04-أبريل-2021

كتبت سابقًا ورقة بعنوان "التأريخ بنصوص المهزومين: قراءة نقدية لمذكرات حرب 1947- 1948 كمصدر تاريخي في ضوء وثائق حُمَاة يافا (12/ 1947- 5/ 1948)"، ستنشر نسخة عربية ثانية منها قريبًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أتت كخاتمة لانشغالي في وثائق حامية يافا، التي نشرت في المجلد الثاني من يافا دمٌ على حجر.. حامية يافا وفعلها العسكري دراسة ووثائق، بعنوان يوميات من بارود: يوميات حامية يافا شباط/فبراير 1948- نيسان/أبريل 1948.

محمد سعيد إشكنتنا ولد في يافا لأسرة كانت تسكن البلدة القديمة وانتقلت لاحقًا لحي العجمي، وتحول لقب العائلة مع الزمن من "إيشكونتو/ إيش كنت أنا"، إلى "إشكنتنا"

انطلقت هذه الورقة من خلال نقدها الداخلي والخارجي السياقي، لما تقدمه وثائق حامية يافا، من أن نصوص السير والمذكِّرات اليافية –كما معظم السير والمذكِّرات التي كُتبت عن الحرب في مرحلتها الأولى بالحدّ الأدنى- كُتبت بعيون المهزومين، إذ حضرت فيها هزيمة المدينة وأيامها الأخيرة، كما تضاعف تأثير الهزيمة فيهم لتأثرهم بالهزيمة الكبرى التي تجلّت بنهاية الحرب ونكبتهم، وفقدان ديارهم وتشريدهم عنها. فكان لذلك تأثير سلبي في دقة ما قدّمته السّير والمذكِّرات من معلومات، وملاحظات، واستنتاجات، وتقييمات. وختمت بأن هذه الصنف من الأدبيات تحوّل في مجمله إلى نصوص اتهام أو دفاع عن النفس، وجب النظر إليها نقديًا في ضوء سياقاتها التاريخية المحددة.

اقرأ/ي أيضًا: تقصّي أثر مقاتل (1): راتب راضي خويرة

أحد أبرز النصوص التي انطلقْتُ منها لفهم ما جرى في يافا قبل أن تقع بين يدي وثائق مقاتليها، نصٌ كتب في العام 1964، وأعاد نشره في العام 2013 اليافي المهتم بتاريخ المدنية عدلي مسعود الدرهلي. كان النص بعنوان "أسرار سقوط يافا سجل تاريخي يفضح المؤامرات على عروس يافا"، جمعها محمد سعيد إشكنتنا. ختم الدرهلي النص المنشور بسيرة موجزة لإشكنتنا، فأشار إلى مولده في يافا لأسرة كانت تسكن البلدة القديمة وانتقلت لاحقًا لحي العجمي، ولاشتهار عائلته المعروفة بعائلة "الفصيح" بالعمل في البحر، وتخريجها لعدد من رياسه، وتحول لقب العائلة مع الزمن من "إيشكونتو/ إيش كنت أنا"، إلى "إشكنتنا".

وأضاف الدرهلي بأن إشكنتنا، أنهى دراسته في المدرسة العامرية الثانوية في يافا، ثم اشتغل في الصحافة فأنشأ مجلة الضياء -صدر منها عدد واحد فقط في العام 1946- وعمل في الصحافة المحلية، وبعد سقوط مدينته لجأ إلى عمان، حيث عمل في الصحافة والإعلام التلفزيوني قبل أن يؤسس مكتبًا للدعاية والإعلان ويعمل وكيلاً لمؤسسات التلفزيون. انتهت النبذة، لكن لماذا أصدر إشكنتنا كتابه في العام 1964، ولم يصدره قبل ذلك أو بعد؟! وما هي مصادره في تأليف الكتاب؟ سبق وحاولت الإجابة عن جزء من السؤال الثاني في ورقتي المشار إليها أعلاه، فتحدثت عن أحد أبرز مصادر النص تقرير كتبه صلاح إبراهيم الناظر (1910-1992)، العضو المكلف في لجنة يافا القومية لشؤون الأمن والدفاع عن المدينة، بعد سقوط المدينة ووجه إلى رئيس الهيئة العربية العليا وقائد فلسطين آنذاك، الحاج "محمد أمين" طاهر الحسيني (1897-1974).

أنهى دراسته في المدرسة العامرية الثانوية في يافا، ثم اشتغل في الصحافة، وبعد سقوط مدينته لجأ إلى عمان حيث عمل في الصحافة والإعلام التلفزيوني

لم ينشر الناظر التقرير، الذي وصل ليدي إشكنتنا، كما وصل لاحقًا إلى يد وليد الخالدي، معلقًا على النص "إني على يقين بأنك أول من يدرك خطورة ما فيه من الأسرار التي لن يفيد من نشرها اليوم إلا العدو، ولكن رغمًا عن قصة العار والخيانة التي يرويها فهو أيضًا سجل مشرق لنضال أبي إبراهيم [صلاح الناظر] وتفانيه في خدمة الواجب، وجدير بأن يطلع عليه من تثق بهم ليذكروا فضلك على مر الأيام ويقتدوا بك". وبقي النص الكامل لتقرير الناظر محجوبًا إلى أن نشره اليافي علي حسن البواب في المجلد الأول من موسوعته يافا الجميلة، وأعاد الدرهلي نشره إلى جوار ما نشر من نصوص.

اقرأ/ي أيضًا: عن الهزائم وتغيير المصائر.. حمدي مطر يتذكر

بعيدًا عن مصادر نص كتاب إشكنتنا، كان سؤال لماذا العام 1964 حاضرًا في ذهني، وازداد هذا الحضور بعد حصولي على نسخة أصلية من كتاب إشكنتنا، في الصفحة الداخلية لهذه النسخة كتب "ترقبوا سلسلة مذكرات عن أسرار سقوط مختلف المدن الفلسطينية"، بحثت عن نصوص إضافية لصاحب الكتاب فلم أجد، وبقي سؤال لماذا العام 1964 حاضرًا وإلى جواره، لماذا توقفت السلسلة واقتصرت على كتاب يافا؟!

انشغلُ مع كل انشغالٍ بحثيٍ بالمصادر الأولية المختلفة، ولغياب مواقع الجمع، كالأراشيف، اضطر للبحث عن كل المصادر الممكنة، وفي حالة فلسطين خلال سنوات 1900-1967 أجد الصحافة أبرز المصادر الممكنة، وأعتبرها دفتر يوميات، سجّل يوميات فلسطين وأهلها بتفاصيل مكتملة الأركان في أحيان، وبمفاتيح تمكن من بناء التفاصيل في أحيان أخرى. وبينما أنا منشغلٌ في الصحافة الصادرة في بقية وسط فلسطين خلال العام 1964، استطعت تكوين صورة أولية عن دافع خروج نص إشكنتنا المباشر، لكن قادني هذا التتبع في الخاتمة، إلى صدمة، وإلى سرٍ دُفن كما يبدو ككثيرٍ من أسرار ضحايا ممالك الخوف والقهر مع دفن صاحبه!

بالتزامن مع لحظة ولادة الكيان الجديد، والفلسطيني الجديد، بدأت صحافة بقية فلسطين باستعادة بعض ماضي فلسطين المقاوم القريب بكثافة

خلال العام 1964 بلغت المساعي العربية لإقامة كيان فلسطيني ذروتها، أسندت هذه المرة، بخلاف مرات سابقة كالعام 1960 بمبادرة وإرادة من بعض أهل فلسطين، كان على رأسها أحمد أسعد الشقيري (1908-1980)، ومع منتصف العام سيوفق أهل فلسطين بجمع شتاتهم وإعلانهم كيانهم، وإطلاق منظمتهم المنطلق -كما عبرت صحيفة فلسطين آنذاك على صدر صفحتها الأولى- وبالتزامن مع لحظة ولادة الكيان الجديد، والفلسطيني الجديد -بتعبير قدري حافظ طوقان (1910–1971)عضو المجلس الوطني الفلسطيني الأول- بدأت صحافة بقية فلسطين باستعادة بعض ماضي فلسطين المقاوم القريب بكثافة.

اقرأ/ي أيضًا: زعيتر يكتبني: حطموا الأقلام!

تصدرت صور الشهداء، سامي الأنصاري، فوزي الطاهر، محمود عبد الباسط التميمي، حافظ صقر والشهيد جميل عبد الرؤوف القرم وعشرات غيرهم. وسيتصدر صحيفة المنار مع العدد 1214 الصادر في 25 أيار/مايو 1964 ولغاية عددها 1387 الصادر في 11 كانون الأول/ديسمبر 1964، حلقات -172 حلقة- خطها معلقها السياسي محمد أبو شلباية (1925-1995)، بعنوان "هكذا ضاعت بلادي دراسة تحليلية لنكبة فلسطين". إلى جوار الحلقات سينبض بريد المنار بالحياة، برسائل لجرحى ومقاتلين وقادة ممن شاركوا في المعارك، بالإضافة لنقود خطها بعض أبناء فلسطين المحتلة.

كتب أبو شلباية هذه السلسلة بالاستناد إلى عدد من المصادر المنشورة، بالإضافة لنصوص وشهادات المقاتلين التي وردته خلال الكتابة، احتلت يافا وجوارها الحلقات 38-40، تحدث فيها إجمالاً عن أيام المدينة الأخيرة، وكرر بعض أساطير عارف العارف عن أحوال المدينة وصراعاتها الداخلية وأثر ذلك في المعارك، وكذلك الأساطير التي روجتها الروايات الشفوية المختلفة عن دور اللجنة العسكرية العربية في المدينة، لكنه قدم رواية مغايرة جزئيًا حول سقوط المدينة، وأن المعركة العسكرية لم تحسم في المدينة لصالح المنظمات الصهيونية، متحدثًا عن أثر فعل القاوقجي في تفكك الحامية، وإنهاء فرصة حامية المدينة في الحسم العسكري.

تحدث إشكنتنا مدافعًا عن أغنياء يافا وفقرائها، فتحدث عن بذل المدينة المال لشراء السلاح، وتوجه العشرات من أفرادها للقتال

إثر هذه الحلقات الثلاثة، كتب محمد سعيد إشكنتنا رسالة إلى معلق المنار السياسي، متحدثًا عن حلقات يافا، تحدث فيها عن نجاح عضو الهيئة العربية العليا رفيق التميمي في حل خلافات قضاء يافا، فأصبح أهله بعد جهودها إخوانًا، لكن مثل هذا الجهد لم يبذل في المدينة وبقي الخلاف على أشده. وتحدث إشكنتنا مدافعًا عن أغنياء يافا وفقرائها، فتحدث عن بذل المدينة المال لشراء السلاح، وتوجه العشرات من أفرادها للقتال، ليبدأ إثر ذلك هجومًا عنيفًا على الحضور العراقي في المدينة، متهمًا هذا الحضور بإقصاء أبناء المدينة، خصوصًا منظمة النجادة، متهمًا إياهم بسلب سلاح المدينين وبيعه بأسلحة فاحشة، وترددهم على المقاهي وإشاعتهم الفساد في المدينة.

اقرأ/ي أيضًا: ذكر الرجال بحفظ تاريخهم: هامش على "الفدائي" لطوقان

استدعت هذه الاتهامات ردًا من أبو شلباية، فحاول تبرير هجومه على أغنياء المدينة، مكررًا بشكل غير مباشر بعض حديث العارف عن ضعف دور أغنياء المدينة في دعم المجهود الحربي في المال، وكان من أبرز ملاحظات أبو شلباية قوله "أظن أنه من الظلم تحميل العراقيين الذين كانوا في جيش الإنقاذ المسؤولية كلها". هذا الحوار قاد كما يبدو، محمد سعيد إشكنتنا لجمع ما جمعه في نصه، الذي رأى النور في 20 تموز/يوليو 1964، وصدر في خمسة وثلاثين صفحة من القطع المتوسط، طبعت في المطبعة الفنية في القدس، ونشرت الصحف إعلانات مختلفة تروج لهذا الكتاب.

 المصدر: المنار، 20/7/1964، ص 6.

نقاشات المنار، وصدور الكتاب بعد فترة وجيزة، دفعني للاهتمام بمحمد سعيد إشكنتنا ومحاولة تتبع أثره، وهل استكمل السلسلة التي أشار إليها في كتابه عن يافا. حضر إشكنتنا في صحف بقية فلسطين خلال سنوات الخمسينيات بحضور إعلانات المكتب العربي (محمد إشكنتنا وأولاده)، الذي اتخذ من عمان مقرًا. لكن الصدمة كانت في صحف 5 آب/أغسطس 1964، أي بعد أيام قليلة من الإعلان عن بدء تسويق كتاب إشكنتنا، تصدر صحف الجهاد، فلسطين، الدفاع، المنار خبر نعي الزميل الصحفي محمد سعيد إشكنتنا، ابن التسعة وثلاثين عامًا.

بعد أيام قليلة من الإعلان عن بدء تسويق كتاب إشكنتنا، تصدر صحف الجهاد، فلسطين، الدفاع، المنار خبر نعي الزميل الصحفي محمد سعيد إشكنتنا

نعت الصحف جميعًا إشكنتنا، لكن الدفاع والجهاد انفردتا بتغطية أوسع في اليوم الأول للحادثة، فتحدثتا عن انطلاق إشكنتنا إلى بيروت لزيارة ذويه عن طريق البر، ودخوله سوريا من غير إشكاليات، لكنه أثناء العودة استوقف وزوجته من قبل المخابرات السورية، وبعد ساعات نقل إلى المكتب السياسي للتحقيق، وبينما كانت العائلة تحاول الوصول إلى السلطات الرسمية للبحث في مصير ابنها، صدمت بوصول خبر من قائمقام الرمثا، بإبلاغه بوجود جثة مهشمة لصحفي أردني يدعى محمد سعيد إشكنتنا، بالقرب من الشيخ مسكين.

اقرأ/ي أيضًا: رحلة لم تكتمل: نافذة على تأريخ لم يدون بعد

تتابعت الأخبار في الأيام التالية، فتحدثت عن رواية النيابة العامة السورية التي أفادت بأنه بينما كان إشكنتنا عائدًا مع سيارة أجرة أردنية يقودها قاسم فرحان أبو غريب من الرمثا، اصطدمت السيارة بسيارة شحن سورية، أصيب على إثرها إشكنتنا بنزيف حاد، وتوفي في المشفى الوطني بدرعا، أما السائق فأصيب بجروح أدخل على إثرها المستشفى فاقدًا الوعي. لكن الدفاع أفادت أن تشريح الجثة أظهر أن الوفاة ناجمة عن كسر مزدوج في الرأس وضربة بآلة حادة عمقها 15 سم في الرأس، وضربة أخرى في وجهه وكسر في الرسغين. وبخلاف حديث النيابة السورية عن أن الحادثة تمت مساء الأحد 2 آب/أغسطس، تحدثت الدفاع عن أن تقرير التشريح يتحدث عن وفاة لا يقل عليها أربعة أو خمسة أيام. وأظهرت رواية الدفاع تناقضات مختلفة بين الرواية السورية، والروايات الأخرى، تدفع جميعًا للتشكيك في الرواية السورية المبكرة.

تقرير التشريح تحدث عن وفاة لا يقل عليها أربعة أو خمسة أيام. وأظهرت رواية الدفاع تناقضات مختلفة بين الرواية السورية، والروايات الأخرى، تدفع جميعًا للتشكيك في الرواية السورية المبكرة

 شيع إشكنتنا يوم الأربعاء 5 آب/أغسطس بعد الصلاة عليه في الجامع الحسيني الكبير، بحضور موفد عن الملك حسين وزير البلاط حازم نسيبة، وبحضور رئيس قسم الصحافة أحمد عمرو مندوبًا عن وزير الإعلام. لكن التفاعلات لم تنته.

اقرأ/ي أيضًا: أكرم زعيتر.. بواكير قيامة البنادق

كتب محرر المنار جمعة حماد (1923-1995) في زاوية "على الريق" يوم 6 آب/أغسطس، "حين أويت إلى فراشي البارحة كان محمد سعيد إشكنتنا يطالعني بعويناته البيضاء، في وجهه العريض، بابتسامة ساذجة، تندفع معها ضحكات متقطعة. ولكن محمد سعيد إشكنتنا جثة مزقتها المشارط في المستشفى. وليس الموت غريبًا حتى نستبعد إلقاءه القبض على ضحاياه في الشيخ مسكين، أو نفاجأ بخطفه لمحمد سعيد المشحون بالحيوية والنشاط، ولكن المفاجأة ومضاعفة الأسى، تأتي من هذه الشكوك التي انطلقت مع الحادث المؤلم، عن هوية أعوان الموت، والظروف التي سحب فيها عزرائيل روحه، وعن التحقيق الذي استمر ساعات بين السائل والمسؤول".

لم يتوقف نص حماد، فأضاف: "وما كان لهذه الشكوك أن تسري مسراها، وما كان لهذا التحقيق أن يحاط بمثل هذه الريبة، لولا ما ترسب في أذهان الناس عن أوكار هذه التحقيق. من هنا تبدو ضرورة جلاء الحقيقة في مصرع المرحوم إشكنتنا، ضرورة تفرضها مصلحة الأردن وسورية على السواء. كان محمد سعيد إشكنتنا واحدًا من المليون الذي خرج من فلسطين، ظل يكدح ليعيش وتعيش معه عائلة من الإخوة والأبناء، والأمهات، وقد ركز جهده أخيرًا على الإعلان بعد الصحافة، ولكنه كان يعود للقلم كلما آنس فراغًا ينبس به تجاربه في مسقط رأسه، وتاريخه فيه، وقد يشط به هذا القلم كغيره من الناس، فهل أرداه قلمه مهاوي الردى؟ هنا السؤال، وهنا تدور الشكوك والملابسات الخطيرة، التي نرجو أن تكون على غير أساس".

كتب محرر المنار جمعة حماد عن وفاة إشكنتنا: هل أرداه قلمه مهاوي الردى؟ هنا السؤال، وهنا تدور الشكوك والملابسات الخطيرة، التي نرجو أن تكون على غير أساس

بعيدًا عن الأسئلة الكبرى، عاد حماد إلى المأساة الشخصية في الحادثة، فكتب: "لقد خلف إشكنتنا تركة ثقيلة، على المستوى الفردي والجماعي على السواء، لقد خلف وراءه أطفال ثمانية، بعضهم يحبو وأكبرهم يتجاوز الثانية عشرة، وأصغرهم ما يزال في بطن أهمه، وخلف هذه الشكوك التي تسهر أعصاب زملاءه وعارفيه".

أما اليافي زميل المهنة ورفيق الصبا محرر فلسطين إبراهيم سكجها (1923-1991) فكتب في زوايته "بسرعة"، تحت عنوان كأنما نعاني: "ارتبط الزميل الراحل بحياتي، وارتبطت بحياته بوثاق قوي جدًا، ظل يشدنا إلى بعضنا منذ أيام طفولتنا البعيدة، في المدرسة، إلى شبابنا القريب، في ميدان العمل، ثم في ميدان الحياة الواسع، ذلك أننا على بعد ما بيننا من تكوين جسمي وعلى انقطاع صلة القربى، كنا نشكل مشكلة للمعلمين، ثم لأشباه الأصدقاء، من بعد، فكانوا كلهم ينادونه سكجها، وينادوني إشكنتنا!".

اختفت ظروف وفاة إشكنتنا أو قتله، هل كان إشكنتنا ضحية نصوصه كما كتب حماد؟ أم كان ضحية صراع مخابرتي عربي، في ممالك الخوف والقهر؟

وأضاف متجاوزًا ذكريات الطفولة: "ومنذ خرجنا من يافا الحبيبة انقطعت الصلة فيما بيننا، إلا من خلال لقاءات عابرة في الشوارع، ومرة في مكتبة بعمان، كانت مناسبات للاستزادة من المعلومات عن الأصفار المشتركة. إلى أن وصلني مع البريد كتابه أسرار سقوط يافا، وهو كتيب جمع فيه معلوماته الشخصية عن الأيام الأخيرة للبلد الحبيب، وكنت في سبيل الكتابة عنه، من خلال كتابه الوثائقي القيم، عندما نعاه الناعي من الإذاعة، فشعرت كأنما هو ينعاني، لأن إشكنتنا كما أسلفت، كان سكجها، وكنت إشكنتنا! رحمه الله".

المصدر: فلسطين، 9/8/1964، ص 6.

تصدّر شكر على تعاز وولاء صحف 9 آب/أغسطس 1964، ختمت فيه العائلة العزاء، وأغلقت فيه الصحف التغطية، وبقي ذكر إشكنتنا ذكرى أربعين، وذكرى سنوية، واختفت ظروف وفاته أو قتله، هل كان إشكنتنا ضحية نصوصه كما كتب حماد؟ أم كان ضحية صراع مخابرتي عربي، في ممالك الخوف والقهر؟ راح ضحيته العشرات بين سني الخمسينيات والستينيات، ذهب دمه نتيجة ظروف حتمت تقاربًا سياسيًا عربيًا، وتهدئة إعلامية لحظة نزفه، وهي ذات اللحظة التي مكنت منظمة التحرير الفلسطينية من الانطلاق، بالطريقة والوتيرة التي بانت في القدس قبل شهور!.

الله أعلم!


اقرأ/ي أيضًا: 

"سنوات القهر".. سيرة تائهة

رحلة لم تكتمل: في ضرورة التأريخ للراهن