31-مايو-2018

هل جربتم القفز على قدم واحدة لمسافة تزيد عن أربع مترات؟ ربما فعلتم ذلك مرارًا لكنكم لا تذكرون، تعرفون لماذا؟، لأنكم كنتم أطفالاً وقتها. دعونا نعترف بداية، أن الإناث هن الفئة الأكثر التي احترفت القفز. والقفز ليس مقصودًا به ممارسة تمرين رياضي أعزائي الذكور، وإنما اللعبة التراثية المسماة "الحَجْلَة"، التي تلاشت من غالبية الدول العربية باستثناء فلسطين، وقطاع غزة على وجه الخصوص.

تقفَّى أطفال المخيمات والحارات النائية أثر الحجلة عن آبائهم وأمهاتهم، ولا يزالون يتوارثونها حتى يومنا هذا، وقد يبدو ذلك شيئًا مستغربًا في ظل وجود تطبيقات الهواتف الذكية والـ"Gemes".

تقفَّى أطفال المخيمات والحارات النائية في غزة أثر الحجلة عن آبائهم وأمهاتهم، ولا يزالون يتوارثونها حتى يومنا هذا

في ذاك الزقاق المؤدي إلى بيت الطفلة سارة خليل الواقع في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، تظهر خارطة من مربعات على الأرضية الخرسانية، تبدو للوهلة الأولى كأنها محاولة من إحدى الطلبات لمراجعة حصة عن الأشكال الهندسية.

شاهد/ي أيضًا: فيديو | ألعاب أيام زمان في مخيم الشاطئ

أطفال المخيم، ومنهم سارة، أكثر قدرة على تفسير هذه الخارطة من أبناء الأحياء الفارهة في غزة، إذ يشير هؤلاء إلى أنهم يمارسون هذه اللعبة الشعبية كطقس يومي، بعد الانتهاء من عناء الواجب المدرسي. تقوم طريقة اللعب على اختيار اللاعبين مساحة من الأرض في حدود (3-4 مترات) مربعة، ويكون شكل هذه المساحة من الأرض على هيئة مستطيل مقسم إلى مربعات أو مستطيلات.

[[{"fid":"72183","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

ويبدأ اللعب بأن يمسك كل طفل - بالتناوب - قطعة حجرية صغيرة، ثم يضعها على الأرض في أول مربع من مربعات المستطيل، ويدفع القطعة بإحدى قدميه إلى الأمام، بينما تكون القدم الثانية مرفوعة عن الأرض، بحيث لا تلامسها أبدًا، ويحاول أن يجعل القطعة تستقر في المربع التالي، ثم الذي يليه، وهكذا بحيث يجتاز المنعطف، فإذا توقف على الخط الذي يفصل بن المربع والذي يليه، أو لامست قدمه المرفوعة الأرض، أو داس قدمه التي تستخدمها في دفع القطعة على ذلك الخط الفاصل يكون قد خسر اللعبة، ويحق لزميله أن يحل مكانه .

الطفلة سارة صاحبة الشعر الأشقر، قالت إنها تزاول والأطفال الآخرين هذه اللعبة بعد انقشاع الأمطار وصفاء الأجواء، حيث لا يمكن مزاولتها أثناء هطول الأمطار، مشيرة إلى أنها شغوفة بممارسة لعبة الحجلة التي تعلمتها من إحدى صديقاتها التي تكبرها بعامين، خلال الإجازة الصيفية.

[[{"fid":"72184","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

ويختلف اسم هذه اللعبة الشعبية من بلد عربي إلى آخر، إذ تسمى في فلسطين وبلاد الشام عمومًا ومصر أيضًا "الحجلة"، أما في المغرب فيطلق عليها "كاري سيس"، بينما في العراق "توكي"، وفي الكويت "الحيلة"، وفي السعودية "أم الخطوط" أو "البربر".

وفي ظل انتشار الأجهزة الذكية وتطبيقاتها وكذلك الدمى والألعاب الإلكترونية، تراجع اهتمام الأطفال بهذه اللعبة، غير أنه يصعب في قطاع غزة الذي يعاني من سوء في الأوضاع الاقتصادية أن يوفر أولياء الأمور لأطفالهم ألعابًا إلكترونية أو "آي باد" لممارسة التسلية.

وبعد أن تنحى الطفل محمد سليم القاطن في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، عن ممارسة الحجلة لصالح طفلة أخرى عقب إخفاقه في مواصلة دوره في اللعب، قال إنه توّاق إلى امتلاك جهاز لوحي، لكن والده لا تسعفه أحواله المادية على توفيره بفعل تعطله عن العمل.

[[{"fid":"72185","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

وأوضح الطفل سليم (10 سنوات) أن امتلاكه للجهاز الذكي لن يحول دون مواصلة لعب الحجلة، التي أصبح ضالعًا في ممارستها؛ رغم أنه يواجه نقدًا من أصدقائه بدعوى أنها لعبة خاصة بالفتيات، وأضاف باسمًا: "أمي قالت إنها كانت تلعب الحجلة وهي صغيرة، علشان هيك أنا بحب ألعبها".

ويرى أستاذ علم النفس إسماعيل أبو ركاب في هذه اللعبة التراثية وسيلة لتفريغ الطاقة الحركية عند الأطفال، ومحفزة على النشاط والحيوية، لافتًا إلى أهمية أن تحافظ الأسر على تعليم أطفالها الألعاب الشعبية في غمرة إدمان الأطفال على الألعاب الذكية التي قد تؤثر سلبًا على التفكير الإبداعي لديهم.

أستاذ علم نفس: الحجلة وبقية الألعاب القديمة تحفز الأطفال على المشاركة والفاعلية خلافًا للألعاب الإلكترونية

وذكر أبو ركاب، أن الدراسات أثبتت تأثير الألعاب الإلكترونية على سلوك الطفل، بحيث تدفعه للأنانية وحب الذات وزيادة السلوك العدواني، بعكس الألعاب الشعبية التي تحفز الطفل على المشاركة والفاعلية مع أقرانه، مؤكدًا أنه يتلقى استفسارات متعددة من الأمهات للاسترشاد بالطرق السليمة لتخليص الأطفال من إدمان الأجهزة الذكية التي تشغلهم لساعات طويلة.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي ألعاب الفلسطينيين قبل النكبة؟ 

بيد أن المؤرخ الفلسطيني زكريا السنوار، اعتبر أنه من الضروري الحفاظ على "الحجلة"  كموروث تاريخي يتعلق بالألعاب الشعبية، مبينًا أن مواصلة هذه اللعبة من الأساليب التربوية للحفاظ على الهوية التراثية الفلسطينية في مواجهة التهويد الإسرائيلي لمجمل تفاصيل الحياة، بما في ذلك التراث.

[[{"fid":"72186","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"4":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":570,"class":"media-element file-default","data-delta":"4"}}]]

وأشار السنوار الذي ينحدر من عائلة لاجئة في مخيم خانيونس، إلى أن الحجلة تعتبر من أكثر الألعاب الشعبية التي نمى عليها اللاجئون في المخيمات الفلسطينية، حيث كانت إحدى أهم وسائل الترفيه عن النفس في ظل الوجود في واقع بائس.

وتبين أن الحجلة تستخدم في المدرسة الكورية الفلسطينية في الخليل، كإحدى طرق التدريس في جميع المواد، حيث تحفز الأطفال على الذكاء وسرعة الحركة والبديهة.

وتعتمد الحجلة التعليمية التي أعدتها المدرسة شذى طنينة، على التنقل بالكرة بدلاً عن القطعة الحجرية، وترقيم المستطيلات وصولاً إلى نتائج حسابية بدلاً عن الطرق التقليدية، وسط تصفيق طلبة الفصل وتشجيعهم، علمًا أن هذه الطريقة في التعليم لم يسبق وأن جربت في مدارس قطاع غزة.


اقرأ/ي أيضًا:

"البنانير" لعبة طفولة لا تُنسى

غزيون يخوضون برمجة الألعاب.. هل تُطعم خبزًا؟

صور | خالد زياد "كومكس" في غزة