27-يناير-2018

لوحة فنيّة على الجدار الفاصل في بيت لحم | عدسة: عصام الأناضول (Getty Images)

ماذا لو كان الورم السرطاني الذي أصاب دماغ السناتور الجمهوري جون ماكين هو الذي أنقذ ملايين الأمريكيين وأبقى لهم على قانون "أوباما كير" للتأمين الصحي؟ العالم قد لا يكون بهذا السوء وقتها. فأن يكون الألم أو فواتير المستشفى المرتفعة هي السبب في لين قلب ماكين وتحديه للرئيس ترامب ومعارضته إلغاء القانون الذي بموجبه تساهم الدولة في تغطية تكاليف التأمين الصحي للمواطنين. هذا يعني أنّ تقاطعًا ما حصل بين الجانب الإنساني والقرار السياسي.

رغم أننا نملك العديد من الحقائق البائسة التي تخبرنا أنّ مرض الديكتاتور لا يحول بينه وبين ديكتاتوريّته، إلا أننا وبشكل عاطفي لا يتناسب مع خشونة الحياة وأخبارها، نظلُّ نتأمل أن يكون للقدر وجهة نظر مختلفة. ألهذا الحدّ نحن مهزومين؟ لنأمل أن يصيب المرض قلب الديكتاتور عندما يصيب جسده؟

   حتى لو كان هذا "البطل" يصوّب بندقيّته تجاهنا فإننا لا نريد أن نراها ما دام يحدّثنا عن النصر، ويحمل عن أكتافنا عبء معركته! 

وعلى ذكر الديكتاتور فإن أخبار مصر - التي نملك العديد من القصص والصور التي تسمح لنا بأن نتبعها بـ المحتلة أيضًا-  باتت قاسية مثل أخبار فلسطين المحتلة، وحول "باتت" علينا أن نكون حذرين فوحدهم المصريون يستطيعون تقدير ووصف ما مرّوا به من ظلم وكبت للحريّات على مدار أجيال، أمّا نحن فقد نعتقد أنّ الأمور أحدث مما قد تكون عليه، لأننا نربطها بالوقت الذي باتت الصور والأخبار تصلنا بشكل أكثر وأسهل. ولكن لماذا المقارنة بين ما يحدث في مصر وما يحدث في فلسطين؟

ليست مصر وحدها بل الكثير من الدول العربية بل ومعظمها ينطبق عليها توصيف محتلة هذا إذا أردنا الرجوع إلى ما يعنيه تعريف الاحتلال من هيمنة وسيطرة وتحكُّم في موارد الدولة الطبيعية والبشرية. المخيف في كل ذلك هو معارضة البعض لتوصيف هذه السلطات بالمحتلة لمجرّد أنّها عربية أو مسلمة وتشاركنا في الملامح و"الهوية". بل ويأتي رفض مقارنتها بالاحتلال الإسرائيلي من منطق أنّ هذه المقارنة تهدف إلى التخفيف من بشاعة الاحتلال الإسرائيلي بل والتواطؤ معه.

وفي محاولة لسبر مشاعر الرافضين لهذه المقارنة فإن هذا الرفض قد يأتي خوفًا من فراغ خانة "القيادة الوطنية"، الذي وفي حال أقررنا به فإنه سيجعلنا كشعوب عالقين في معارك داخلية مع الأنظمة التي تحكمنا، وعلينا أن نجتازها أولًا لنتمكّن من مواجهة معاركنا التالية. فهل نخاف حقًّا أن تكون أسطورة القائد البطل المنقذ المخلص لآلامنا مجرّد أسطورة حقًا؟ وأنّ الواقع سيجبرنا على التشمير عن سواعدنا بدل انتظار القائد ليقوم بعمله؟

يبدو أن الصورة التي رسمناها لأنفسنا كمجتمعات جماعية ليست دقيقة، ورغم أننا غالبًا ما نمنح القيمة للأفعال من خلال المنفعة التي تحققها لـ "نحن" لا "الأنا" أو هكذا نقول، إلا أننا نؤول كثيرًا على الشخص الفرد لإنجاز هذه الأفعال، يبدو هذا جلياً بدءًا من كتب التاريخ وصولًا إلى قصص الأطفال وأفلام الكرتون. دائمًا هنالك تركيز على البطل الذي قام بالمهمّة وليس على الجماعة التي عمل معها.

وبين الدفاع عن الديكتاتور بوصفه بطلًا سيخلّصنا من الاحتلال، وبين تمني أن يصاب قلبه بشيء من الرحمة أو اللين وانتظار أن يتغيّر حاله يبدو أننا عالقون حقًا بأسطورة الفرد المخلّص لآلامنا. وخائفون جدًا من أن تكون خانة القائد الوطني أو زعيم الثورة البطل المغوار خالية. فحتى لو كان هذا "البطل" يصوّب بندقيّته اتجاهنا فإننا لا نريد أن نراها ما دام يحدّثنا عن النصر ويحمل عن أكتافنا عبء معركته، حتى لو كان ذلك من خلال مجموعة من الشعارات والخطابات!

قلت لكم مرارًا
إن الطوابير التي تمر
في استعراض عيد الفطر والجلاء
(فتهتف النساء في النوافذ انبهارًا)
لا تصنع انتصارًا..
إن المدافع التي تصطف على الحدود، في الصحاري
لا تطلق النيران إلا حين تستدير للوراء 
إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء
لا تقتل الأعداء
لكنّها تقتلنا إذا رفعنا صوتنا جهارًا

تقتلنا، وتقتل الصغارا !

(أمل دنقل)


اقرأ/ي أيضًا:

فتاة من المخيم: "الكليشيه" و"الكليشيه" المُضاد

تحرير الكراهية: حول ترامب، الفاشية والصهيونية

لا تقلقوا: التنسيق الأمنيّ مستمرّ