أيتام غزة.. طفولة تواجه الحياة والحرب وحيدة
12 يونيو 2025
"ياريت استشهدت مع ماما وبابا، مش عارف أعيش بدونهم"، بهذه الكلمات يصف الطفل أنس عبد العزيز حالته بعد فقدانه والده ووالدته وشقيقه الأصغر أمير، بعد استهداف جيش الاحتلال منزلهم في 8 آذار/مارس 2024، ليبقى مع شقيقته دعاء التي تكبره قليلاً، يعيشان مرارة الفقد والحرمان من دفء العائلة.
أكثر من 90 في المئة من أيتام غزة يعانون من اضطرابات نفسية حادة، تتراوح بين الصمت المطلق، والتبول اللاإرادي، ونوبات الهلع
يستذكر الطفل أنس (8 أعوام) اللحظات الأخيرة التي سبقت فقدانه عائلته، حيث ذهب برفقة شقيقته يلهوان بالطائرات الورقية، وبعد لحظات سمعا صوت انفجار عنيف هز منزلهما المكون من خمس طبقات، استُشهد على إثره والداهما وشقيقهما أمير.
يقول أنس: "في كل يوم أرى أمي، وأبي ولا يفارقني في المنام، أشتاق إليهما كثيرًا، أود أن أحضن أبي وأُقَبّل أمي، ضحكات أخي الصغير أمير مش قادر أنساها، وهو يأتي صباح كل يوم ليوقظني من النوم"، ثم يخاطب أخته "لقد اشتقت لروح الروح أمي وأبي وأخي، ليش تركوني وراحوا؟".
يخاطب أنس دعاء قائلًا: "هل تذكرين عندما اشترى أبي لنا الألعاب، وبعدها ذهبنا وتناولنا طعام الغداء في المطعم؟"، ضحكت دعاء، وأجابت "هذه آخر فسحة لنا، كان يوم الخميس قبل الحرب بيومين، ياريت أبي لم يستشهد في الحرب، وأتمنى لو أن أمي تعيش معنا ولم تفارقنا للأبد"، ولكنها تواسي نفسها وتختم حديثها قائلة: "هما الآن في الجنة".

يعيش أنس ودعاء اليوم مع جدتهما في مخيم البركة للأطفال الأيتام في مواصي خان يونس، وتحاول الجدة أن تنسيهما ما حدث لأسرتهما من خلال تشجيعهما على اللعب مع أطفال آخرين بين الخيام، في محاولة للتخفيف من وطأة الذكريات الأليمة التي تراودهما أحيانا، خاصة عندما يسألها الشقيقان عن عائلتهما.
تقول الجدة: "لا أحد يعوض حنان الأبوين. أحاول أن أنسيهما ما حدث لهما من خلال إحضار الألعاب وتقديم الحلوى لهم، وأن أخلق لهما عالمًا جديدًا مليئًا باللعب والضحك ليتجاوزا ما فقداه. لكن الحقيقة صعبة".
ويعاني الطفل أنس وشقيقته دعاء من القلق الشديد وشرود الذهن، وتزداد حالتهما سوءًا مع اشتداد القصف لكونهما يخشيان أن يتكرر المأساة مرة أخرى.
سلبت روح الروح
الطفلان الشقيقان محمد وبراء محمود شعت، حُرِما أيضًا من والديهما بعد قصف إسرائيلي على منزلهما في مدينة رفح، أسفر عن إصابة محمد، بينما نجا براء الذي كان خارج المنزل لحظة القصف. يحكي محمد القصة قائلًا: "كان والدي قد دخل المنزل للتو، أما والدتي فكانت تقرأ القرآن، وكنت أنا أجهز نفسي لصلاة الظهر، عندما انهالت الصواريخ علينا فجأة".
ويقول محمد: "في لحظة تحول المكان لكومة من الدمار والركام، وعند انقشاع الغبار رأيتُ أبي والركام فوقه لا يستطيع الحركة، وأمي تملأ الدماء وجهها، والناس واقفين حولنا، عندها نظرتُ إلى نفسي وجدت الدماء تملأ جسدي، بعدها لم أشعر باي شيء من حولي".
لا يذكر محمد كيف وصل للمستشفى، لكنه تذكر أنه كان هناك وحده، ويكرر الأسئلة للطاقم الطبي في محاولة للتعرف على مصير عائلته، لكنه في لحظة صمت سمع الطبيب يقول الله يرحمهم، فأدرك عندها أنه يقصد أبيه وأمه".
ويضيف: "هذه الحرب أخذت مني أغلى شيء في الحياة، أتمنى أكون أنا اللي متت مش هم". وفجأة يسيطر الصمت عليه وتتبدل كلماته بالدموع ليكتفي بعرض صور والده ووالداته والنظر إليهما، والإمعان في تفاصيلهما، عبر شاشة الهاتف النقال، وهو يشير إليهما، ويستدعي من ذاكرته مواقف وقصص قتلها الاحتلال في مهدها. ورغم مرور نحو 17 شهرًا على استشهاد والديهما، إلا أن محمد وبراء لم يتجاوزا مأساة فقدهما، ولم يستعيدا بعد حيويتهما ونشاطهما.

ويحاول الشقيقان محمد وبراء التكيف مع حياتهما الجديدة في مخيم البركة للأيتام في مواصي خان يونس، الذي اضطرا للعيش فيه بعدما تقطعت بهما السبل على أثر اجتياح مدينة رفح في أيار/ مايو 2024 حيث يتلقيان الرعاية المختلفة بما فيها المأوى والطعام والشراب والرعاية الطبية والخدمات التعليمية والاجتماعية.
صدمات نفسية كبيرة
بحسب منظمة "Save the Children"، فإن أكثر من 90 في المئة من أيتام غزة يعانون من اضطرابات نفسية حادة، تتراوح بين الصمت المطلق، والتبول اللاإرادي، ونوبات الهلع.
ويؤكد المختص التربوي يعقوب الأسطل أن استشهاد أحد الوالدين أو كليهما، والامتداد الطبيعي للحياة الاجتماعية في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يتسبب في حدوث صدمات نفسية واجتماعية وعاطفية كبيرة لدى الأطفال الأيتام، تترك أثرها في شخصيتهم، خاصة في سلوكياتهم.
وأوضح يعقوب الأسطل لـ الترا فلسطين، أن الأطفال في المرحلة الأولى من الفقد ترتفع لديهم معدلات الخوف والقلق من العلاقات الاجتماعية، كما يكون الطفل معرضًا للإصابة بالاضطرابات مثل التبول اللاإرادي، ثم ينتقل إلى مرحلة العنف والعدوانية وبعض الحالات قد تصل إلى الصمم وفقدان القدرة على النطق السليم.
وأضاف الأسطل أن هذه الاضطرابات الصادمة إذا استمرت لأكثر من 6 أشهر فإنها قد تتحول إلى اضطراب ما بعد الصدمة الذي يمكن أن يستمر إلى فترة طويلة، ويتسبب في أعراض إضافية شديدة، منها الكوابيس الليلية اليومية والاكتئاب، خاصة إذا لم يكن هناك سند اجتماعي يساعد الأطفال ويمكنهم نفسيًا من التعافي من تبعات الحرب وقسوتها، ليكونوا قادرين على الكفاح واستعادة حياتهم.
وأشار إلى أن الأيتام الذين فقدوا الحاضنة الأولى والأساسية من حضن الأب والأم، واستشهد ذووهم أمام أعينهم، فقدوا الأمن والأمان والإحساس، لذلك فهم بحاجة لإحاطتهم بأشخاص يقدمون لهم الحب والحنان، لأن اختيار الطفل السند الاجتماعي وفق رغبته، يساعده في سرعة التخلص من الضغوطات النفسية التي أفرزتها الصدمات، بعكس إذا ما كان مجبرًا على اختيار السند الذي يتكفل برعايته.
الاضطرابات الصادمة إذا استمرت لأكثر من 6 أشهر فإنها قد تتحول إلى اضطراب ما بعد الصدمة الذي يمكن أن يستمر إلى فترة طويلة، ويتسبب في أعراض إضافية شديدة، منها الكوابيس الليلية اليومية والاكتئاب
ويشدد يعقوب الأسطل أن البيئة الحالية في قطاع غزة غير مواتية لتأهيل الأطفال، خاصة الأيتام منهم، ومساعدتهم في الخروج من الحالة النفسية الصعبة التي يعانون منها، مع انعدام المقومات الأساسية وعدم القدرة على توفير أبسط الاحتياجات في رعاية الأيتام من أكل وشرب ومأوى آمن واستمرار النزوح وعدم الاستقرار.
وأكد الأسطل عدم وجود مؤسسات مخصصة لرعاية اليتيم وتوفير أماكن آمنة لإقامتهم واحتضانهم مع استمرار حرب الإبادة.
40 ألف يتيم
وبحسب أحدث إحصائية لوزارة الصحة، أشار لها مدير عام الوزارة منير البرش، فإن عدد الأطفال الذين فقدوا أحد أبويهما أو كليهما في هذه الحرب تجاوز 40 ألف طفل، هذا عدا عن أن 700 طفل فقدوا أسرهم بالكامل، وأصبحوا في خانة "الناجين الوحيدين"، في حين أن عدد الأيتام في قطاع غزة قبل الحرب كان 22 ألف يتيم، ما يعني أن الحرب جاءت وحدها بضعفي هذا الرقم من الأيتام.
ويحتوي قطاع غزة على أربعة دور للأيتام تبلغ طاقتها الاستيعابية 2800 طفل، كما تم إنشاء بعض المراكز الطارئة، لكنها لا تستوعب العدد الكبير من الأيتام الذي أفرزته الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ نحو 19شهرًا، فضلاً عن أنها تفتقر إلى المقومات المناسبة لتقديم الخدمات للطفل اليتيم.
الكلمات المفتاحية

اعتداءات المستوطنين في الطيبة: بؤرة استيطانية وحرمان من الأرض ومحاولات حرق كنيسة الخضر
قال راعي كنيسة المسيح الفادي للاتين، بشار فواضلة، لـ"الترا فلسطين"، إن الاعتداءات على الطيبة "قديمة جديدة"

أطفال غزة يعانون بسبب "بدائل الحفاضات" أيضًا
أسعار الحفاضات ارتفعت إلى 10 شواكل على الأقل للواحدة منها، ولذلك اضطرت الأمهات لاستخدام أكياس من النايلون وقطع قماش بدل الحفاظات

كرة القدم في غزة تحت نيران الحرب.. الملاعب مراكز اعتقال واللاعبون شهداء
منذ بدء الحرب، تحوّلت ملاعب غزة إلى مراكز اعتقال ودمرت معظم المرافق الرياضية، بينما قُتل مئات الرياضيين الفلسطينيين، بينهم نجوم بارزون. أحلام اللاعبين تبخرت، وآمال الاحتراف انهارت، لتصبح الرياضة هدفًا مباشرًا في حرب الإبادة.

اعتداءات المستوطنين في الطيبة: بؤرة استيطانية وحرمان من الأرض ومحاولات حرق كنيسة الخضر
قال راعي كنيسة المسيح الفادي للاتين، بشار فواضلة، لـ"الترا فلسطين"، إن الاعتداءات على الطيبة "قديمة جديدة"

اشتباكات في غزة.. إصابات في صفوف جيش الاحتلال واستهداف مكثف لآليات الاحتلال
شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات على نحو 90 غارةً في أنحاء القطاع

أطفال غزة يعانون بسبب "بدائل الحفاضات" أيضًا
أسعار الحفاضات ارتفعت إلى 10 شواكل على الأقل للواحدة منها، ولذلك اضطرت الأمهات لاستخدام أكياس من النايلون وقطع قماش بدل الحفاظات

السفير الأميركي في تل أبيب يزور قرية الطيبة بعد تصاعد هجمات المستوطنين
في الطيبة، أضرم المستوطنون النار مؤخرًا في مقبرة خارج كنيسة الخضر التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس