاريخ "إسرائيل"، بسبب تفشي فيروس كورونا. وحسب صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، فإن الاستهلاك الفردي انهار في الربع الثاني من العام الجاري، بنسبة 50%. وإن العامل المؤثر الأكبر في هذا التراجع غير المسبوق هو تراجع القوة الشرائية الاقتصادية، إذ إنه وفي أوج الإغلاق كان 1,2 مليون شخص معطّلين عن العمل، و22% منهم من دون مخصصات، بينما الباقي حصلوا على مخصصات تقل بما بين 60% إلى 30% من رواتبهم الأصلية.

اقرأ/ي أيضًا: وزير إسرائيلي: مشروع الضم قد يعاد طرحه بعد أشهر

كذلك فإن التخبط في معطيات البطالة متواصل، ففي أسبوع واحد قرأنا تقريرين، الأول يتحدث عن بطالة في حدود 18%، والثاني يتحدث عن 10,5% في نهاية حزيران. وفي حال استمرت الأزمة الصحيّة، أو تراجعت وتبعتها موجة ثالثة، فإن الأزمة الاقتصادية ستتعمق أكثر، وهذا ما سيقع على كاهل الجمهور.

كل هذا يعني أن نتنياهو، في حال قرر التوجه إلى انتخابات مبكرة، سيجد نفسه يغوص في أزمتين خطيرتين جدًا، قد تؤثران على مصيره.

2. أمريكيًا

أوقفت الإدارة الأمريكية، محادثاتها مع الحكومة الإسرائيلية، بشأن مخطط الضم، لحين اتفاق أطراف الحكومة الإسرائيلية على هذه الخطط. والسبب في ذلك يعود للخلافات والأزمات الإسرائيلية المستمرة بين حزبي" الليكود" بزعامة نتنياهو وحزب "أزرق أبيض" بزعامة وزير الجيش ورئيس الوزراء المناوب بيني غانتس.

ويريد نتنياهو من غانتس الموافقة على بيان يؤكد على قضية تطبيق السيادة على المستوطنات في الضفة الغربية، دون ذكر إنشاء دولة فلسطينية. في المقابل لا يوافق الأخير على البيان، حيث يؤكد غانتس على أنه ملتزم بجميع مبادئ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دون استثناء .

وانعكس هذا الخلاف الداخلي الإسرائيلي في خلافات داخلية ضمن فريق ترامب، إذ يرى السفير الأمريكي فريدمان ووزير الخارجية مايك بومبيو، أن "حكومة إسرائيل هي من يقرر بشأن الضم، سواءً لجهة الكيفية والوقتية"، ويسعيان للضغط لإعطاء نتنياهو الضوء الأخضر، حتى من دون موافقة حزب "أزرق أبيض". في المقابل فإن كوشنر يضغط في اتجاه تأجيل ذلك، فضلاً عن ربط الدعم الأمريكي بالتزام إسرائيلي واضح بقيام دولة فلسطينية.

انعكس هذا الخلاف الداخلي الإسرائيلي في خلافات داخلية ضمن فريق ترامب

في المقابل، يقف ترامب أمام المعركة الأخطر في حياته السياسية، في ظل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، وتحول الولايات المتحدة إلى بؤرة عالمية للوباء، وفشل إدارته في التصدي لها، والانهيار الاقتصادي تزايد معدلات البطالة غير المسبوقة التي ترتبت عليها.

وتشير استطلاعات الرأي لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2020 إلى تأخر ترامب على نحوٍ بعيد أمام منافسه الديمقراطي جون بايدن، الذي لا يخفي سرًا معارضته لمشروع ترامب وفرقته في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وسياساته الخارجية.

في الختام، على ما يبدو أن لا أحد حقًا مهتمٌ بالضم الآن أمام كل هذه الأزمات التي ذكرناها، لذلك أصبح المخطط لا يشكل أولوية لدي الكثيرين، أهمهم المجتمع الإسرائيلي الذي أصبح يبحث عن علاج لمشكلاته الصحية والاقتصادية. ويجب الإشارة هنا إلى أن تعطيل الضم لا يعني إبطاله، فربما تعود الأمور إلى نصابها ويفوز ترامب برئاسة جديدة وينجح نتنياهو في الانقلاب على غانتس  .


اقرأ/ي أيضًا: 

خبير: نتنياهو فشل في تمرير الضم بالصيغة التي أرادها.. وسيغير الخطة

ليبرمان: نتنياهو يضللنا بشأن الضم