23-أبريل-2017

"كنا مكيفين عليها ولحد الآن مكيفين على حكياتها. استغربنا لما شفناها أول ما أجت عالبلد يعني كلنا فلسطينيين ببعض وهي كانت غريبة. كانت تلبس ألوان زاهية كتير ولبس مزركش حتى تفاصيل الفساتين اللي بتلبسها بتكون مميزة. احنا حارتنا تعودنا عليها بس الحارة الفوقة لسة بستغربوا لما يسمعوا لهجتها ويعرفوا انها المصرية". تقول جنان خالد، جارة المصرية الفلسطينية ماجدة مصطفى "أم طارق".

في محطة قطار بين القاهرة والاسكندرية قبل 40 عامًا، تلاقت أقدار فتاة مصرية وشاب فلسطيني، تزوجا فيما بعد وقررا الانتقال للعيش في فلسطين

في إحدى قرى جنين، نتواجد بمنزل السيّدة ماجدة، الذي تشذو في أرجائه أغنية سعاد حسني "الحياة بقى لونها بامبي.. وأنا جمبك وانت جمبي". أجواء لطيفة تحيط بنا. وبلهجة مصرية ظريفة، أخذت أم طارق تحدّثنا عن بعض العادات التي لا تزال جزءًا منها بعد غياب سنوات طويلة عن منشئها. فكيف أثّرت وتأثرت أم طارق ببيئتها الجديدة في فلسطين؟

اقرأ/ي أيضًا: قطار غزة... هل يعود لنفث دُخانه؟

تتشابه المجتمعات العربيّة في استقبال سيّد الشهور، إلّا أن لكل مجتمع طقوسه الخاصة التي يتميز بها، وكذلك عائلة أم طارق فإن كان لديها ما يجمعها مع العادات الفلسطينية إلا أن للعائلة رمضان بنكهته الخاصة.

فيتوشح المنزل تارةً، بآيات من القرآن الكريم يتلوها قيثارة السماء، الشيخ محمد رفعت، وتواشيح الشيخ النقشبندي وابتهالاته وأدعية الشيخ متولي الشعراوي؛ لتضفي على روحانية هذا الشهر، "أنا بحب صوت الشيوخ المصريين جدًا. بسمعهم دايمًا وخاصة في رمضان"، تقول أم طارق. أجواء دينية، تتعمق روحانيتها بانبساط عبق البخور في المكان.

وتارة أخرى تدور في المنزل كلمات الأغاني الرمضانية القديمة التي ترعرعت عليها أم طارق، بأصوات وقورة للمطربين محمد عبد المطلب وأحمد عبد القادر: "إيوحا.. وحوي يا وحوي... هل هلالك والبدر أهو بان... شهر مبارك وبقاله زمان".

"فوانيس رمضان ليها أهمية كبيرة عند المصريين" تقول أم طارق؛ مشيرةً إلى افتقادها أيام صباها في مصر حيث كانت تشارك أسرتها بتعليق الفوانيس. ولا يكتمل عندها اليوم الرمضاني بدون سماعها صوت المدفع الذي تترقبه قبيل كل إفطار على الفضائية المصرية.

تتوزع المأكولات على المائدة الرمضانية، يترأسها طبق الفول الشهير، "كنا بنشتري طبق الفول من البياع اللي تحت البيت في اسكندرية. كان يفضل ينادي قبل الفطار إن خلص الفول أنا مش مسؤول". هذا بالإضافة إلى عصائر شهر الكرم التي تتوسط المائدة، أهمها "الخشاف" وهو مجموعة الفواكه المجففة كالتين والزبيب والقراصيا مع التمر والمكسرات، منقوعة في الماء أو عصير قمر الدين.

اقرأ/ي أيضًا: في أي حلم إسرائيلي ورد السيسي؟!

"اتعلمنا منها كتير عن عاداتهم في العيد ورمضان والأكل المصري زي الكشري والفطير المشلتت وهي تعلمت الأكل الفلسطيني مثل المقلوبة والمسخن، وتقاليدنا اللي هون في العزاء والأفراح. سألناها لما شفنا كيف بطبخوا الملوخية في المسلسلات المصرية وهي صارت تشرحلنا انها بتقلي التومة بتشهق وبتحكي اشي بعدين بتطش التومة"، تقول جنان خالد.

أتيحت لنا فرصة مشاهدة تحضير الطبق الأخضر. يتشابه كثيرًا مع ذلك الذي يعدّ في فلسطين، ولكنه يختلف بشيء واحد: "الشهقة".

شهقت أم طارق فردّدت وهي تضيف "تقلية الثوم" إلى قدر شوربة الملوخية: "خضرا خضرا يا ملوخيتي. اللي ياكلك ما يسلاكيش أبداً".

وتُعرّف "الشهقة"، لغة بأنّها الصوت المنبعث من حنجرة الإنسان عند الشعور بالخوف. الصيحة. الصرخة. امّا اصطلاحًا فهي سر الطعم الرائع لأكلة الملوخية، الذي حيّر المصريين. وجرت العادة أن تشهق المرأة أثناء طبخ الملوخية "عشان الملوخية متسقطش في الحلّة (القدر)".

تشرح لنا أم طارق عن أصل الشهقة التي ورثتها أمها عن جدتها وهي ورثتها بدورها عن أمها: كانت امرأة تحضر تقلية الثوم، وهي تحاول أن تضيف التقلية إلى الملوخية، اهتزت مقلاة الثوم كثيرًا فخافت المرأة وشهقت من الخوف، لكنها وأخيرًا استطاعت أن تعدل المقلاة وأن تضيف "الطشة" على الملوخية وكان طعمها لذيذًا جدًا. ومن يومها أصبحت هذه العادة في البيت المصري فتشهق النساء قبل إضافة التقلية إلى الشوربة كي يحصلن على المذاق اللذيذ الأصيل.

"كل ما بنحضر أفلام ولّا مسلسلات مصرية بنتذكر أم طارق لأنهم بحكوا زيها وأفراحهم وعاداتهم زي ما كانت تحكيلنا مثل زغرودتها وأغانيهم وألوانهم وحكياتهم"

على شاشة التلفاز تبدأ قصة الفيلم الدرامي "كان هوانا زمان" من بطولة سندريلا الشاشة العربية والعندليب الأسمر. تخبرنا أم طارق أن من عادات العائلة المفضلة هو مشاهدة الأفلام المصرية القديمة من الخمسينات حتى الثمانينات مثل "دعاء الكروان" و"تمر حنا" و"معبودة الجماهير". فأفلام "الزمن الجميل" لا تستهوي أم طارق وحدها بل انتقلت عدواها لزوجها الفلسطيني وأبنائهما.

" في رمضان، بنتفرج على فوازير نيللي وشيريهان ومسلسلات مصرية زي سرايا عابدين وليالي الحلمية. ده غير العيد بالنسبة لينا ده مخصص للمسرحيات."

اقرأ/ي أيضًا: أنا فلسطينية ولكن دمي ليس فلسطينيًا

الأمثال الشعبية جزء أصيل من ثقافة كل شعب، تتناقلها الألسن لتعبر عن موقف معين وتفسره. وتطلعنا أم طارق على بعض من هذه الأمثال التي جاءت بها إلى فلسطين.

"العيش مخبوز والمية في الكوز" ويقال كناية عن الاستعداد للعمل أو السفر إذ أن اللوازم من خبز وماء متوفرة.

"تعرف فلان؟ أيوه. عاشرته؟ لا. يبقى متعرفوش." والمعنى لا تعرف أخلاق الشخص إلا بمخالطته.

"افتكرناه موسى، طلع فرعون": كان فرعون مثالًا للقسوة والبطش، بينما كان النبي موسى عكس ذلك، وهنا يستعمل المثل على الشخص الذي ينخدع الناس بمظهره فيظنونه مثل موسى ولكنهم بالمخالطة يجدونه مثل فرعون في بطشه.

اقرأ/ي أيضًا: نظام السيسي يستنجد.. و"إسرائيل" تلقي حبالها

المسافات البعيدة تحرم أم طارق من مشاركة أهلها في مصر بمعظم الأعياد والمناسبات، ولكنها تتحايل على البعد بوسائل الاتصال. فتهاتفهم عند حلول المناسبات؛ حتى تعيّد عليهم وتسأل عن أحوال الشارع المصري بأغانيه وزينته وحدائقه. ومن هذه الاحتفالات الربيعية الممتازة التي يستقبلها الشعب المصري: شم النسيم، عيد البيض الملون، والفسيخ، وزيارات العائلات لحديقة أنطونيادس. بالإضافة إلى مواسم رجب وشعبان واحتفالات الموالد كمولد سيدي مرسي أبو العباس والمولد النبوي.

" وأنا رايحة زيارة عند أهلي باخدلهم ميرمية وزيت زيتون وزعتر وبقيت أطبخلهم أكل فلسطيني عشان يجربوه وحبوه جدًا. وبس نروح على فلسطين بناخد معانا جبنة رومي واسطنبولي وفطير مشلتت وعسل اسود"، تقول أم طارق.

وتضيف: "مقدرتش أتعلم اللهجة الفلسطينية وخاصة الجيم والكاف صعبة علي. الكل بحب اللهجة المصرية وييجوا يقعدوا معانا عشان أتكلم معاهم بلهجتي. وكل ما أتكلم مع المدرسين عشان أولادي أو لما أتصل بالاتصالات أو الخدمات يقعدوا يردوا علي باللهجة المصرية. حتى حماتي كانت تعمل معايا كدة!".


اقرأ/ي أيضًا:

يوسف زيدان.. خدمات صهيونية بالمجان

"سندريلا" لإسعاد عرسان غزة!

كيف يتابع الأسرى كلاسيكو الأرض؟