07-مارس-2018

صورة أرشيفية لمظاهرة معلمين في رام الله - تصوير عصام ريماوي (Getty)

ألقى قرار وزارة التربية والتعليم بإحالة عشرات المعلمين للتقاعد الإجباري بظلاله على الحالة الفلسطينية المثقلة أصلًا بالأزمات الداخلية. ففي الوقت الذي اعتبر فيه معلمون طالهم قرار التقاعد الإلزامي أنّ الأمر دُبّر بليل انتقامًا منهم بسبب دورهم في الحراك الذي خاضوه ضد الحكومة عام 2016؛ بررت وزارة التربية هذا الإجراء بأنّه جاء بعد طلبات قدّمها المعلمون، أو على خلفية "تقارير اللجان الفنيّة بناءً على أداء المعلمين".

وأعلنت وزارة التربية والتعليم أنها تلقت 2700 طلبًا للتقاعد المبكّر في الضفة الغربية، وقررت إثر ذلك إحالة 374 موظفًا للتقاعد، بينهم معلمون وإداريون، مبيّنة أن 225 موظفًا أحيلوا للتقاعد بناءً على مبررات صحية واجتماعية، فيما أحيل الـ120 الآخرين بتنسيب من الوزارة لـ "أسباب فنية".

وزارة التربية تحيل 120 معلمًا للتقاعد "لأسباب فنية" لم توضحها، ومن بين هؤلاء معلمون حديثون في المهنة شاركوا في إضراب المعلمين المطلبيّ عام 2016 

وكيل وزارة التربية والتعليم بصري صالح، قال في لقاء مع الصحافيين، إن معايير التقاعد القسري تقاطعت مع أربعة معلمين شاركوا في "حراك المعلمين"، مشددًا على أنّ المشاركة في الحراك لم تكن من الأسباب الموجبة للتقاعد، وإلا لتم إحالة باقي الناشطين وعددهم 18 من مختلف محافظات الضفة.

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | المُعلمة رجاء.. بأي ذنب فُصلت؟

أقوال صالح تخالفها المعلومات المتداولة على موقع فيسبوك، إذ تم التأكد حتى اللحظة من إحالة أكثر من العدد المذكور إلى التقاعد، من بينهم المعلم صامد صنوبر أحد أبرز الناطقين باسم الحراك في حينه، الذي أوضح في فيديو نشره على حسابه الشخصي  (شاهد) أنّ إحالته للتقاعد تمت بعد 7 سنوات فقط من دخوله سلك التعليم، ما يشكّل مخالفة واضحة للقانون، وفق قوله.

الأستاذ أمين خليل الصوص من بلدة دورا جنوب الخليل، كان واحدًا من بين المعلمين الذين قالت لهم الوزارة كفوا أيدكم وابقوا في منازلكم، يوضح لـ"الترا فلسطين" أنه علم بالقرار عبر اتصال هاتفي تلقاه من مدير مدرسة طه الرجعي التي يعمل فيها معلمًا لمادة الرياضيات، بعد انتهاء الدوام المدرسي قبل أيام.

يقول: "كان قرارًا مفاجئًا، خاصة أنّي التحقت بمهنة التعليم قبل 16 عامًا فقط (..) فور  إبلاغي بالقرار أيقنت أن الأمر جاء انتقامًا من المعلمين الذين شاركوا في الحراك الذي خضناه عام 2016، والذي طالبنا فيه بحقوقنا المشروعة".

معلمون أُحيلوا إلى التقاعد تقول الوزارة إنهم قصروا في أدائهم، كان تقديرهم لسنوات جيد جدًا

وأشار الصوص إلى أن منزله وسيارته تعرضا خلال "الحراك" لعمليتي إطلاق نار سجلت ضد مجهولين، مضيفًا، "بدل كشف الجناة كما تعهد محافظ الخليل حينها، يتم اليوم تسليمي قرار التقاعد".

اقرأ/ي أيضًا: معلمو المدارس الخاصة: أداة في ماكينة استثمارية

وأكد الصوص أنه لم يتقدم بطلب تقاعد مبكّر كما تدّعي وزارة التربية، متحديًا الوزارة بإبراز الطلب. أمّا عن احتمالية أن يكون القرار بحقّه بسبب "سوء أدائه"، فقال: "تقديري من قبل المرشدين التربويين كان على مدار 5 سنوات جيّد جدًا، وفي المدرسة كنت مسؤول التعليم الجامع الخاص بدمج الطلاب ذوي الإعاقة، ومسؤول النشاط الحر، وهو برنامج ترفيهي رياضي وفنّي لطلاب المدرسة بعد انتهاء الدوام الرسمي".

وتساءل، "أمام كل هذه الجهود وهذا التقييم، كيف أوصف من قبل التربية بأن قرار إحالتي للتقاعد كان بسبب ضعف في الأداء والمستوى؟"، مشددًا على أن إحالته للتقاعد قرار عقابيّ وتعسفيّ وفيه قطع للأرزاق، "فالوزارة لا تريد أي أناس تعارض مواقف الحكومة وتطالب بحقوقها".

أقوال الصوص عن الإجراء الانتقامي يؤكدها أيضًا الأستاذ ناصر حميدان، معلم التربية الإسلامية في مدرسة صلاح الدين في حلحول شمال الخليل، الذي نفى لـ"الترا فلسطين" أن يكون قد تقدم بطلب للتقاعد، وقال: "كيف أتقدم بطلب تقاعد مبكر وعليّ التزامات مالية وشيكات شهرية، أبنائي طلاب في الجامعة، إذا كان الراتب الأساسي لا يكفيني أصلاً، فكيف أقبل بنص راتب؟".

ويكمل حميدان، "منذ 21 عامًا وأنا أعمل بكل جد وإخلاص، تقارير التقييم لأدائي لم تنقص طوال السنوات العشر الماضية عن 80%، لم تسجل ضدي أي مخالفة ولم يوجّه لي أي إنذار وليس عندي أي سوابق لا أمنية ولا أخلاقية، وفي نهاية الأمر نُكافأ بهذا الشكل".

ويشير إلى أن ما حدث للمعلمين الذين أحيلوا للتقاعد قسرًا يخالف شعار "عفا الله عما سلف"، الذي أطلقه الرئيس محمود عباس ووعد به عام 2016، في أعقاب انتهاء الحراك واستجابة الحكومة لمطالب المعلمين.

واتهم حميدان اتحاد المعلمين بالمشاركة في هذه الإجراءات وعلمه المسبق بهذه الخطوة، مضيفًا أن أعداد المعاقبين لا تزال غير معروفة حتى هذه اللحظة، ولكن المؤكد أنه تم إحالة 17 معلمًا للتقاعد الإجباري كدفعة أولى.

اتحاد المعلمين انحاز لوزارة التربية في هذا الجدال، ورفض الناطق باسمه سعادة اشتيه اتهام المعلمين للوزارة بالانتقام منهم، مؤكدًا لـ"الترا فلسطين" أن المعلمين هم من تقدموا بطلبات تقاعد مبكر استجابة لدعوة أطلقتها وزارة التربية قبل شهرين.

اتحاد المعلمين يتبنى رواية الوزارة حول التقاعد القسري، ويقول: اتهامات المعلمين كلام فارغ

وتبنى اشتيه تعليل الوزارة بأن أسباب الإحالة للتقاعد مرتبط بعضها بأمور فنية وإدارية لها علاقة بأداء المعلمين ومستواهم، مضيفًا أن الوزارة تحاول الارتقاء بمستوى العملية التعليمة وتوظيف جزء من جيش الخريجين الجدد.

وتابع، "الإحالة للتقاعد ليست مرتبطة بالحراك الذي خاضه المعلمون عام 2016، هذا كلام فارع، لو أرادت الوزارة ومن خلفها الحكومة فعل ذلك للجأت لقانون وزارة التربية الذي يمنحها الحق بفصل كل من يخرج عن اللياقة التعليمية (...) لا يوجد ما يمنعها من اتخاذ أي إجراء ضد من يعرقل العملية التعليمة".

ووفق اشتيه، فإن اتحاد المعلمين لم تصله أي شكوى أو تظلم من أي معلم جرى تحويله للتقاعد، "وهو ما يثبت أن الأمر تم عن طيب خاطرهم وبموافقتهم" حسب قوله.

وكان آلاف المعلمين شاركوا في حراك احتجاجي خارج إطار اتحاد المعلمين في عام 2016، طالبوا خلاله بحقوق إدارية ومالية، وقد أدى ذلك لإضراب مفتوح استمر لأكثر من شهر، قبل أن ينتهي الأمر بالاستجابة لأغلب مطالب المعلمين، وإحداث تغييرات في الاتحاد.


اقرأ/ي أيضًا:

معلمات رياض الأطفال.. دوام طوال العام والراتب فتات

فيديو | التعليم أم الصنعة؟

خريجو صحافة للعتالة والعمل بتراب المصاري