25-أغسطس-2021

"شو أعمل إذا ولدت بعيد عنكم؟" سؤالٌ يمكن أن تُصْغي إلى الأنين يتسرّب من بين حروفه. يأخذك الوجع إلى تخيّلاتٍ أقسى، وأنت تكمل القراءة: "شو أعمل إذا تكلبشت وأنا أولد؟ إنتو عارفين شو الولادة القيصرية برة، كيف بالسجن؟ وأنا مكلبشة لحالي..".

اعتُقلت أنهار بعد اعتداء المستوطنين عليها في أرض لعائلتها بجبل كفر نعمة

وجعٌ على شكل رسالة، وصلت من الأسيرة أنهار سامي الحجة (الديك)، الحامل في شهرها الأخير لعائلتها، من داخل زنزانتها في "الدامون"، تبوح فيها بمخاوفها، وتقول: "الوجع اللي في قلبي لا يمكن أن يكتب في سطور".

اعتُقلت أنهار -ابنة قرية كفر نعمة غرب رام الله- قبل نحو 5 أشهر، بينما كانت تستجم في أرضٍ لعائلتها بجبل القرية، جرّاء إصابتها باكتئاب حمل "ثنائي القطب". "هناك فوجئت بعددٍ من المستوطنين يعتدون عليها بالضرب المبرح، قبل أن تُعتقل" وفقًا لوالدتها عائشة.

رسالة أنهار وصلت عبر  الأسيرة صفا جرادات التي أفرج عنها قبل يومين

تقول لـ الترا فلسطين: "رسالة أنهار وصلتنا من الأسيرة صفا جرادات التي أفرج عنها قبل يومين، وضع ابنتي صعبٌ للغاية".

من ضمن ما جاء في رسالة أنهار: "أنا كثير تعبانة، صابني آلام حادة في الحوض، ووجع قوي في قدمي نتيجة النومة على البُرش.. مش عارفة كيف بدي أنام عليه بعد العملية، وكيف بدي أخطي خطواتي الأولى بعد العملية، وهي السجانة تمسك إيدي باشمئزاز".

مصلحة السجون ستضع أنهار ومولودها في العزل احتياطًا بسبب فايروس كورونا

وأخبرت أنهار عائلتها، أن مصلحة سجون الاحتلال ستضعها في العزل هي ومولودها احتياطًا بسبب فايروس كورونا، وكتبت تعبّر عن مخاوفها على وليدها المنتظر، فقالت: "يا ويل قلبي عليه (..) مش عارفة كيف رح أقدر أدير بالي عليه وأحميه من أصواتهم المخيفة؟ قد ما كانت أمه قوية، رح تضعف قدام اللي بعملوه فيها، وفي باقي الأسيرات".

أول سطرٍ كتبته الأسيرة العشرينية، كان يقطرُ دمعًا: "اشتقت لجوليا (ابنتها الصغيرة الوحيدة) بشكل مش طبيعي، قلبي واجعني عليها، ونفسي أحضنها وأضمها لقلبي".

اقرأ/ي أيضًا:

أسيرة جديدة في السجن.. هكذا تستقبلها الأسيرات

تضيف والدتها: "هذه الفترة صعبة جدًا، والرسالة الأخيرة أوجعت قلوبنا، هي خائفة جدًا من الولادة داخل المعتقل كونها لن تجد أحدًا من عائلتها قربها في ساعات الولادة"، معبرةً عن مشاعر أفراد العائلة، كلما رأوا ابنتها وحيدة بدونها، وكلما فكروا بأنها ستلد قريبًا "وحدها" بالمعنى الحرفي للكلمة.

تؤكد أم أنهار، أن ابنتها لم تحاكم حتى هذه اللحظة، "ولا يزورها أحد، ولا يعرف أخبارها أحد" إلا من خلال محاميتها، أو من يُفرج عنهن من أسيرات معها. "زوجها زارها مرة، وهذا حسّن نفسيتها بشكل كبير، لكن منذ ذلك الحين لم يرها أحد".

 تعرض أنهار للمحاكمة من خلال الشاشة بعد أن تدهور وضعها الصحي نتيجة نقلها بالبوسطة

وبالنسبة لجلسات محاكمتها، ونقلها إلى المحكمة بواسطة البوسطة، تزيد الأم بحسرة: "نُقلت ابنتي مرة واحدة إلى المحكمة، وتعبت كثيرًا وقتها، فصارت تُعرض للمحاكمة من خلال الشاشة"، مستدركةً: "نقرأ رسالتها ودموعنا لا تتوقف، لا نعرف ماذا نفعل لمساعدتها، ولا نستطيع أن نطمئنها أو أن نرفع من معنوياتها، نحاول الاتصال بها من خلال برامج الأسرى في الإذاعات فقط".

وأخبرتنا الوالدة عائشة، أن غدًا الخميس سيتم عقد جلسة محاكمة لأنهار، وتتوقع العائلة أن يتم إصدار حكم نهائي لها، "نتمنى أن يتم الإفراج عنها، يكفيها آلام الولادة، كيف وإن كانت خلف القضبان ودون عائلتها وأهلها؟ ووحيدة بدون الأسيرات حتى".

الأسيرة حمامرة: إدارة السجن لم توفر متطلبات ولادة أنهار واحتياجات مولودها حتى اللحظة

وفي مقابلة سابقة لـ الترا فلسطين مع الأسيرة حلوة حمامرة، قالت: "إن الأسيرة أنهار على وشك الولادة، وإدارة السجن لم توفر حتى اللحظة طلباتها، أو حتى جوًا مناسبًا لوجود مولود جديد".

وتابعت: "نحن لا نستطيع العيش داخل السجن في مثل هذه الظروف الصعبة، فما بالكم بمولود جديد؟ هل سيتمكن من العيش هناك؟ وضع أنهار صعبٌ جدًا، هي نفسها غير قادرة على استيعاب أنها داخل المعتقل، وخائفة جدًا من الولادة داخل سجون الاحتلال".

اقرأ/ي أيضًا:

حيلة مُحِب: لقاءٌ في القيد

الأسيرة صفا جرادات أيضًا، تحدّثت لـ الترا فلسطين حول وضع أنهار، فقالت: "حالتها الصحية والنفسية متدهورة، وتحتاج إلى رعاية صحية واهتمام، إدارة سجون الاحتلال نفسها لا تعرف كيف يجب أن تتعامل معها، كل ما تريده أنهار هو أن تعود إلى ابنتها وعائلتها، وأن تضع مولودها خارج السجن بسلام".

وتبعًا لبيانٍ أصدره نادي الأسير، ووصل الترا فلسطين نسخة عنه، فإن الاحتلال يواصل اعتقال 11 أمًّا في سجونه، وهن من بين (40) أسيرة يقبعن غالبيتهن في سجن "الدامون"، محرومات من أطفالهن "عدا عن ظروف الاحتجاز القاسية التي تواجهها الأسيرات، بما في السجن من تفاصيل كثيفة، تتمثل كلها في إجراءات تنكيلية ممنهجة".

نادي الأسير: ثماني أسيرات أنجبن في سجون الاحتلال تاريخيًا، وتعرضن لظروف قاهرة وغير إنسانية

يضيف البيان: "في تاريخ الثامن من مارس/ آذار 2021، اعتقلت قوات الاحتلال الأسيرة أنهار سامي الحجة (26 عامًا) من رام الله، وهي أُم لطفلة، وقد كانت حاملًا في شهرها الثالث، ولم يتم مراعاة وضعها، بل زُجت في ظروفٍ قاسية وصعبة، "ورغم المحاولات القانونية التي تجري حتى اليوم، فإن سلطات الاحتلال تواصل اعتقالها رغم اقتراب موعد ولادتها، دون أدنى اعتبارٍ لخصوصية حالتها".

يذكر أن ثماني أسيرات أنجبن في سجون الاحتلال تاريخيًا، وتعرضن لظروف قاهرة وغير إنسانية، قبل وخلال، وبعد عملية الولادة.


اقرأ/ي أيضًا:

صور | هدايا الأسيرات.. فيضُ حُب وأمل حُرّية

مقالب الأسرى: "نُعبّر عن إنسانيتنا"