الحركة الأسيرة.. صراع الإنشائي والتكوين: كيف نتصدّى؟ وما هو الدور المطلوب؟
17 أبريل 2025
إن البعد الاستشراقي كما قدّمهُ وحددهُ المفكِر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد، يتمثّل في أحد معانيه في البعد الإنشائي، أي بمعنى إنشاء الآخر وتشكيله وتكوينه وفقَ تصوّرٍ مسبق يجردُه من حقيقته وبعده الإنساني وجوهره، حتّى يصبح الإنشاء هو الحقيقة البديلة. ولقد اعتمدت القوى الاستعمارية هذا النمط من عملية الإنشاء للمستعمر؛ لأنّهُ يحمل صفات ومكوّنات محددّة مثل الدونية والكذب والتخلّف والغدر، وكلّ صِفة تناقض الصفات الإنسانية التي تُعدّ جوهر الإنسان.
إنّها صفات تُنْتَزَع منه، ويتمّ في المقابل تقديم الصورة النمطية المنشأة الجديدة للترويج إليها، ممّا يبرر لهم ارتكاب الجريمة بحق المُستعمَر، دون أن يشعر بأي تأنيب ضمير أو حرج نهائيًا، سواء هو أو مجتمعه، ويحاول بذات الوقت إبراز البعد الذاتي لهذه النظرة لدى المُستعمر. وهذه الصورة، وهذا النمط من النشاط الاستعماري، يقعان في لبّ سياق وممارسات الاستعمار الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بشكلٍ عامّ. وهذا ما ينسحب أيضًا على الأسرى الموجودين في المعتقلات الصهيونية.
هناك أهمية لاعتبار يوم الأسير محطة تقييمية تتعلّق بأدائنا لشكل تناولنا لقضية الأسرى وتعاملنا معها وسياقاتنا النضالية لأجلها، بما يخدم تطوير أدائنا، ويضمن الارتقاء به إلى مستوى التحدي
المعتقل الأمني: من المُخرب إلى الإرهابي وبالعكس
إن وجود الأسرى داخل المعتقل وحالة الصراع هذه تستوجب من المنظومة الاستعمارية الصهيونية، أنْ تحدّد توصيفًا وتعريفًا للأسرى الذين يرون في أنفسهم مقاتلين من أجل الحريّة وتعتبرهم المنظومة الاستعمارية معادين. وبهذا المعنى يجب إنشاء توصيف لهذا العدو يبرر قمعه للأسير، وتجريده من حقوقه واحتجازه ومحاكمتهُ محاكمةً صوريّة. وهنا تبلورت عملية إنشاء مفهوم المُخرب. هذا المفهوم الذي أُنتج على يد المنظومة لتوصيف المقاتل الفلسطيني الأسير تحديدًا، يحمل هذا الوصف معانٍ في مقدمتها، أنّه مرتزق وباحث عن المال، أو يقوم بفعلهِ النضالي، ويتعرض للاعتقال لهذه الدوافع فقط لا غير، ذلك أنّه يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية ونفسية وتاليًا فهو مُتخلف، بل "همجيّ".
هذه الصفات وغيرها يحتويها مفهوم "المُخرب" التي رَسختها المنظومة الاستعمارية الصهيونية، وعملت على أساسها، واعتبرت أن التعامل مع المخربين يتمّ بناءً على تعريفه الذي يضمن عدم وجود أي حقوق لهم وعدم انطباق المعايير الإنسانية عليهم، وهذا ما يعني أن كلّ عملية قمع والتنكيل لا تلفت نظر أحد داخل هذا المجتمع الصهيوني، ولا تجابه رفضًا، أو تطرح تساؤلًا.
تأتي تسمية "المخرّب" على الأسير الفلسطيني استجابةً لفكرة المشروع الصهيوني الذي لا يكتفي بتوصيف "إرهابي" في آليات تعامله مع المعتقل الفلسطيني. انطلاقًا من هذه الفكرة، كان يجب افتعال توصيف "إرهابي"، أمام التعامل الدولي ووسائل الإعلام، كما أمام الرأي العامّ. ومن المنطلق نفسه، كان يجب تشريع استعمال توصيف "المُخرّب".
الأسرى الفلسطينيون.. أسرى حرية
إنّ المشروع الوطني الفلسطيني التحرري وما يطرحه من سرديّة وطنية فلسطينية تواجه ما يُقدم من قبل المشروع الاستعماري الذي يتضمّن أيضًا توصيفًا للأسير الفلسطيني، بأنهُ أسير حرية اعتقلَ وهو يمارس حقهُ وواجبهُ الوطني في مناهضة المشروع الاستعماري لأرضه، وتاليًا يعرّف على أنّه معتقل سياسي وأسيرُ حرية. وهذا يحمل المعنى الحقيقي للأسير الفلسطيني الذي يُعبر عن قيم أيضًا ترتبط بالحرية والعدالة والدفاع عن قيمهِ الإنسانية وعن روايته؛ وبالتالي هو مُدافعٌ عن قيمهِ الإنسانية وجوهره الإنساني وحقه في الحياة. وهذا ما يتناقض مع مشروع الإنشاء الذي يقدمهُ "كمُخرب" أو "أسير أمني".
إن هذه المواجهة ما بين المشروعين ترتبط أساسًا بالمشروعية، وهذا ما يجعل عنصر الوعي عنصرًا مركزيًا في سياق المواجهة، إذ يُشْتَبَك في إطار هذا الحيّز على صعيد الوعيّ الوطني وما قد يلحق بهِ من دعاية مقابلة تحاولُ إحداث شرخٍ في صورة الأسير مستغلة بعض الأخطاء، بل وتعميمها فضلًا عن بعض السلوكيات السلبية، إضافة إلى استخدام الإشاعة والإمكانيات الإعلامية والتقنية. في مقابل ذلك، تحاول الحركة الوطنية أن تشتبك من خلال تقديم صورة الأسير وقيمه على المستوى الدولي، فيتمّ الصراعُ على صعيد الرأي العام والإعلام.
صراع ما بعد السابع من أكتوبر
إن المشهد الذي ظهر به الأسرى الفلسطينيون المحررون، وهم يعانون من هزل شديد وضُعف واضح للعيان لم يجد أي صدى له، فقد بقيت هذه المشهديّة محصورة في إطار تحرّرهم وليس بوضعهم. ومن الجهة المقابلة، رُكِّز على مشهدٍ واحد لبعض المخطوفين الذين أُطْلِق سراحهم من الجنود دفعة واحدة يعانون نقصًا في الوزن. رغم أنّ واقع الإبادة ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع منذ بداية الطوفان، عوامل تفسّر الحالة التي خرج عليها المحتجزون، التي أثارت عاصفة من الانتقادات والتعليقات أكثر مما أثار صور مئات الأسرى الذين عانوا الأمَرّين لعقود طويلة داخل المسالخ البشرية التي تسمّى سجونًا.
مثَّلَ هذا الحدث، مثّل حالة الاشتباك واقعيًا بينَ النظرة الفلسطينية للأسير والإنشاء الصهيوني له، وعبّر عن مدى الضعف فيما يتعلق بتقديم قضية الأسرى ببعدها الإنساني إلى جانب الدور الذي نقوم به ومدى اهتمامنا بهذا المنحى. فلا يكفي الإشارة إلى إشكالية المجتمع الغربي ونظرتهُ النمطيّة، لكن يجب تناول دورنا بالتقييم والنقد. فهذا الاشتباك حيويّ متحرّك يحتاج إلى إبداع.
فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أصبح توصيف الأسرى كمخرّبين تشريعًا صارخًا لتصفيتهم، لا فقط أداة لقمعهم.
ما المطلوب راهنًا؟
إنّ تشخيص هذا الواقع الإنشائي ووعيه يستدعي التعامل معه وفقَ خطورته ومستوى تنظيمه وتأثيره. بهذا المعنى، يستوجب أن تكون المواجهة بالضرورة بذات المستوى من ناحية تنظيمها وفعاليتها وقدراتها الإبداعية وإمكاناتها، وأن تكون بعيدةً عن العمل العشوائي والتقليد النمطي. وهكذا فإنّني في هذا الإطار أرى أن هناك أهمية لاعتبار يوم الأسير محطة تقييمية تتعلّق بأدائنا لشكل تناولنا لقضية الأسرى وتعاملنا معها وسياقاتنا النضالية لأجلها، بما يخدم تطوير أدائنا، ويضمن الارتقاء به إلى مستوى التحدي بالأخص بهذا الجانب المتعلق بالوعي. نحن في حاجة إلى التصدّي، وإلى التعامل مع عدّة مهام، أبرزها:
- أولًا: العمل على المستوى الدولي باعتباره ساحة اشتباك مهمّة ضدّ المشروع الصهيوني، فهذا المستوى يمنح مساحة واسعة وهامة، خاصّة فيما يتعلّق بالجانب الإعلامي والرأي العام الشعبي. يتطلب ذلك منّا قدرة عالية على الربط بين مختلف القوى والمؤسسات والشخصيات والحراكات الجماهيرية الفاعلة على المستوى الدولي لتشكيل وبناء ائتلاف دولي يتعلق بقضية الأسرى تقديمها، وتسليط الضوء على تجربة الأسير الفلسطيني أسير الحرية والعمل على هدم ما أنشأ وتشكل من صورةٍ مسبقة تتعلق بالأسير الفلسطيني.
- ثانيًا: الاهتمام على المستوى الوطني بالرواية الوطنية والثقافة الوطنية، والتي ينخرط فيها تمامًا الأسير، بما يجسده من معانٍ وقيم وبما يشكلهُ على مستوى الوطن، وهذا يتطلب إعادة تفعيل الأُطر والمؤسسات العاملة والفاعلة بقضية الأسرى باتجاه صياغة جهة وطنية موحّدة تعمل على تقديم تجربة الحركة الأسيرة وواقع الأسرى ومحاربة المفاهيم والصور التي تحاول المنظومة الاستعمارية بثّها، وفي مقدمتها محاولة تقديم الأسير كعبء. وهذه، أي قضية الأسرى، قضيّة وطنية وبالضرورة أن تتّسم بالجماعية على المستوى الوطني.
- ثالثًا: يستدعي الفعل الإعلامي على الصعيد الوطني تجنيد الإعلام بِشقيّه التقليدي والاجتماعي للعمل من أجل قضية الأسرى. يمكن صياغة شكل يمثّل إقامة شبكة إعلامية كتنسيقية لتوحيد الجهد وتنظيمه بين الإعلاميين، وجعل قضية الأسرى مهمةً وطنيةً أكثر منها مجرد سبقٌ صحفي.
- رابعًا: إبراز البعد التثقيفي؛ لأنّ ذلك يعكس دور الأسير الفلسطيني بالمشهد الثقافي الفلسطيني. ويستوجب ذلك توحيد الجهات المختلفة من اتحاد الكتّاب ووزارة الثقافة والمؤسسات ذات الصلة بالعمل على وضع خطط لهذا الغرض وتوحيد الجهد لإنجاز المهام.
نقاط برنامجية مقترحة
هناك العديد من الأفكار والمهام التي يمكن طرحها في هذا الجانب، ومنها:
- أولًا، مشروع الذاكرة المرئية والمحكيّة: يتعلّق هذا المشروع بتجربة الأسرى وما عانوه داخل المعتقل بالأخص بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ويتطلب جمع الشهادات وتسجيلها صوتًا وصورة، وجمع صور الأسرى ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر وما بعدّ تحريرهم، واستخدام هذه المواد كمكونات لمشروع الذاكرة وإنشاء معرض دولي يمكن أن يطلق عليه معرض أسرى الحرية الجوّال، ويضم أيضًا مكتبة خاصة لإنتاجات الأسرى، ويتحرك المعرض ليقام في دولٍ مختلفة، ويمكن لهذا الغرض الإفادة من القدرات والطاقات الفلسطينية الشبابية المبدعة.
- ثانيًا، تفعيل برنامج وطني في المدارس والجامعات يتعلق بتجربة الحركة الأسيرة وبإصدارات الأسرى ودورهم في المشهد الثقافي الفلسطيني، وهذا ما يستدعي تعاونًا جادًّا من قبل المؤسسات التعليمية والثقافية بإطار النشاط التي تقومُ بهِ هذه المؤسسات.
- ثالثًا: العمل على إنتاج برامج وثائقية مترجمة إلى عدة لغات تتعلّق بالأسرى. هناك جوانب مختلفة يمكن التركيز عليها مثل الجانب الإنساني الذي يعكس بُعد نضال الشعب الفلسطيني للدفاع عن حقهِ في الحياة.
إن هذه أفكارٌ أوّلية، لكنّها يجبُ أن تنتظم في إطار برنامجٍ، وتطبق من خلال أداةٍ فاعلة تستند إلى رؤية، وهذا ليس طموحًا غير واقعيّ، إذ ما توفّرت الإرادة والوعي اللازم. يمكننا أن نُحدثَ فرقًا متسلحين بالوعيّ والإبداع، ومشتبكين بحيز الوعيّ فالصراعِ على العقول والحكاية. هذا ما نحتاجهُ اليوم وما نحتاج إلى أن نقوله في يوم الأسير ليكن يومًا من أجل التقييمِ والتغيير.
الكلمات المفتاحية

حرية التعبير عند السلطة الفلسطينية: انهيار الحدود
تريد السلطة الآن تحديث قائمة الكلام المعاقب عليه بما يشمل رؤساء وملوك الدول العربية وأمرائها والمسؤولين السياسيين والأمنيين فيها. وقد تستخدم القانون لمعاقبة الفلسطينيين الغاضبين على الزعماء بسبب موقفهم من غزة

يومٌ من داخل الإبادة في غزة
هُنا، يتمسّك الناس بحبال الأمل. يتابعون الأخبار، يقلّبون بينها سريعًا، سئموا التكرار: مفاوضات لا تنتهي، تنديدات فقدت إنسانيتها، مواقف خجولة. يتنقلون بين المواقع وكأنهم ينقّبون عن فرح وسط كومة أحزان

مستقبل الدروز في سوريا كما تصوّره مؤسسو إسرائيل: قراءة في الأرشيفات السرية
إسرائيل سعت، منذ مراحل مبكرة، إلى استثمار ما تصفه بـ"الخصوصية الطائفية للدروز" لغايات تتعلق بتقويض الأنظمة المجاورة، وخلق كيانات حليفة على تخوم حدودها

مقتل الشاب رامي الزهران برصاص الأمن الفلسطيني في مخيم الفارعة
قتل عناصر الأمن الفلسطيني الشاب رامي الزهران، صباح اليوم الثلاثاء، بعد إطلاق النار على مركبته في مخيم الفارعة

الاحتلال يلاحق الصحفي حسن اصليح ويقتله على سرير العلاج في مستشفىً بخانيونس
استُشهد الصحفي حسن اصليح فجر الثلاثاء داخل مستشفى ناصر الطبي بخان يونس، بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة إسرائيلية أثناء تلقيه العلاج من إصابة سابقة

تقارير: خيبة أمل إسرائيلية بشأن خطة ترامب للتهجير وغضب تجاه نتنياهو بعد الإفراج عن ألكسندر
قالت القناة 12 الإسرائيلية إن "هناك حالة من خيبة الأمل في إسرائيل بشأن التقدم المحرز في تنفيذ خطة ترامب للتهجير في قطاع غزة".

خطة تسوية الأراضي بالضفة الغربية: شرعنة للضمّ وتجريد للفلسطينيين من أراضيهم
قالت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان لـ"الترا فلسطين" إن قرار "الكابينيت" بشأن تسوية الأراضي في الضفة الغربية يستهدف "ما تفعله السلطة الفلسطينية من تنظيم وتسوية وتسجيل للأراضي بالضفة".