24-يوليو-2018

والدة الشهيدة هديل تحمل ملصقًا نعي لابنتها - تصوير أحمد غرابلي (gettyimages)

أنا بخير، غير أنني مِتُّ من جديد البارحة. حدث ذلك في غرفة الصف، تحديدًا بعد الحصة الخامسة، وبشكل أكثر دقة عند حافة النافذة، فقد زال الأثر الأخير الذي تركته في غرفة صفي. لقد أعادوا طلاء الغرفة وزال مع الطلاء الجديد اسمي الذي كنت قد كتبته مرفقًا بقلب حب ووردة، وبالتأكيد بعض من خلايا جلدي وبصماتي.. كلها تلاشت.

كان مشهد الطلاء صعبًا ورائحته كادت تصيبني بالاكتئاب الحاد، ولكن انشغالي بإعداد برنامج يخلدني ومن معي في ذاكرتكم يملأ علي وقتي، لقد ساعدني على تجنب حدوث ذلك. "يخلدني" لا أعرف لماذا يبدو هذا مهمًا رغم أن ليس كذلك، المهم أنه برنامج مذهل يقطع علي طريقي إلى الجنون الذي قد تسببه لي جدران الوحدة السميكة هذه، ويقتل وقت الفراغ الذي قد يقودني إلى حزن لا يناسب وجهي. برنامجي يقوم على فكرة إنعاش الذاكرة، يمكنك النقر على رقم الشهيد للحصول على معلوماته كاملة - أنا من هؤلاء الشهداء - ويمكنك أيضًا تعديل المعلومات بالإضافة فقط لا الحذف، فالمعلومات الخاطئة أيضًا جزء من الحقيقة ولا يجوز حذفها.

أنا هديل عواد عمري عند الوفاة 14 عامًا .. أبي مات وأنا صغيرة لم أفرح به، ليأتي وجع أخي الذي استشهد منذ عامين

أنا هديل عواد عمري عند الوفاة (14 عامًا)، كان بإمكانها أن تكون (17 عامًا) الآن، يمكنك البحث عن اسمي في محرك البحث غوغل، يمكنك إضافة معلومات عني إذا كنت تعرف عني شيئًا جديدًا ربما لا أعرفه أنا. كتبت مرة:  "أبي مات وأنا صغيرة لم أفرح به، ليأتي وجع أخي الذي استشهد منذ عامين بعد غيبوبة دامت 9 شهور، أريد أن أصبح طبيبة وجراحة لأعالج الحالات المشابهة لأخي الشهيد محمود". كان حلمي أطول بكثير من عمري على ما يبدو.

 أقرأ أخبار "ملالا" الباكستانية، ملالا يوسفزي، واتمنى لو أنني كتبت أكثر قبل أن أذهب، أعرف أنها ما زالت على قيد الحياة، وأن قصتنا تبدو مختلفة نوعًا ما، ولكن هل هي مختلفة حقًا؟ بعيدًا عن الوقوع في الموت أو النجاة منه، أبدو أنا وملالا متشابهتين ربما كأي فتاتين تعرضتا لإطلاق الرصاص، ربما كأي طفلتين واجهتا ظروفًا قاسية دونما سبب سوى كراهية القاتل. كلانا تحبان الذهاب إلى المدرسة. كلانا لديها أحلام تتعلق بالمستقبل. كلانا تعيشان تحت الاحتلال، والخوف الذي يملؤ أيامنا بسببه يبدو متشابهًا أيضًا.

الجميع يعرف ملالا والقليلون يعرفونني أنا، لست غاضبة ولا أشعر بالغيرة، ولكن تبدو لي قصة إطلاق النار على فتاة في الرابعة عشر أينما كانت قصة قاسية تستحق الذكر. أتمنى لـ "ملالا" العمر المديد ولا أحتج على الله لأنه لم يمنحني فرصة النجاة التي منحها إياها. في المقابل أتوسل إليه أن يمنح موتي عمرًا طويلاً لدى الأحياء، ليس لشيء سوى حماية غيري منه ربما. والموت طويل العمر مصطلح لا وجود له  في القاموس إلا أن له معانٍ تتعلق بالتذكر.

الغريب أن الجميع حول العالم يُجمعون على كراهية قاتل "ملالا" - أو محاول ذلك - ولا يُجمعون على  كراهية قاتلي رغم أنهما يتشابهان كثيرًا! ورغم أن قتل فتاة في الرابعة عشر في أي مكان في العالم يجب أن يكون حدثًا مزلزلاً، إلا أنه وعندما حدث لي ما حدث، مرّ كل شيء بشكل سريع! الغضب والحزن كانا سريعي المرور. وبينما نجت "ملالا" من الرصاص وعاشت لتكتب من أجل الحياة التي كانت تريدها لنفسها وبنات بلادها، مِتُّ أنا ولم أتمكن من دراسة الطب ومساعدة الحالات التي تشبه حالة أخي محمود، كما كنت أتمنى.

لا، اليوم لا يصادف الذكرى السنوية لموتي، والكتابة عني دون مناسبة هي الفكرة الأساسية من الكتابة عن الموتى أو لهم، عليها أن تكون دون مناسبة، بل وأن لا تتحول إلى مناسبة. الموت مهمة  شاقة  والتذكر مهمة شاقة أيضًا، ورغم أنني و"ملالا" كنا على نفس القارب في أوقات كثيرة، إلا أن نهاياتنا تختلف. ليس الموت السبب، بل التذكر والحزن والكلمات، فنصيبنا مختلف منها لأن العالم أراد ذلك، ولرغبات العالم يستجيب محرك البحث غوغل، فلا تجد عني الكثير من الكلمات، رغم أنني لست واحدة فقط، بل أنا مجموعة من جثث الفتيات اللواتي قتلن في الطريق إلى المدرسة.


اقرأ/ي أيضًا:  

ذكورية حب البلاد

شمس تُخطئ اختيار إخوتها

السيدة ميشلين والفتاة الملثمة