06-أبريل-2017

تشهد أسواق الضفة الغربية وقطاع غزة، حربًا بين التجار وأشخاصٍ دفعهم الاقتصاد المحلي المتهالك إلى دخول السوق كتجارٍ وزبائن بغطاءٍ من التحايل، مستهدفين بشكلٍ أساسيٍ أسواق المواشي والسيارات والعقارات، في ظاهرةً أصبحت تُعرف لدى ضحاياها والخبراء الاقتصاديين بـ"التكييش".

الحاج زياد العرايشي من قرية روجيب في نابلس، وهو صاحب مزرعة مواشي، يصف هذه الظاهرة بأنها "عمليات نصب"، ويقول، إنه وعدد من المزارعين تعرضوا لها، إذ تبلغ نسبة الزبائن الذين يتعاملون بالتكييش، وفق تقديره، 10%، فيما تجاوزت مبالغ التكييش مع بعض التجار 200 ألف دينار أردني، في ظاهرة يمكنها أن توقف حركة السوق.

يُنذر تنامي "التكييش" بكارثةٍ للاقتصاد الفلسطيني، ويلحق خسائر فادحة بالتجار الذين يجدون أنفسهم بسببه أمام خياراتٍ أحلاها مر

يقول العرايشي: "لمّا رأس المال يتحول لشيكات لا يتم تسديدها، فإن المزارع يُكسر بالتأكيد، ونحن يوميًا نتعرض لهذه المشاكل، فمنهم من يشتري 20 رأس خروف بـ8 آلاف دينار شيكات، ثم نجده يبيعها في السوق بـ7500 أو 7200 دينار كاش، وآخر يشتري بشيكات نذهب لصرفها فنكتشف أنها مُرجعة وبدون رصيد".

اقرأ/ي أيضًا: مليونيرية يقودون عصابات "الشيكات البنكيّة"

ويبتعد العرايشي وغالبية المزارعين ومربي المواشي عن التوجه للقضاء في حلّ المشاكل الناجمة عن التكييش في أسواقهم قدر الإمكان، ويختارون بدلاً من ذلك الحل العشائري من خلال الوجهاء و"الشيوخ".

علاء بدوان من غزة، وهو صاحب معرض بدوان لتجارة السيارات، يبدي أيضًا استياءه الشديد من ظاهرة التكييش، قائلًا: "نحن نتعرض لخسارة كبيرة دون تدخل الحكومة. ننتظر أكثر من شهرين لاستيراد السيارة وندفع الضرائب لحكومتي غزة ورام الله وللاحتلال، ثم نُفاجأ أن سعرها في السوق أقل من تكلفتها علينا بكثير".

ويجد بدوان وغيره من أصحاب معارض السيارات أنفسهم أمام أمرين أحلاهما مُر، فإما البيع بسعر السوق والتعرض لخسائر فادحة، أو الانتظار حتى يبيع التجار ما بحوزتهم من سيارات ويعود السعر الأصلي، وهم في هذه الحالة ينتظرون بلا أجل، وخلال ذلك تصل السوق موديلاتٌ أحدث من السيارات، ما يسبب تراجع سعر السيارات الأقدم تلقائيًا.

وتقوم فكرة التكييش، حسب ما أوضح ماهر الطباع مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بمدينة غزة، على لجوء تجارٍ لشراء سلعةٍ معينةٍ بالتقسيط عن طريق الشيكات أو الكمبيالات أو بطاقة "Easy life"، ثم بيعها لذات التاجر أو الشركة أو لأخرى؛ ليحصلوا على سيولةٍ نقديةٍ فيكون سعر البيع النقدي أقل من الحقيقي.

وعزا خلال حديثه لـ"ألترا فلسطين" انتشار الظاهرة إلى ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت 43.2% في قطاع غزة، مقابل 19.6% في الضفة الغربية، إضافة لارتفاع معدلات الفقر لتصل إلى 65% بقطاع غزة، وانخفاض السيولة النقدية التي أضعفت الحركة الشرائية.

وتسبب التكييش في زيادة أعداد الشيكات المرجعة؛ نظرًا لعدم قدرة أصحابها على التسديد بسبب الديون المتراكمة والخسائر في بيع البضائع، فخلال شهر شباط/فبراير 2017 وحده، أرجعت المصارف 61 ألف شيك في فلسطين، ومنذ شهر كانون الثاني/يناير حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2016، أُرجعت مبالغ مالية بقيمة 750 مليون دولار.

"عدم تمكننا من إحصاء نسبة تفشي الظاهرة رقميًا لا يعني عدم وجودها"، هذا ما أكده المحاضر في كلية الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية نائل موسى، مضيفًا، "هذه الظاهرة منتشرة بكثرة في الضفة الغربية في أسواق المواشي والعقارات تحديدًا، وهذا كان واضحًا من خلال ارتفاع أسعار المواشي وانخفاضها في السوق السوداء بسبب شراء الشيكات وتقديم سعر مرتفع".

وحذّر موسى خلال حديثه لـ"ألترا فلسطين" من كارثة إذا استمر ما يصفه بـ"وضع الفقاعة" على حاله، مبينًا، أن الظاهرة أوجدت أزمة كبيرة في سوق العقار، وذلك نتيجة لتوجه الحكومة في الضفة الغربية لزيادة القروض لاستهلاك الشقق والسيارات.

أوجد "التكييش" أزمة كبيرةً في أسواق العقارات والمواشي والسيارات، وزاد من أعداد الشيكات المرجعة

ويعتمد اقتصاد الضفة الغربية الضعيف أصلاً على البعد الشخصي في البيع والشراء والتسهيلات الائتمانية، كما يوضح موسى، الذي أكد أيضًا أن وجود ظاهرة التكييش والشيكات المرتجعة أثر بشكلٍ كبيرٍ على ثقة المتعاملين في الأسواق من حيث الدفع وسبب خسائر فادحة، كما أضعف من قدرة الاقتصاد على النمو والنهوض والاستمرارية، حسب قوله.

اقرأ/ي أيضًا: "سيارات تأجير" غير صالحة للسير على الطرقات

وأظهرت إحصائية أصدرتها سلطة النقد الفلسطينية، أن عدد الشيكات المرجعة بلغ 421,333 شيكًا، بقيمة 513.5 مليون دولار خلال عام 2015، في حين بلغ عددها 351,369 شيكًا، بقيمة 496 مليون دولار، خلال عام 2014.

ويرى الخبير الاقتصادي نهاد نشوان، أن تنامي ظاهرة التكييش في قطاع غزة جاء نتيجةً لتباطؤ عمل سلطة النقد فيه منذ بداية الانقسام الفلسطيني عام 2007، مضيفًا، "التسهيلات التي تقدمها سلطة النقد لقطاع غزة أقل بكثير من المُقدمة في المحافظات الفلسطينية الأخرى".

وخلال عام 2016، حصلت محافظة رام الله والبيرة من المصارف المحلية على أكثر من ثلاثة مليارات دولار كتسهيلات، مقابل تسهيلاتٍ بلغت 911.9 مليون دولار تم تقديمها لقطاع غزة الذي يتجاوز عدد سكانه مليوني نسمة.

ويقول نشوان لـ"ألترا فلسطين": "ساهم توقف المؤسسات والبنوك عن تقديم التسهيلات للمشاريع الصغيرة في تضخيم المشكلة، حيث أصبحت المؤسسات تفرض شروطًا صعبة كضرورة وجود كفلاء يعملون لدى السلطة الفلسطينية، وهذا الأمر غير متوفر بكثرة في غزة، لأن غالبيتهم لديهم التزامات مالية منها مرورهم بتسويات بنكية كالقروض".

وأصبح التعامل بأسلوب التكييش يُكلف مبالغ طائلة، وفق نشوان، إذ تصل نسبة فوائد التأخير على الشيكات فيها إلى 10% شهريًا من قيمة المبلغ المُراد تكييشه، يعني ما نسبته 120% سنويًا فوائد، مقابل فجوة كبيرة عن فوائد البنوك المحلية التي تتراوح من 5-7% سنويًا.

ويؤكد نشوان، أن هذه الوسيلة لم تُجابَه من المؤسسات المعنية بالأمر، وهي حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد الوطني، وسلطة النقد، مبينًا، أنها ساهمت في إرهاق الجهاز القضائي في قطاع غزة؛ نظرًا لوجود آلاف الشكاوى في هذا السياق.

واتخذت سلطة النقد مجموعة من الإجراءات للحدّ من الشيكات المرجعة، منها التشدد في التعامل بإيجابية مع طلبات تسوية تصنيف العملاء المصنفين على نظام الشيكات بدرجات تصنيف طويلة الأمد.

وإضافة لذلك، أوقفت سلطة النقد العمل بإقرارات العملاء الخطيّة لأغراض إجراء تسوية رضائية، واستبدلتها بتصريحٍ مشفوعٍ بالقسم صادرٍ عن الجهات القانونية، كما أطلقت نظام الاستعلام الائتماني الموحد للقطاع الخاص.

ويبين المحامي علاء السكافي من مركز الميزان لحقوق الإنسان، أنه لا يوجد في قطاع غزة قانونٌ ناظمٌ لمحلات الصرافة التي تصرف الشيكات المؤجلة بقيمةٍ منخفضةٍ عن قيمتها الواردة في الشيك تحت بند تبديل عملات.

يرى خبراء أن حل "التكييش" في الأسواق الفلسطينية يستلزم إنشاء محكمة اقتصادية وتنفيذٍ اقتصاديٍ سريعٍ يُحاسَبُ فيه المسيء ويكون الحق فيه عام

ولا يعدو الأمر عن كونه عُرف العمل بين التجار وأصحاب محلات الصرافة، الذي يستوجب أن يكون صاحب الشيك محل ثقةٍ بين التاجر ومحل الصرافة.

وللحدّ من الظاهرة طالب المحاضر موسى بإقامة محكمةٍ اقتصاديةٍ في الضفة الغربية، وتنفيذٍ اقتصاديٍ سريعٍ يُحاسَبُ فيه المسيء ويكون الحق فيه عام، مبينًا، أن الكثير من الناس لا يذهبون إلى القضاء لتسوية مشاكل "التكييش"؛ لأنهم يعتبرون قراراته ضعيفة، فيفضلون التوجه للوجهاء.

فيما أكد الخبير نشوان على ضرورة أن تكون وزارة النقل والمواصلات في غزة طرفًا أساسيًا في عقود البيع والشراء للسيارات المستوردة، أو التي يتم التنازل عنها، ودعا المؤسسات لتقديم التسهيلات في قطاع غزة.


 

اقرأ/ي أيضًا: 

في غزة.. آباء يدفعون أطفالهم للسرقة

تقرير "أمان" عن القضاء والفساد وأشياء أخرى!

بين رام الله وغزة لعنة عاشق!