أطباء بلا مائدة رمضان.. حكايات من خيام غزة وأقسام الطوارئ
16 مارس 2025
لا يتردد الدكتور أحمد الفرا في تحديد ما تعرف شعبيًا بـ "لمة العيلة" بأنّها أكثر ما يفتقد له في شهر رمضان، وتشغله مهنته الإنسانية كرئيس مستشفى الأطفال والولادة في مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، عن عاداته وطقوسه الرمضانية مع أسرته.
يواجه العاملون في القطاع الصحي والإنساني بغزة، شهر رمضان تحت وطأة التهجير القسري، وندرة الموارد، والعمل المتواصل. التقرير يرصد معاناة طبيب وممرضة ومسعف، يقضون الشهر بين الخيام وأقسام الطوارئ
للدكتور الفرا (53 عامًا) أسرة مكوّنة من زوجته و6 أبناء وبنات، وبحكم عمله يضطر لقضاء وقت طويلة يمتد لأيام في المستشفى، بينما تقيم أسرته في خيمة ببلدة الزوايدة في وسط القطاع.
منذ بداية الحرب، نزحت أسرة الدكتور الفرا مرات عديدة بعد تدمير فيلتها في خان يونس بقصف إسرائيلي، لتنتهي في خيمة ببلدة الزوايدة، ويعايش الدكتور الفرا مع أسرته، شهر رمضان للعام الثاني على التوالي، في ظروف يصفها بـ "الاستثنائية وغير المسبوقة"، ويقول لـ "الترا فلسطين": "رمضان الماضي كنا في خيمة بمنطقة المواصي بمدينة رفح، ورمضان الحالي يحرمنا التشتت من لمة العيلة فالأسرة في خيمة بالزوايدة وأنا هنا في عملي بالمستشفى".
رمضان استثنائي
لم تسنح للدكتور الفرا أن يتناول وجبة الإفطار بصحبة أسرته إلّا في اليوم السابع من شهر رمضان، بسبب ضغط العمل في المستشفى، وقد اجتهد أن يفرّغ نفسه لمشاركتهم اليوم الرمضاني الأول، ولكن من غير جدوى، ويقول: "عملنا هو من يحكم أوقاتنا، خاصة في مثل هذه الأوقات الطارئة التي تعيشها غزة".
في رمضان الأول الذي أعقب الحرب على غزة قضاه الدكتور الفرا برفقة أسرته في خيمة النزوح بمنطقة مواصي مدينة رفح، التي لا تتوفر بها مستشفى تخصصية لطب الأطفال، ولكن بعد العودة لمدينة خان يونس ولعمله في مجمع ناصر الطبي بعد الانسحاب الإسرائيلي من المدينة، "انهمكنا في العمل وواصلنا الليل بالنهار من أجل إحياء وإعادة تشغيل المجمع الذي عاثت به قوات الاحتلال فسادًا".
الدكتور أحمد الفرا: "رمضان الماضي كنّا نازحين في خيمة برفح، واليوم نحرم من لمة العائلة.. الأسرة في خيمة وأنا في المستشفى".
وكانت قوات الاحتلال حاصرت المجمع واقتحمته إبان اجتياحها البري لمدينة خان يونس، الذي امتدّ منذ إطلاق عمليتها البرية على المدينة في ديسمبر/كانون الأول من العام 2023 وحتى ابريل/نيسان من العام الماضي.
"كان رمضان الأول خلال الحرب شهر الموت والخوف والجوع"، بحسب وصف الدكتور الفرا، ويقول: "حرمنا فيه من بهجة هذا الشهر الكريم، وعاداته وعباداته وطقوسه، ولأول مرة لا نصلي التراويح في المساجد التي استهدفتها قوات الاحتلال ودمرت غالبيتها".
ويحلّ رمضان هذا العام على الغزيين، ومنهم الدكتور الفرا، ولم يختلف الحال كثيرًا، ورغم اتفاق وقف اطلاق النار بين حركة حماس و"إسرائيل" الذي دخل حيز التنفيذ في 19 من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أن دولة الاحتلال تنصلت من التزاماتها، ولا تزال تمارس القتل اليومي، وعمدت بانتهاء المرحلة الأولى منه في الثاني من الشهر الجاري إلى إغلاق المعابر ووقف إدخال المساعدات.
ويتعامل الدكتور الفرا ورفاقه من الطواقم الطبية في مجمع ناصر وباقي المستشفيات التي لا تزال عاملة فلي القطاع، يوميًا، مع شهداء وجرحى، جراء جرائم غارات جوية واستهداف برصاص القناصة ومسيّرات "كواد كابتر".
حياة طارئة
وهذا الواقع يفرض على الدكتور الفرا "ظروف حياة طارئة"، تجعله يقضي أيامه الرمضانية بين أروقة المستشفى وأقسامه، يتابع العمل ويقابل الوفود الطبية، وارتسمت على وجهه ابتسامة وهو يقول: "محرومون من مائدة رمضان والطعام الطيب اللذيذ".
ويتناول الأطباء في مجمع ناصر الطبي وجبات طعام يعدها "برنامج الغذاء العالمي"، يقول الدكتور الفرا: "نتناول فطورنا الرمضاني على عجل، وبلا طقوس، وبلا عائلة تضفي أجواء رمضانية دافئة، وحتى الصلاة في جماعة ليست متاحة دائمًا في المستشفى".

ولا تعتبر حياة الأطباء مختلفة عن باقي الغزيين، الذين يواجهون صنوفًا من الآلام والمعاناة بسبب تداعيات الحرب والحصار، ويقول الدكتور الفرا إن إغلاق الاحتلال للمعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية تسبب في ارتفاع هائل على الأسعار، ونفدت الكثير من السلع والبضائع من الأسواق، وأدى إغلاق المعابر إلى شحّ المساعدات، فباتت التكيات الخيرية القليلة عاجزة عن توفير وجبات الإفطار والسحور للغزيين.
في غزة، لم يعد رمضان شهر الطقوس.. بل تحوَّل إلى اختبار يومي للصمود. هنا، يُكافح الأطباء لإنقاذ الأرواح، بينما يحاولون إنقاذ ذواتهم من الغرق في اليأس
ويقول الدكتور الفرا إن "حياتنا كأطباء وعاملين في الطواقم الطبية والإنسانية هي جزء من حياة شعبنا، نعاني ما يعاني"، ويضيف أن جرائم القتل بالقصف والجوع لا تفرّق بين إنسان وآخر، و"كلنا اكتوينا من نيران القتل بالصواريخ وبالحصار، ومرّت علينا شهور طويلة لا نجد فيها طعامًا سوى المعلبات".
وتشير تقديرات رسمية محلية إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت خلال الحرب أكثر من ألف طبيب وممرض وعامل في القطاع الصحي، وجرحت واعتقلت مئات آخرين.
طقوس غائبة
لشهر رمضان ما يميّزه عن باقي شهور العام، وهو المفضّل بالنسبة للدكتور الفرا، الذي يتشوّق لعاداته وطقوسه في هذا الشهر، ما قبل اندلاع الحرب، ويقول: "كنا نصوم النهار، ونواظب على عملنا في المستشفى وفي العيادة الخاصة، ونلتقي كأسرة ونتشارك في إعداد وجبة الإفطار".
ويضيف: "كلنا كأسرة كنا نذهب لأداء صلاة التراويح في المسجد، ومن ثم نتفرغ لاستقبال ضيوف يأتون لزيارتنا، أو نذهب في زيارة الأرحام والأقارب والأصدقاء، ونتسامر في جلسات رمضانية ممتعة (..) هذا كله نفتقده للعام الثاني على التوالي منذ اندلاع الحرب على القطاع".

وتختصر الممرضة الخمسينية مها عوض رئيسة قسم الأطفال في مستشفى الأطفال والتوليد بمجمع ناصر ما تفتقده في شهر رمضان بـ "الاستقرار وراحة البال"، وهي التي خسرت منزلها المكون من 3 طبقات في مدينة خان يونس، جراء غارة جوية إسرائيلية دمرته كليًا.
ومنذ أشهر طويلة تقيم عوض وأسرتها (9 أفراد) في خيمة بمنطقة المواصي غرب المدينة، وتقول لـ "الترا فلسطين" إن "الحياة قاسية في الخيام، ونفتقد فيها لحياتنا وذكرياتنا، خاصة في شهر رمضان المبارك".
الممرضة مها عوض: سنعيش لسنوات مع ذكريات أليمة.. ابنتي أرملة في العشرين وتعيل طفلتين
واحدة من بنات عوض، فقدت زوجها شهيدًا وتركها مع ابنتين صغيرتين، وتقيم معها في الخيمة ذاتها، وبدت الممرضة عوض حزينة جدًا وهي تتحدث عن ابنتها التي باتت أرملة وهي شابة في العشرينيات وتعيل طفلتين، وتقول: "سنعيش لسنوات طويلة مع ذكريات أليمة بسبب هذه الحرب".
ورغم الأثر المؤلم للحرب على هذه الأسرة، إلا أن عوض تحاول بكل جهدها أن تتأقلم وتوازن ما بين عملها في المستشفى ورعاية أسرتها، والاستمتاع بشهر رمضان بطقوسه وعباداته وقراءة القرآن.
أجواء حرب
ويعيش المسعف الثلاثيني حسن عمران أجواء حرب، ويقول لـ "الترا فلسطين" إنهم لا يزالون يعملون بخطة طوارئ، ولم يختلف الأمر كثيرًا مع حلول شهر رمضان المبارك، حيث ما تزال قوات الاحتلال ترتكب الجرائم اليومية.
ويعيل عمران أسرة من 5 أفراد، وتقيم في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس، إثر تدمير منزله كليًا، ولا يتيح له العمل لساعات طويلة يوميًا وفق خطة الطوارئ أن يشارك أسرته وجبتي الإفطار والسحور، وبالنسبة له فإن "رمضان يعني أجواء أسرية والكثير من الذكريات الجميلة، وكلها غائبة في غزة بسبب تداعيات الحرب والحصار الحاد".
المسعف حسن عمران: رمضان يعني أجواء أسرية وذكريات جميلة.. كلها غائبة تحت القصف
وعلاوة على ذلك فإن عمران كأحد موظفي الحكومة التي تديرها حركة حماس في غزة، يشكو من ضيق أحواله المالية، حيث يتلقى أسوة بزملائه راتبًا يقدر بـ 800 شيكل كل 50 يومًا، ويقول إن هذا المبلغ لا يفي احتياجات أسرته الأساسية، خاصة في شهر رمضان، الذي تزيد خلاله المصاريف الأسرية.
كما أن إغلاق الاحتلال للمعابر، ووقف إدخال المساعدات، أدى إلى ارتفاع كبير على أسعار مختلف أنواع السلع والبضائع، الأمر الذي يزيد من الضغوط على الغزيين، الذين تعاني الأغلبية منهم الفقر والبطالة.

الكلمات المفتاحية

محور موراج.. العقدة التي شدّتها إسرائيل في خاصرة جنوب قطاع غزة
يرتبط اسم "موراج" بمستوطنة إسرائيلية سابقة، كانت جزءًا من تجمع مستوطنات "غوش قطيف"، التي أنشأت عام 1972 كموقع عسكري، ثم تحولت إلى مجمع زراعي واسع

خاصّ | اجتماع المجلس المركزي: فتح تسعى لاستحداث منصب نائب الرئيس.. الفصائل تطلب أولوية وقف الحرب والوحدة
علم "الترا فلسطين"، عن تشكيل الرئيس محمود عباس، لجنة حوار لـ"منظمة التحرير"، بهدف بحث اجتماع المجلس المركزي مع الفصائل

"هذا هو المتوفّر".. مرضى غزة يتلقّون أدوية منتهية الصلاحية
دواء منتهي الصلاحية ومريض يختنق: كيف تواجه غزة أزمتها الصحية؟

الشرطة الإسرائيلية تفرّق تظاهرة ضخمة في "تل أبيب" ضد حكومة نتنياهو
قمعت الشرطة الإسرائيلية، مساء اليوم الإثنين، مظاهرة ضخمة نُظّمت في "تل أبيب" ضد حكومة نتنياهو.

"ترتيبات للهجرة الجماعية من غزة".. ما حقيقة هذه المنشورات؟
حذّر المكتب الإعلامي الحكومي من صدور شائعات حول الهجرة من غزة، واصفًا إياها بأنها "جزء من حملة خبيثة يقودها الاحتلال لزعزعة صمود شعبنا".

عملية للقسام في حي التفاح وتفاصيل جديدة حول كمين "كسر السيف"
أعلنت كتائب القسام أن مقاتليها "أوقعوا قوة هندسية إسرائيلية بين قتيل وجريح، بعد استدراجها لعين نفق مفخخة مسبقًا وتفجيرها، في حي التفاح شرق مدينة غزة".

محور موراج.. العقدة التي شدّتها إسرائيل في خاصرة جنوب قطاع غزة
يرتبط اسم "موراج" بمستوطنة إسرائيلية سابقة، كانت جزءًا من تجمع مستوطنات "غوش قطيف"، التي أنشأت عام 1972 كموقع عسكري، ثم تحولت إلى مجمع زراعي واسع