30-يناير-2023
 ABBAS MOMANI/Getty Images

ABBAS MOMANI/Getty Images

لم يكن الشاب عدي سالم (23 عامًا) من بير نبالا شمال غرب القدس، يدري أن زيارته مع أفراد أسرته عندما كان طفلًا لأقارب لهم في غزة بعد سنوات طويلة من الفراق، ستتحول إلى معاناة ما يزال يبحث لها عن حل منذ عام 2007.

عائلات مقطّعة الأوصال بين الضفة وغزة، أطفال بعيدًا عن والديهم، أو خاطبون ينتظرون الزواج.. كل هؤلاء يرفض الاحتلال السمّاح بـ "لم شملهم"

وصل عدي مع والديه إلى قطاع غزة عبر معبر بيت حانون "إيريز"، وبعد لقائهم أحبتهم، وقعت أحداث الانقسام الفلسطيني، لتبدأ حالة من القلق والتوتر تتسرب إلى العائلة، خاصة مع توالي أخبار إغلاق المعابر وتوقّف حركة السفر.

يقول عدي لـ "الترا فلسطين"، بقينا عالقين في غزة ولم يسمح لنا الاحتلال بالعودة إلى الضفة الغربية، غير أن والدي استطاع العودة بعد صدور تقرير طبي يفيد بحاجته لتلقي العلاج عام 2012، وبقيت أعيش مع والدتي وشقيقي.

ويتابع: العام الماضي تمكنت والدتي من تغيير عنوانها والعودة إلى الضفة مع أشقائي، وبقيت أنا هنا (في غزة) أصارع الوحدة وأكابد الآلام.

ويقضي عدي أيامه متنقلًا بين بيوت خالاته وأقاربه في محاولة للبحث عن جو الأمان الذي فقده بعد أن منعه الاحتلال من اللحاق بوالديه وأشقاءه الذين يعيشون في الضفة الغربية.

لم يترك عدي أي جهة أو مؤسسة يمكنها مساعدته إلا وتوجه لها، دون فائدة "ما خليت حد إلا توجهت له، تواصلت مع الصليب الأحمر ومؤسسات حقوق الإنسان والشؤون المدنية، لكنهم جميعًا أبلغوني أن الحل بيد الاحتلال".

السيدة حنان أبو صاع (35 عامًا) من شمال قطاع غزة، تمثل وجهًا آخر لمعاناة الفلسطينيين الذين فرّق الاحتلال شملهم. تزوجت حنان عام 2012 من شاب من طولكرم أثناء تواجده في الامارات، وفي عام 2020 توقف زوجها عن العمل بسبب أزمة كورونا ما اضطره للعودة مع زوجته وأطفاله الثلاثة إلى الضفة الغربية.

تقول حنان لـ "الترا فلسطين"، عند وصلنا معبر الكرامة "الجسر" للعودة إلى الضفة الغربية، منعني الاحتلال أنا وأطفالي الثلاثة من الدخول، واضطررت إلى العودة إلى قطاع غزة عبر مصر، بصحبة أطفالي الثلاثة، ومنذ ذلك الحين لم ألتق بزوجي.وتضيف: منذ عامين تقدّمنا بعشرات الطلبات للسفر للضفة وبعدة طرق، إلا أن الاحتلال رفضها جميعها.

وتعلق أبو صاع بحسرة: "عند زواجنا في الإمارات، لم نكن ندرك أن هناك عائقًا كبيرًا سيمنع اجتماعي مع زوجي وأطفالنا في مكان واحد بعد عودتنا إلى فلسطين".

وتقول حنان إن غياب زوجها عن المنزل خلق مشكلة نفسية لدى أطفاله الثلاثة الذين لا يتوقفون عن السؤال عنه. وتشير إلى أن الأطباء اكتشفوا وجود ورم في رقبة ابنتها، وهي بحاجة إلى عملية طبيّة، لكنها خائفة من إجرائها في ظل غياب والدها، وتحاول تأجيلها منذ عام على أمل أن تتمكن من الاجتماع مع زوجها.

المتحدث باسم الزوجات العالقات في قطاع غزة، مروة أبو حمادة والتي تمكنت من العودة إلى منزل زوجها بالضفة الغربية قبل خمسة أشهر، تقول إن عدد الزوجات العالقات مع أطفالهن في غزة يصل إلى 116. كما أن بعض الأزواج عالقون في غزة، فيما أطفالهم وزوجاتهم في الضفة الغربية ولا يسمح لهم بزيارتهم إلا بعد التوقيع على وثيقة تلزمهم بالبقاء في غزة.

وتضيف في حديثها لـ "الترا فلسطين" إنه لم يصدر منذ تموز/ يوليو الماضي أي دفعة من طلبات تغيير العنوان، وأن الشؤون المدنية أبلغتهم سابقًا أن السبب في ذلك يعود لإجراء انتخابات الكنيست، وما تبعها من تشكيل للحكومة الإسرائيلية.

وتشير إلى أن العوائق التي يفرضها الاحتلال في هذا السياق، تقتل الأمل لدى الفتيات المخطوبات لشبّان من الضفة، بالاجتماع مع أزواجهن هناك، لذا لجأ عدد منهن إلى الهجرة لإتمام مراسم الزواج خارج فلسطين، في دول مثل مصر وتركيا.

وتبيّن مروة أبو حماد أن الاحتلال يمنع نجلها محمد (22 عامًا) من الاجتماع بها في الضفة الغربية، الأمر الذي سيدفعهم لإقامة خيمة اعتصام أمام الشؤون المدنية في غزة ورام الله، للمطالبة بإنهاء معاناتهم.

منانة بحر المتحدثة باسم حراك "لم الشمل حقي" تقول إنه لا يتوفر أرقام دقيقة بأعداد المواطنين الذين تقدموا بطلبات للحصول على "لم شمل" و"تغيير عنوان" السكن. وتشير لـ "الترا فلسطين" إلى أنهم بصدد إعادة تفعيل القضية خاصة في ظل قدوم حكومة إسرائيلية متطرفة.

ولم تخف منانة بحر أن هناك حالة خوف وإحباط تنتاب المواطنين، من وقوعهم ضحية للعقاب الجماعي الإسرائيلي في ظل توتر العلاقة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. 

السلوك الإسرائيلي ينتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الذي أعطى الإنسان الحق في الحركة والتنقل واختيار مكان إقامته وسكنه 

من جهته، يشير محمد أبو رحمة من جميعة "الحق في الحياة"، إلى إنهم قابلوا عددًا من السيدات العالقات في غزة، وحصلوا على إفادة توضح معاناتهن، ويسعون لإعداد كشف دقيق بأعدادهم كخطوة أولى للتحرك في هذا الملف. مشددًا في حديث لـ "الترا فلسطين" على ضرورة متابعة الجهات الحكومية لهذا الملف، والتواصل مع المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية الدولية، والاتحاد الأوروبي وقناصل وسفراء الدول الغربية للضغط على الاحتلال. 

يشار إلى أن الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلية، صادقت بالقراءتين الثانية والثالثة على ما يسمى قانون "المواطنة" في آذار/ مارس 2022، والذي يشمل بند منع لم شمل عائلات فلسطينية فيها أحد الزوجين من سكان الضفة الغربية أو قطاع غزة. 

وفي 31 تموز/ يوليو 2003، سنّ الكنيست قانون ما يسمى "المواطنة والدخول إلى إسرائيل" (كأمر مؤقت)، ومنذ ذلك الحين يجري تمديده سنويًا.