24-أبريل-2018

يتوسّع الاستيطان الإسرائيليّ لإنتاج وقائع ميدانيّة وديموغرافية، تُمهّد لضمّ الضفة الغربية مع الحفاظ على أغلبيّة يهودية داخل "إسرائيل"، عبر إقامة مستوطنات على جبال مُطلة على السهل الساحلي وعلى امتداد غور الأردن، لحماية الحدود، انطلاقًا من خطة "ألون" التي تبلورت بعد الاحتلال مباشرة، وخطة شارون سنة 1979. فهل حقق الاستيطان ذلك؟

أظهرت معطيات تعداد أُجري في حزيران/ يونيو 2016، وجود أكثر من 636 ألف مستوطن إسرائيليّ يتوزّعون على 138 مستوطنة في الضفة الغربية، و12 حيًا استيطانيًا في الجزء المحتل من القدس سنة 67، بينها مستوطنة "بسغات زئيف" التي يتجاوز عدد مستوطنيها 42 ألفًا.

ويتجاوز عدد المستوطنين في أنحاء القدس المحتلة، المئتي ألف، وتحليل هذه الأرقام يُشير إلى أنّ الغالبية الساحقة، أي حوالي 80% من المستوطنات في الضفة الغربية يقيم فيها 22% من المستوطنين، ما يعني وجود عدد كبير من المستوطنات الصغرى.

15 مستوطنة فقط يتجاوز عدد سكانها خمسة آلاف، وهناك 45 مستوطنة يسكنها 120 مستوطنًا فقط

بعض المستوطنات يقطنها عدد قليل من الأسر، ولا يزيد عدد سكّانها من المستوطنين عن 120، وهذا الوضع ينطبق تقريبًا على 45 مستوطنة. وبقيّة المستوطنات يتراوح عدد سكانها بين ألف إلى خمسة آلاف. 15 مستوطنة فقط تلك التي يتجاوز عدد سكانها خمسة آلاف. فكيف تتوزّع هذه المستوطنات، وهل يدور الحديث عن مستوطنات أنتجت في داخلها أو في محطيها بؤر حياة أو عمل صناعي أو زراعي؟ أم أنّ الصورة عكس ذلك؟

اقرأ/ي أيضًا: واد الحصين: سنبقى ثقبا في مخططات الاستيطان

يُلاحظ أنّ المستوطنات التي يتجاوز عدد سكانها خمسة آلاف شخص، تتركّز في الضفة الغربية بمحاذاة الخط الأخضر، وهو ما يُطلق عليه في إسرائيل "استيطان البحث عن الحياة الرغيدة"، وسُكّانها ليسو مستوطنين لدوافع أيديولوجية، إنما مستوطنون يبحثون عن ظروف حياة أفضل، ليس بإمكانهم توفير شروطها داخل الأراضي المحتلة عام 48.

وتقع المستوطنات الكُبرى الأخرى شرقيّ القدس، باستثاء مستوطنتيّ "كريات أربع" المقامة على أرض مدينة الخليل، ويسكنها نحو 7 آلاف مستوطن، وكذلك مستوطنة "ارائيل" شمال الضفة الغربية، ويتجاوز عدد سكانها 18 ألف مستوطن. وبعد الأخذ بعين الاعتبار الاستثناءات أعلاه، فإنه ليست هناك مستوطنات كبيرة ليست بمحاذاة حدود الخامس من حزيران، وهذه المستوطنات ليس في محيطها أو داخلها أي بؤرة حياة صناعية أو زراعية بإمكان المستوطن العمل فيها ثم العودة لمكان سكنه، فمعظم هذه المستوطنات محور حياة سُكّانها داخل "إسرائيل"، وهي فقط مستوطنات تستخدم للمبيت ليلًا.

ومن المستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية؛ مستوطنة "موديعين عليت" غرب رام الله، ومستوطنة "بيتار عليت" جنوبيّ القدس، وهي مستوطنات أقيمت لحلّ مشكلة ضائقة السكن للوسط الحريدي "المتديّن"، ولا يرتبط سكّان المستوطنتين بصلة عقائدية بمشروع الاستيطان في الضفة الغربية.

الفلسطينيون يملكون 15 ضعفًا من الأراضي المزروعة التي يستغلها المستوطنون، والمستوطنون يستخدمون ربع شوارع الضفة

أقامت "إسرائيل" ثلاث مناطق صناعية إحداها في القدس، داخل الجدار الفاصل، هي: "عطروت" التي يعمل فيها ثلاثة آلاف عامل أغلبهم من الفلسطينيين. المنطقة الصناعية الثانية هي "بركان" شمال الضفة الغربية، ويعمل فيها 400 عامل كلهم فلسطينين. والثالثة هي "ميشور ادوميم" في صحراء القدس، ويصل عدد العمال فيها إلى 200 عامل فلسطينيّ، فيما المستوطنون يملكون المصانع والورش ويديرونها. أمّا في قطاع الزراعة فإن المستوطنين يستغلون نحو مئة ألف دونم، معظمها في غور الأردن، أي أن الفلسطينيين يملكون 15 ضعفًا من الأراضي المزروعة التي يستغلها المستوطنون.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | الإدارة المدنية للاستيطان وإقصاء السلطة

المعيار الآخر لقياس نسبة طغيان الطابع الفلسطيني أو الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية؛ الذي تستخدمه الأكاديما الإسرائيلية، هو نسبة استخدام الطرق. وبحسب معطيات ذكرها الباحث الإسرائيلي شاؤول أرائيلي، فإن ثلثي الشوارع في الضفة الغربية لا يسافر فيها المستوطنون، وأنهم يستخدمون ربع الشوارع لأن تلك الشوارع حصرية لهم، ونسبتها 24.5% من إجمالي الشوراع الضفة الغربية.

إلى ذلك، فإن نسبة النمو في عدد المستوطنين خلال العشرين سنة الماضية آخذة  في الانخفاض، وإذا كانت نسبة النمو قبل عشرين سنة 10.2%، فإنها انخفضت الآن إلى 4%، وعملية الانخفاض متواصلة بوتيرة دائمة، على الرغم أن نسبة النمو في المستوطنات أعلى منها داخل إسرائيل.

 وبعد التدقيق في  مصادر النمو، يتبين لنا أن معظمها نتجت عن الولادة، ففي سنة 1995 شكل النمو الطبيعي (الولادة) الثلث. أما في سنة  2015، فقد استحوذ على 80% من إجمالي النمو، حيث تأتي  البقية من الهجرة من داخل إسرائيل، وهذا يعني أن عدد الإسرائيليين الذي ينتقلون للعيش في المستوطنات في انخفاض مستمر.

نمو عدد المستوطنين في الضفة ينتج عن الولادة، أما نسبة الهجرة للمستوطنات فهي في انخفاض مستمر

ومما يجدر ذكره بخصوص النمو الطبيعي في عدد المستوطنين، أن هذا النمو يتركز في معظمه في مستوطنتين، هما "مودعين عليت"، و"بيتار عليت"، ولا يتوزع في كل المستوطنات بصورة نسبية، وإنما 50% من نسبة النمو تقع في واحدة من المستوطنتين، أي أن واحدًا من كل إسرائيليين ينضمان للاستيطان في الضفة، يذهب إلى واحدة من هاتين المستوطنتين. والمستوطنة الأكبر بينهما هي "مودعين عليت"، ويقطنها 70 ألف مستوطن، فيما يسكن "في بيتار عليت: 55 ألف مستوطن.

اقرأ/ي أيضًا: مستوطنون يزرعون في الضفة "لاستعادة أرض إسرائيل الكاملة"

وبما أن إسرائيل تتعامل مع هاتين المستوطنتين كمدينتين، فإنه يجدر القول إنهما من أفقر "المدن الإسرائيلية"، ومعظم طلابهما لا ينجحون في "البغروت"، وهو التوجيهي. وفي كل سنة تشهد "بيتار عليت" ثلاثة آلاف حالة ولادة، ويُفتتح فيها غرفية صفية جديدة.

كما أن سكان المستوطنتين المذكورتين أتوا إليهما لأنهم - كما يقولون - عاجزون عن توفير المال الكافي لشراء منازل في تجمعات "الحريديم" الرئيسية في القدس، أو في "بني براك" شرقي "تل أبيب". وهذا يعني أن مشروع الاستيطان يعتمد على النمو الطبيعي في "المستوطنات الحريدية" التي تشكل 1.6% من إجمالي المستوطنات، ويسكنها حوالي ثلث المستوطنين في الضفة الغربية، وتقعان في أسفل المقياس الاجتماعي والاقتصادي في إسرائيل، بحسب معطيات مكتب الإحصاء المركزي.

في المقابل، تُظهر المعطيات أن الاستيطان تراجع في معاقل "اليمين المسياني"، الذي يوصف في إسرائيل بالتيار الديني القومي. مثلًا مستوطنة "بيت إيل" غادرها 34 مستوطنًا، ومستوطنة "إلكنا" غادرها خمسة مستوطنين، و"كريات أربع" غادرها ستة مستوطنين، والبلدة القديمة في الخليل غادرها مستوطن.

مستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة بمحاذاة القدس، ويسكنها علمانيون يبحثون عن شروط حياتية أفضل، انخفض عدد سكانها خلال النصف الثاني من سنة 2016 بعد هجرة عدة عائلات منها. أما مستوطنة "أرائيل" فقد حافظت على وصف "المدينة الإسرائيلية الأصغر" في الضفة الغربية، والنمو فيها شكَّل ما نسبته 4.5% من إجمالي النمو في الضفة الغربية.

غالبية المستوطنين يختارون السكن في المستوطنات المحاذية لأراضي 48، التي تتطلع إسرائيل لضمها في أي تسوية نهائية

وعلى مدار الأربعين سنة الماضية، كان يتم  توجيه ثلثي  الشقق التي تُبنى  داخل الكتل الاستيطانية الكبرى، وربعها خارجها، ولكن هذا التوجه تغير بعد وصول بنيامين نتياهو لسدة الحكم، إذ بنت الحكومة الحالية، 50% من الوحدات الاستيطانية خارج الكتل الاستيطانية الكبرى.

وتبني إسرائيل حاليًا وحدات استيطانية أقل في الضفة الغربية مما بنت في السابق، فخلال فترة ولاية نتنياهو الأولى سنة 1995، بنت حكومته سنويًا  ثلاثة آلاف وحدة استيطانية. وعندما وصل إيهود باراك للحكم، بنى  خمسة آلاف وحدة استيطانية في السنة.

أما السنوات الأخيرة فقد شهدت تذبذبًا في عدد الوحدات الاستيطانية. مثلًا في سنة 2015، أُقيمت 1800 وحدة  استيطانية، من بينها 96% في مستوطنات معزولة. ومنذ بداية السنة الجاري (2018)، تم بناء حوالي 2800 وحدة استيطاينة، بحسب معطيات حركة "السلام الآن" الإسرائيلي، أي أن حكومة نتنياهو بنت خلال الثلث الأول من هذه السنة وحدات استيطانية أكثر من التي بنتها الحكومة ذاتها قبل ثلاث سنوات.


اقرأ/ي أيضًا:

أعمال الدهس.. ذنوب المستوطنين المغفورة

مساجد الخليل: الجيش والمستوطنون يتولون الإرهاب والتهويد

معاريف: ساحة عمر بأيدينا.. انتهت قضية "بترا" و"امبريال"