كانوا خمسة أشخاص؛ ثلاثة فلسطينيين، وألمانيّان، خططوا لتفجير طائرة إسرائيلية، وهم جزء من "خلية" للجبهة الشعبية. بعد اعتقالهم وتخديرهم تم نقلهم لمنشأة التحقيقات السّريّة في "إسرائيل"، حيث الغرف مظلمة وجدرانها خشنة، وبدأنا إثارة جنونهم، وأوهمناهم بوجود أشباح وشياطين، بعد أن ارتدينا الأقنعة وتحركنا بشكل جنوني، لقد جعلناهم يشعرون بأنهم في مرحلة بعث ما بعد الموت.
جزء من شهادة وفاة "أرييه هدار" عن عمر 96 عامًا، وهو المحقق الإسرائيلي الذي كان ضالعًا في أكثر عمليات الاستجواب إثارة في تاريخ "إسرائيل"
ما ورد أعلاه ليس جزءًا من فيلم خيال علمي، وإنما مقتطفات من شهادة أقدم محققي "الشاباك" والرئيس السابق لقسم الاستجواب في جهاز المخابرات الإسرائيلية، "أرييه هدار".
هذه الشهادة وثّقها خبير الشؤون الاستخبارية الإسرائيلي "رونين برغمان"، الذي اعتاد توثيق شهادات مسؤولين وقادة أجهزة استخبارية إسرائيلية، لكنّها لا ينشرها إلّا بعد وفاتهم، مثلما فعل في مذكرات شهادات أدلى فيها "رافي ايتان" على مدار (13 عامًا) واشترط الأخير أن تظل طي الكتمان، وأن تنشر بعد وفاته، وقد جرى نشر جزء منها، روى فيه تفاصيل عمليات من بينها التطهير العرقيّ بحق بدو النقب.
هذا الجزء من شهادة الذي وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ "المحقق الأسطوري"، نشر صباح الثلاثاء (7 آذار/ مارس) بعد وفاة "أرييه هدار" عن عمر 96 عامًا، وهو الذي كان ضالعًا في أكثر عمليات الاستجواب إثارة في تاريخ "إسرائيل".
لا يجب التسليم بصحّة كامل رواية "هدار" بشأن التحقيق مع أسرى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" الفلسطينيين والألمان خصوصًا، الذين تمّ أسرهم عام 1976، وهم خلية كانت تهدف لتفجير طائرة تابعة لشركة الطيران الإسرائيلية "إل عال" باستخدام صواريخ محمولة على الكتف في مطار نيروبي. لكنّ هذه الشهادة بمثابة اعتراف يوضّح بعض أساليب "الشاباك" في استجواب الأسرى الفلسطينيين، بغضّ النظر عن كفاءتها في استخلاص الأسرار من الأسرى.
هذه الوسائل تشمل الضرب والمنع من النوم، وعمليات القتل الوهمي (للخاضع للتحقيق) وإجبار السجين على الوقوف في البرد لساعات طويلة
وكما في حالة "رافي القذر" ستحمل الأيّام في طيّاتها أجزاء إضافية من شهادة "المحقق الأسطوري"، سينشرها "رونين برغمان" في وسائل إعلام إسرائيلية وعالمية.
ولد "أرييه هدار" في تل أبيب. وفي عام 1944 التحق في صفوف "البلماخ" وهي قوات الصاعقة التابعة لمنظمة "الهاغاناة" التي شكلت البنية التحتية لجيش الاحتلال بعد إعلان إنشاء "إسرائيل". وبعد نكبة فلسطين، تم قبوله للعمل في "الشاباك"، وواصل التقدّم في صفوفه حتى شغل منصب رئيس قسم الاستجواب، وشارك في التحقيق مع أذكى الجواسيس، ومع عدد كبير من أسرى الثورة الفلسطينية.
وفي وقت سابق، قال "أرييه هدار" عن قسم التحقيقات في "الشاباك"، أمام لجنة تحقيق رسمية: "إنهم مجموعة صغيرة من الرجال، والكثير من مواطني "إسرائيل" مدينون لهم بحياتهم. إنّ ممارسة الضغط الجسدي أو استخدام وسائل غير صالحة، أمر غير قانونيّ، وليس ثمة نقاش حول ذلك، لكن للأسف لم تكن ثمّة خيارات. هذه الوسائل التي تشمل الضرب والمنع من النوم، وعمليات القتل الوهمي (للخاضع للتحقيق) وإجبار السجين على الوقوف في البرد لساعات طويلة، كانت وسائلنا للوصول إلى الحقيقة. لم نختلق أدلة مطلقًا، ولم نختلق حقائق لم نؤمن بها. ثم سألني رئيس لجنة التحقيق القاضي لندو من كان يمنحك صلاحية استخدام هذه الوسائل؟. فقلت: أنا منحت نفسي هذه الصلاحيات، ورئيس الجهاز".
وكشف ضابط إسرائيليّ سابق قبل عدة سنوات عن أنّ الاستخبارات العسكرية "أمان" استخدمت أسلوب "التنويم المغناطيسي/ الإيحائي" أثناء استجواب فدائيين وقعوا في الأسر في سنوات السبعينيات والثمانينيّات. كما أنّ وحدة تشغيل الجواسيس استخدمت ذات الطريقة للتحقق من صدقيّة العملاء وإخلاصهم. ولجأت استخبارات الاحتلال لاستخدام التنويم المغناطسي بعد عام 1969. وفي عام 1984 تم تشريع قانون في "إسرائيل" يبيّن طرق استخدام التنويم المغناطيسي.