30-يناير-2018

نعيمة العشرينية التي لم تتأقلم يومًا مع اسمها، عاشت في تناقض مستمر، بين مناداتها بـ"هبة"، وهو الاسم الذي ترغبه في محيطها، وبين "نعيمة" في المعاملات الرسمية، حتى استغرب الجميع عند صدور نتائج الثانوية العامة عدم وجود اسم "هبة" ضمن قائمة الناجحين، فاضطر والداها إلى توضيح الأمر لكل متصل، وأن هبة هي ذاتها نعيمة المصري وقد حصلت على معدل 97%، لتقرر بعدها تغيير اسمها إلى "هبة" بشكل رسمي.

أمّا حرب أبو لباد (29 عامًا) فلطالما كره خلال طفولته الذهاب لزيارة المركز الصحي في الحيّ الذي يسكنه في مدينة غزة، فهو يعلم أنّ النظرات ستلاحقه سريعًا حين ينطق الطبيب اسمه في كل مرة، وكيف لطفلٍ صغير أن يحمل اسمًا يوحي بالعنف والشدة، ليعود إلى بيته ولا يملك في قلبه إلّا أمنية واحدة؛ تغيير اسمه فحسب.

أسماء قديمة، وأخرى عنيفة، وأسماء حيوانات وعملات نقدية، دفعت أصحابها لتغييرها بعد أن ملّوا سخرية الناس واستغرابهم

حرب لم يسلم في صغره من سخرية زملائه المتكررة، ولم يفارقه الشعور بالإحراج والظلم الواقع عليه، نظرًا لخشونة اسمه، ليقرر تغيير اسمه إلى عبدالله، فحالفه القدر بانتقاله لمدرسة أخرى واستصدار هويته الأولى باسمه الجديد.

اقرأ/ي أيضًا: أسماء العائلات الفلسطينية.. ما هو أصلها؟

إيمان التتر (40 عامًا)، "هيلانة" سابقًا، تقول إنّ اسمها لم يتوافق مع شخصيتها يومًا، ونظرًا لصعوبة إجراءات التغيير آنذاك، فقد اضطرت لحمله مكرهةً. وبعد تخرجها من الجامعة، قصدت إحدى العيادات الطبية، فاستغرب الطبيب من اسمها، خاصة أنّ الحالة التي سبقتها كانت لشخص اسمه "جُعران"، ما أثار حفيظة الطبيب، وكتب اسم إيمان بدلاً من هيلانة على "روشتّة" الدواء، ومن ثم أعانها على تغييره بشكل رسمي بمساعدة بعض المحاميين.

وقد درج قديمًا، تسمية الآباء لأبنائهم بأسماء المشاهير والأعلام وأبطال المسلسلات إعجابًا بهم، ليجد الأبناء أنفسهم اليوم غير راضين عن أسمائهم، ويقرروا تغييرها.

تقول الأخصائية النفسية سمية أبو حية إنّ "من برّ الآباء للأبناء انتقاء أجمل الأسماء، وأحبّها للنفس، لأن الصغير سيكبر ويُفتش عن اسمه، فلا داعي لتسميتهم بأسماء قديمة أو غريبة تُسبب لهم فيما بعد السخرية والحرج بين الآخرين".

   سوء اختيار الاسم يؤثر سلبًا على شخصيّة صاحبه، ويترك لديه اضطرابات شخصية   

وتبيّن أبو حية أنّ سوء الأسماء يؤثر سلبًا على شخصية الفرد، ويترك لديه اضطرابات شخصية، فيتجنّب اللقاءات الأولى، ويخشى من التعريف بنفسه، لأسباب منها؛ قِدم الاسم وثقل نطقه وأحيانًا فظاظته، أو مماثلته لأسماء الحيوانات والجمادات.

تضيف، "بعض الأشخاص لا يستطيعون اجتياز ذلك، فيغيّرون أسماءهم في أقرب فرصة تتيح لهم ذلك، بينما يكتفي آخرون باختيارهم أسماء بديلة (دلع) ويُبقون على أسمائهم الشخصية في المعاملات الرسمية فقط".

وتشير آخر إحصائية صدرت عن وزارة الداخلية في غزة إلى أن أكثر الأسماء تداولًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة بالنسبة للذكور كانت محمد وأحمد ويوسف، أمّا بالنسبة للإناث فكانت ليان وميرا وجنى.

محمد وأحمد ويوسف، أكثر الأسماء تداولًا في غزة للذكور خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وليان وميرا وجنى أكثرها للإناث

ولا يضع القانون الفلسطيني ضوابط محددة عند تسمية الأبناء، ويترك اختيار الاسم لـ"ولي الأمر"، وفق أحمد الحليمي، المدير العام للأحوال المدنية في غزة، الذي بيّن أن إدارة الأحوال المدنية توجّه "النصائح والاستشارات" لتوضيح أهمية الاسم وانعكاساته على حياة الشخص فيما بعد، "وكثيرًا ما يتم التراجع عن الأسماء الغريبة بفضل ذلك"، حسب قوله.

اقرأ/ي أيضًا: أعطيتك ابنتي.. هكذا كانت تزوج الفتيات

ورغم ذلك، فإن اختيار الأسماء لا يزال يثير استغراب الموظفين أحيانًا، كتسمية أحدهم أبناءه بالعملات النقدية مثل "دينار" و"دولار"، أو أسماء "غير لائقة" مثل "جهنم" و"عذاب" و"أسى"، وفي أحيان أخرى أسماء لحيوانات وألقاب سيئة، فيما يُسمى آخرون أسماءً مركبة يتم تغييرها بعد انقضاء السبب، حيث يطلق بعض الأهالي أسماء رؤساء أو أمراء، ليحصلوا على منفعة ما، وبعد أن يُحصّلوا تلك المنفعة، يعودون لتغيير أسماء أبنائهم خلال مدة قصيرة، وفي غالب الحالات فإنّ التسميات الأولى تكون في إشعار الولادة، ثم تُغيّر مع استصدار شهادة الميلاد الرسمية. 

وعلم "الترا فلسطين" من مصادر في وزارة الداخلية بغزة، أنّ هذه القائمة بالأسماء، سُجلّت خلال الأعوام الثلاث الأخيرة في غزة: تميم بن حمد، أردوغان، عبدالفتاح السيسي، بشار الأسد، محمد دحلان، محمود عباس، محمد العمادي، يحيى السنوار، صدام حسين، ياسر عرفات، رائد العطار، محمد مرسي، جمال عبد الناصر، رامي الحمدلله، محمد الضيف، سلمان بن عبد العزيز، معاذ الكساسبة، مرتضى منصور، فجر 5، أحمد سعدات، طيب أردوغان، مهند الحلبي، تشافيز، جدو، فتحي الشقاقي، زياد أبو عين، جمال أبو الجديان، مازن فقها، محمد أبو خضير، جوال، وطنية. 

وفي بعض الأحيان يكون تغيير الأسماء لأسباب أمنية، كأن يحمل الشخص اسمًا ثوريًا أو اسمًا لحزب مقاوم، ما يجعله عرضة للملاحقة أو المنع من السفر، والتنقّل عبر المعابر والحواجز الإسرائيلية.

هناك من غيّروا أسماءهم لأسباب أمنية، بعد أن تسببت بإعاقة تنقلهم على الحواجز والمعابر الإسرائيلية

وتجري عملية تغيير الاسم وفق فئتين عمريتين، وتتعلق الأولى بمن لم تتجاوز أعمارهم خمس سنوات، وتتم بطلب من وليّ الطفل، ولا يستغرق إنهاؤها وقتًا طويلًا، لأنّ إجراءاته القانونية قصيرة، ويتم لمرة واحدة فقط حسب القانون الفلسطيني، كما ذكرت المستشارة القانونية إسلام سهمود.

أمّا من هم فوق الخامسة، فإن كان قاصرًا يتقدّم ولي أمره بطلب لمحكمة الصلح، وإن كان راشدًا فيتم رفع طلبه بنفسه والاستماع لأسبابه التي يُركز فيها على المضارّ التي لحقته بسبب ذلك، ثم تتخذ المحكمة قرارًا بالقبول أو الرفض، إلّا أنّ أغلب الطلبات يتم الموافقة عليها.

ويتم التغيير وفقًا لما نصّت عليه المادة 39 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) لسنة الــ 2001 على اختصاص محاكم الصلح بالنظر في دعاوى التصحيح في السّجلات وقيود الأحوال المدنية.

إجراءات التغيير لا تأخذ وقتًا طويلًا، إلّا في حالات اعتراض النيابة لعدم توافق الأسباب مع القانون العام، أو بسبب ملابسات تتعلق بالاسم كوجود شبهات مختلفة، وأحيانًا لوجودها تحت الفحص الأمنيّ لدى الاحتلال الإسرائيلي. 

وأفادت إحصائية أصدرتها الإدارة العامة للأحوال المدنية بوزارة الداخلية، أنّ قطاع غزة سجّل أكثر من 58 ألف مولود في العام 2017، بنسبة 51.50 في المئة ذكور، و48.50 في المئة إناث، بواقع 160 مولودًا يوميًا، وبمعدل 6 مواليد في الساعة. 


اقرأ/ي أيضًا: 

العريس "سليم" والعروس "ذات إعاقة".. معقول؟

الطلاق في فلسطين لم يكن فضيحة.. كيف كان يحدث؟

نساء معلقات على حبال ظلم المجتمع والقانون في غزة