18-يناير-2020

الترا فلسطين | فريق التحرير

على مدار شهرين، تُنظم مؤسسة عبد المحسن القطان، معرض "الاستقصاء المعماري: نهج مضاد" الأول من نوعه في فلسطين، فاتحة بذلك المجال للاطّلاع على عمل هيئة دولية كبيرة متخصصة في فضح انتهاكات حقوق الإنسان، باستخدام أدوات الدولة.

معرض الاستقصاء المعماري: نهج مضاد تنظمه مؤسسة القطان فاتحة المجال للاطلاع على هيئة دولية متخصصة في فضح انتهاكات حقوق الإنسان، باستخدام أدوات الدولة

المعرض الذي يُنفذ بالتعاون بين مؤسسة القطان ووكالة الاستقصاء المعماري في لندن، سيعرض منهجيات عمل هذه الوكالة في مجال التحقيقات الاستقصائية من خلال عرض ثلاثة تحقيقات استقصائية هامة يُمكن تصنيفها بأنها جنائية، أنتجتها هذه الوكالة حول قضايا تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين وسوريا والولايات المتحدة الأمريكية.

وينطلق المعرض يوم السبت 25 كانون الأول/يناير الجاري وحتى يوم الخميس 2 نيسان/إبريل المقبل، وتحتضنه مؤسسة القطان في مقرّها في حي الطيرة بمدينة رام الله، والقيّم عليه شوريدة مولوي ويزيد عناني.

قنبلة غاز ثلاثية الأمشاط

انطلق هذا التحقيق من احتجاجاتٍ على علاقةٍ تربط نائب رئيس مجلس أمناء متحف ويتني للفن الأمريكي ويُدعى وارن ب. كاندرز بإحدى أكبر الشركات المصنعة للغاز المسيل للدموع في العالم.

هذه العلاقة دفعت موظفي المتحف إلى الاحتجاج لشهور رافضين وجود كاندرز داخل مجلس الأمناء بسبب دوره في تصنيع هذا السلاح المستخدم في القمع. ومن هنا انطلقت وكالة الاستقصاء المعماري في عملها من أجل إثبات خطورة قنابل الغاز التي تصنعها شركة كاندرز واستخدامها بالفعل في انتهاكات لحقوق الإنسان، ولأجل ذلك استخدمت برامج تصنيف تعتمد على الرؤية المحوسبة لجمع وتحليل قنابل الغاز.

تقوم الفكرة هنا على التقاط صور لقنابل الغاز بعد إطلاقها في الهواء ثم تحليلها، ونجحت الوكالة في إثبات استخدام قنابل الغاز التي تصنعها سفاري – لاند في انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها دولٌ مختلفةٌ، من الدول الاستعمارية الاستيطانية، إلى الليبرالية الديمقراطية، إلى الدول السلطوية. 

كما كشفت الوكالة ارتباط كاندرز بالقنص العنيف الذي يرتكبه جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر مصنّع الرصاص الأمريكي "رصاص سييرا". وفي عام 2019 استقال كاندرز من مجلس أمناء متحف ويتني استجابة للاحتجاجات والمقاطعة الواسعة.

الفلم الذي ستُشاهدونه في القطان، سيوضح لكم كيف عملت الوكالة بتقنيات حديثة جدًا وخاصة ونجحت في إثبات هذه الحقائق، وقد تم عرضه لأول مرة في نيويورك خلال شهر أيار 2019، ثم في مدينة غزة في أيلول/سبتمبر 2019، والآن سيكون لمدة شهرين بين أيديكم في مؤسسة القطان في رام الله.

التعذيب في سجن صيدنايا

يرصد هذا التحقيق إعدام عشرات الآلاف في سجون النظام السوري أو موتهم في مراكز توقيف تابعة له. ولأن السلطات السورية منعت هيئات الرقابة التي تنشر تقاريرها علنًا من زيارة سجن صيدنايا قرب دمشق أو الحديث مع من اعتقلوا فيه، انطلقت فكرة هذا التحقيق في شهر نيسان/إبريل 2016 بالتعاون بين هيئة العمارة الجنائية ومنظمة العفو الدولية، حيث التقت في تركيا مع خمسة سجناء سابقين في صيدنايا.

أنشأت الهيئة المعمارية في الوكالة سجنًا مشابهًا لصيدنايا استنادًا إلى الذكريات الحسية والصوتية للناجين من السجن، مستخدمة نمذجة معمارية وصوتية تمكن السجناء السابقين من إعادة تشكيل عمارة السجن وتجاربهم في الاعتقال.

وكالة الاستقصاء المعماري أنها تستخدم تقنيات تقدم أنواعًا جديدة من الأدلة، وأطوارًا جديدة للتدخلات، وتخلق ساحات عامة جديدة للمساءلة

الزائرون للمعرض في القطان سيتمكنون من مشاهدة كل ذلك، والاطّلاع من خلال فيديوهات وأصوات ومجسمات على التحقيق الشيّق حول السجن وتجارب السجناء فيه مع العنف الجسدي والنفسي.

مقتل هاريث أوغستوس

هذا التحقيق هو الثالث الذي سيتم عرضه في معرض "الاستقصاء المعماري: نهج مضاد"، وهو يتناول جريمة قتل ثلاثيني أمريكي يُدعى هاريث أوغستوس في شيكاغو على يد عنصر في الشرطة. هذه الجريمة أثارت احتجاجات كبيرة قالت الشرطة على إثرها إن قرار قتل أوغستوس كان "مبررًا" واتخذ خلال "جزء من الثانية"، ونشرت فيديو قالت إنه يؤكد ذلك.

من هذا الفيديو والادعاء انطلقت وكالة الاستقصاء المعماري، حيث عملت مع مجموعة استقصائية محلية ومحاميي عائلة أوغستوس، إذ فككت الهيئة هذا "الجزء من الثانية" الذي قُتل فيه أوغوستوس عبر ست عدسات زمنية مختلفة، ونجحت في إثبات أن القتل لم يكن مبررًا وأنه تم على خلفية عنصرية.

في هذه العملية أضاءت الوكالة على الأساليب التي يولَّد فيها العنف البنيوي المتجذر في أمريكا ثقافة السلاح البوليسية القائمة على مرجعية عرقية.

سيُمكنكم في معرض "الاستقصاء المعماري: نهج مضاد" مشاهدة هذا الفيديو وكيف عملت الوكالة ونجحت في كشف أبعاد مختلفة من وحشية الشرطة واستخدامها القاتل للقوة ضد الأجساد المعرقنة والمجرّمة.

واللافت في عمل وكالة الاستقصاء المعماري أنها تستخدم تقنيات تقدم أنواعًا جديدة من الأدلة، وأطوارًا جديدة للتدخلات، وتخلق ساحات عامة جديدة للمساءلة. هذا المعرض يرسم لكم ملامح منهجيات استقصائية-مضادة متعددة فعّلتها الوكالة في سعيها إلى تعميم عملية جمع الأدلة

وتسعى الوكالة من خلال عرض تحقيقاتها البوليسية هذه إلى الإضاءة على أشكال وجبهات جديدة للنشاط السياسي، موطدةً روابط التضامن مع النضال الفلسطيني.