22-نوفمبر-2015

عبد الناصر غارم/ السعودية

مع أشرف فياض إنسانيًا لا أدبيًا. لم نقرأ للشاعر ما يكفي لنقول إننا أمام نص شعري مفارق وصاحب حضور، وبالتالي علينا أن ندافع عنه. ما هو متوفر من كتابته على الإنترنت يقول إن نصه ليس هو القضية، بل مجرد مطية لتمرير قرار الإعدام.

الصراع مع سلطات الاستبداد، السياسية والدينية على حد سواء، ليس أمرًا شعريًا على الإطلاق

ما يلفت الانتباه أن البعض تعامل مع فياض، بعد صعود نجمه، بوصفه شاعرًا لا يشقّ له غبار لا بوصفه إنسانًا مظلومًا، في بلاد تتنازعها سيوف التطرف والاستبداد. ورغم أننا اعتدنا أن يفعل التكفير أفعاله الشنيعة، لكن ما لم نتعلمه بعد، بعد تجارب عربية عديدة متفاوتة في مجال التكفير، أنّ نبقى في نقاش حرية التعبير، وحق الإنسان في القول، لا في "فحولة" شعرية. 

جاءت قضية فياض في وقت عربي عصيب، حيث هناك دولة إسلامية تستبسل لتثبيت نفسها بالسيف والحزام الناسف، ومد أصولي ساحق، وتفجيرات ترافقها تكبيرات تعلي اسم الله على الكفر والفسوق. جاءت القضية بوصفها قصاصًا من "كافر"، فكانت المفاجأة أن من نظن أنهم تحت حراب الأصوليين يرفعون أصواتهم في التضامن الكامل. هي إذًا بادرة خير باتجاه رفض كل ما يصدر عن المتشددين، وعلى رأسها المؤسسة الوهابية. 

بين كل هذا، انتشر على فيسبوك "بيان للمثقفين العرب ضد محاكمة الشاعر أشرف فياض" يجمع بما يقتضيه النبل والتضامن كلَّ الأصوات المؤيدة للضغط على أصحاب القرار للتراجع عنه. شخصيًا وقعتُ على البيان من باب التضامن مع الشاعر، مع تحفظي على طريقة صياغة البيان الهزيلة، التي لا تسجّل أي موقف ثقافي، وكأن من صاغوا البيان يريدون تسجيل حضور لا أكثر، فسوى أن الصياغة قائمة على التعداد، وهو طريقة تنتمي إلى عالم البيروقراطية أكثر من انتمائها إلى الثقافة، إلا أنه (البيان) عمليًا يطالب بوقف القرار دون أن يسجّل أي موقف ضد المؤسسة التي تبنت قرار الإعدام، والتي تبين أن القضية قديمة نسبيًا، ولم يعرف بها الفضاء العام إلا مؤخرًا، ما يعني أن هناك من يموتون أو يعدمون سرًا. علينا أن نشكر من سرب الخبر. 

ما نلمسه في الكتابات التي وضعها الشعراء هنا وهناك أنه ثمة غيرة من الشهرة التي وصل أشرف، وهو ما يمكن أن نعيده إلى فكرةٍ رومانسيةٍ هي الشاعر الذي تقتله قصيدته. يمكن فهم الشعراء من هذه الزاوية، لكن ما لا يمكن فهمه هو تجاهل ما هو واقعي لصالح ما هو رومانسي، حيث إن الصراع مع سلطات الاستبداد، السياسية والدينية على حد سواء، ليس أمرًا شعريًا على الإطلاق، بل هو نضال سياسي ديمقراطي حقوقي. ولا بد من التذكير هنا أن إيران أعدمت، في السنة الماضية، شاعرًا عربيًا من الأحواز هو هاشم شعباني، لكن شعباني مناضل في سبيل الحقوق العربية في الأحواز، ونصه ليس سوى سجع سطحي.

من دلالات المشهد الذي أشعلته القضية أن حالة الاحتجاجات والتفاعل تعدت المثقفين وأروقتهم لتصل إلى الناس، وهذه إشارة إلى أن وعي الحقوق والحريات في العالم العربي في حالة مدّ مقابل كل الجزر الأصوليّ.

اقرأ/ي أيضًا:

الإرهاب.. دورة حياة المفهوم

الفناء للعالم.. الخلود لتعز..!