27-مايو-2019

باسل غطّاس (getty)

لم يسجل كثيرون موقفًا نضاليًّا  مثلما سجل النائب الفلسطيني د. باسل غطاس، فهو ومن أعلى موقع حصانة برلمانية، قرر أن يكون مع الأسرى الذين زارهم ونقل لهم أجهزة اتصال خليوي ليكونوا على تواصل مع أسرهم في مدن ومخيمات بعيدة في غزة والضفة.

   باسل غطاس الذي يفرح القلب لتحرره من السجن   

منذ 2016 وهو يصمد في وجه آلة الاحتلال، التي جرّدته من مواطنته ومن حصانته ولاحقته حتى السجن، ليقضي في الأسر مع أبناء شعبه عامين كاملين، وليختتم أسره برفضه إبداء الندم أمام العاملة الاجتماعية، وليرفض التنازل عن خطوة نضالية لا يفعلها ولا يواجه فيها منفردًا إلا قلة. 

وفي كل لقاءاته، لا يتراجع باسل عن اعترافه بتوصيل الهواتف للأسرى، بل يعتبره حقًّا لهم أملاه عليه ضميره الإنساني والأخلاقي للأسرى الذين هم ضمير شعبهم ورأس حربته. 

لا يمكن أن ينسى المرء صورته وهو يصعد الحافلة في طريقه إلى الأسر، منتصبًا وشامخًا، ماضيًا إلى مصير يعرف أن كل "إسرائيل" ستناصبه فيه العداء بكل مؤسساتها، وهذا ليس سهلًا على أهلنا في الداخل المحتل عام 48، فماكينة الاستثناء والمحوْ كبيرة وتطال كافة جوانب الحياة هناك. 

   لا يمكن أن تنسى كلمات باسل وهو يودّع الناس صاعدًا إلى باص السجن بثلاث وصايا  

لا يمكن أن تنسى كلمات باسل وهو يودّع الناس صاعدًا إلى باص السجن بثلاث وصايا: محاربة العنف الداخلي الذي تستخدمه "إسرائيل" للنفاذ إلى الوسط العربي، ودفع المرأة الفلسطينية للمزيد من العمل السياسي في الأرض المحتلة عام 48، ووقف الطائفية والعصبية في شعب ولد متعددًا ومتنوعًا. 
 
لا يمكن نسيان كيف وقف هذا المناضل المسيحي أمام بيته بالقدس، وقال "إذا منعوا الأذان في المساجد، فإن كل بيوتنا ستتحول إلى مساجد وكنائس".

لا سيرة حزبية تشبه سيرة باسل، فهو منذ عقود يعود إلى الجذور، فتنقّله من الأحزاب لم يكن انشقاقًا عنها، وإنما بحث عن انتماء أكثر جذرية وأشد التصاقًا بالأصلانية الفلسطينية ورفض لكل تبعات ما بعد الاحتلال. 

رغبته المعلنة بخوض تجربة الأسر تذكر بحلم جماعي لكل الفلسطينيين، من الأجيال القديمة إلى الشابة التي حلمت بالسجن كتحدٍّ شخصي وكدرس ومعرفة وثمن يجب على كل إنسان أن يدفعه، لكنه يدفع أكثر في هذا التحدي عندما يدخله وهو في منتصف العمر، متحديًا كل التبعات.

   لا يمكن إلا أن يكون مثالًا للسياسي الفلسطيني الصلب  

لا يمكن إلا أن يكون مثالًا للسياسي الفلسطيني الصلب، فكلماته على منبر الكنسيت وحربه على "أسبارطة نتنياهو الجديدة" وهجومه على الحركة الصيونية كتاريخ وحاضر، وعدم اعترافه بها ولا بكل إفرازاتها؛ حوّلته إلى نموذج لكثيرين بأن يكونوا هكذا، مناضلين جذريين لا ينسون الفكرة الأولى في الصراع.

وحتى في مسارات النضال الفلسطيني في الداخل، الذي يقسمه كثيرون إلى إما حقوق وإما قوانين، لا يعترف باسل بالقوانين كإطار للنضال، بل يقول إن الحقوق هي مربط الفرس، وإن للفلسطينيين حقوقًا أهم من كل ما تفرزه القوانين.

يحسب له دعمه الكبير لتكتيكات نضالية فريدة في اعتماد التنظيمات المهنية القومية لتحشيد الناس بمهنهم ووظائفهم، وتجنيد طاقاتهم الشبابية في أشكال تنظيمية ستتحول يومًا ما من مهنية صرفة إلى قومية وطنية محاربة للعنصرية ومدافعة عن أحلام شعبنا في الحرية. 

منطقيٌّ وصارم في تفسير كل كذبة المساواة في إعطاء الفلسطينيين حكمًا محليًّا وهيئات وتأمينًا وطنيًا، وفي كل لقاء جماهيري، يسخر من هذه المساواة التي تتكشّف يومًا بعد يوم كثمن لشراء ولاء الإنسان الفلسطيني لدولة عنصرية، أبعد ما تكون عن الديمقراطية التي تزعمها. 

هذا هو باسل غطاس الذي يفرح القلب لتحرره من السجن، والذي يستحق أن يكرم على مسيرته النضالية الهادئة والمتفجرة في آن، الأصلاني الباقي بتكتيكات تحرج المهيمن والمستعمر، وتجعل من حجة المحبوس والمحجوز والمسلوب والضحية خطابًا أشد بقاء من خطاب المستعمرين والعابرين.


اقرأ/ي أيضًا: 

الإفراج عن باسل غطاس

على هامش اعتقال النائب باسل غطاس

مجندة الاحتلال المحُجبة