كشف تحقيق مشترك لمجلة 972+ وصحيفة "الغارديان" البريطانية وموقع "سيحا مكوميت"، عن تعاون كبير بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وشركة مايكروسوفت في مجال الذكاء الاصطناعي وخدمات التخزين السحابي، إلى درجة انخراطهم الكبير في وحدات الاستخبارات الإسرائيلية، ووصف أحد قادة الجيش طاقم شركة مايكروسفت باعتبارهم "أشخاصًا يعملون بالفعل مع الوحدة"، وكأنهم جنود.
عشرات الوحدات في الجيش الإسرائيلي اشترت خدمات من منصة الحوسبة السحابية Azure التابعة لشركة مايكروسوفت في الأشهر الأخيرة
وبحسب مجلة 972+، تتمتع شركة مايكروسوفت "ببصمة في جميع البنى التحتية العسكرية الرئيسية" في إسرائيل، كما ارتفعت مبيعات خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي التي تقدمها الشركة للجيش الإسرائيلي بشكل كبير منذ بداية هجومه على غزة، وفقًا لسجلات تجارية مسربة من وزارة الأمن الإسرائيلية وملفات من الشركة الإسرائيلية التابعة لشركة مايكروسوفت.
وتكشف الوثائق أن عشرات الوحدات في الجيش الإسرائيلي اشترت خدمات من منصة الحوسبة السحابية Azure التابعة لشركة مايكروسوفت في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية، بالإضافة إلى فرقة الاستخبارات النخبوية، الوحدة 8200. كما قدمت مايكروسوفت للجيش الإسرائيلي إمكانية الوصول المكثف إلى نموذج لغة GPT-4 من OpenAI، وهو المحرك وراء ChatGPT، وذلك بفضل الشراكة الوثيقة بين الشركتين.
جاء هذا الكشف، ضمن تحقيق أجرته مجلة +972 وموقع Local Call بالتعاون مع صحيفة "الغارديان" البريطانية. ويستند التحقيق جزئيًا إلى وثائق حصلت عليها "Drop Site News"، التي نشرت قصتها الخاصة. ويُظهر التحقيق كيف زاد الجيش الإسرائيلي من اعتماده على شركات التكنولوجيا المدنية العملاقة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، ويأتي وسط احتجاجات متزايدة من قبل موظفي شركات الحوسبة السحابية الذين يخشون أن تكون التكنولوجيا التي طوروها قد ساعدت إسرائيل في ارتكاب جرائم حرب.
وتشمل وحدات الجيش التي كُشِف عن استخدامها للخدمات التي تقدمها Azure وحدة Ofek التابعة للقوات الجوية، وهي المسؤولة عن إدارة قواعد البيانات الكبيرة للأهداف المحتملة للغارات الجوية القاتلة (المعروفة باسم ’بنك الهدف’)؛ ووحدة Matspen، المسؤولة عن تطوير أنظمة الدعم العملياتي والقتالي؛ ووحدة Sapir، التي تحافظ على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مديرية الاستخبارات العسكرية؛ وحتى هيئة المدعي العام العسكري، المكلفة بملاحقة الفلسطينيين والجنود المخالفين للقانون في الأراضي المحتلة.
وبحسب إحدى الوثائق، كما كشفت عنها صحيفة "الغارديان" اليوم، فإن الوحدة 81، الذراع التكنولوجية لقسم العمليات الخاصة التابع لمديرية الاستخبارات العسكرية التي تصنع معدات المراقبة لمجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، تتلقى أيضًا خدمات سحابية ودعمًا من Azure.
وتشير الوثائق أيضًا إلى أن نظام "رولينج ستون"، الذي يستخدمه الجيش لإدارة سجل السكان وحركة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، يتم صيانته بواسطة Microsoft Azure. كما يتم استخدام Azure في وحدة سرية للغاية داخل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث يُطلب من موظفي مايكروسوفت الحاصلين على تصريح أمني التوقيع والإشراف على توفير الخدمات السحابية.
وبحسب الوثائق، فإن خدمات الذكاء الاصطناعي التي اشترتها وزارة الأمن الإسرائيلية من مايكروسوفت تشمل الترجمة (حوالي نصف متوسط الاستهلاك الشهري خلال العام الأول من الحرب)، ونموذج OpenAI GPT-4 (حوالي ربع الاستهلاك)، وأداة تحويل الكلام إلى نص، وأداة تحليل المستندات التلقائية. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2023، قفز استهلاك الجيش الإسرائيلي الشهري لخدمات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها Azure سبعة أضعاف مقارنة بالشهر الذي سبق الحرب؛ وبحلول آذار/مارس 2024، كان أعلى بمقدار 64 ضعفًا.
ورغم أن الوثائق لا تحدد كيف تستخدم وحدات الجيش المختلفة أدوات التخزين السحابي والذكاء الاصطناعي هذه، فإنها تشير إلى أن نحو ثلث المشتريات كانت مخصصة لأنظمة "معزولة" عن الإنترنت والشبكات العامة، مما يعزز احتمال استخدام الأدوات لأغراض تشغيلية، مثل القتال والاستخبارات، وليس مجرد وظائف لوجستية أو بيروقراطية. والواقع أن مصدرين في الوحدة 8200 أكدا أن مديرية الاستخبارات العسكرية اشترت خدمات التخزين والذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت Azure لأنشطة جمع المعلومات الاستخبارية، كما أكدت ثلاثة مصادر أخرى في الوحدة شراء خدمات مماثلة من أمازون، وهو ما كشفت عنه صحيفة "واشنطن بوست" يوم أمس.
وتظهر الوثائق كذلك أن موظفي مايكروسوفت يعملون بشكل وثيق مع وحدات في الجيش الإسرائيلي لتطوير المنتجات والأنظمة. وقد اشترت عشرات الوحدات "خدمات هندسية موسعة" من مايكروسوفت، حيث "يصبح خبراء مايكروسوفت جزءًا لا يتجزأ من فريق [العميل]"، وفقًا لموقع الشركة على الإنترنت.
وتصف الوثائق، على سبيل المثال، أن مديرية الاستخبارات العسكرية اشترت في السنوات الأخيرة اجتماعات تطوير خاصة وورش عمل مهنية، قدمها خبراء مايكروسوفت للجنود بتكلفة ملايين الدولارات. وفي الفترة ما بين تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحزيران/يونيو 2024 وحدهما، أنفقت وزارة الأمن الإسرائيلية 10 ملايين دولار لشراء 19 ألف ساعة من الدعم الهندسي من مايكروسوفت.
وقال ضابط استخبارات خدم في دور تكنولوجي في الوحدة 8200 في السنوات الأخيرة، وعمل بشكل مباشر مع موظفي Microsoft Azure قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر لتطوير نظام مراقبة يستخدم لمراقبة الفلسطينيين، لموقع +972، إن مطوري الشركة أصبحوا مندمجين للغاية لدرجة أنه أشار إليهم باعتبارهم "أشخاص يعملون بالفعل مع الوحدة"، كما لو كانوا جنودًا.
وأضاف المصدر أنه خلال مرحلة التطوير، حضر موظفو "مايكروسوفت أزور" اجتماعات في قاعدة عسكرية لفحص إمكانية بناء نظام المراقبة فوق البنية التحتية السحابية للشركة. وقال: "كانت الفكرة أن يتم إدارة هذا الشيء في أزور، لأنه [يستخدم] قدرًا كبيرًا من البيانات".
وقد أكدت سبعة مصادر في وزارة الأمن الإسرائيلية والجيش وصناعة الأسلحة، أن الجيش أصبح منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر يعتمد بشكل متزايد على الخدمات التي يشتريها من مقدمي خدمات الحوسبة السحابية المدنية للأنشطة العملياتية في غزة. ووفقًا لمصادر الجيش، فإن مساحة التخزين وقوة المعالجة التي توفرها شركات الحوسبة السحابية تمكن الجنود من الاستفادة من كميات أكبر كثيرًا من المعلومات الاستخباراتية، ولفترات أطول من الزمن، مما يمكنهم الاحتفاظ به على خوادمهم الداخلية.
وفي عام 2021، نشرت الحكومة الإسرائيلية مناقصة بقيمة 1.2 مليار دولار لمشروع نيمبوس، المصمم لنقل أنظمة المعلومات الخاصة بالوزارات الحكومية والهيئات الأمنية إلى خوادم السحابة العامة للشركات الفائزة والحصول على إمكانية الوصول إلى خدماتها المتقدمة. كانت مايكروسوفت واحدة من بين العديد من الشركات التي قدمت عرضًا للمناقصة، لكنها خسرت في نهاية الأمر أمام أمازون وجوجل.
وعلى الرغم من هزيمة مايكروسوفت في مناقصة نيمبوس، واصلت وزارة الأمن شراء الخدمات من عملاق الحوسبة السحابية. وعلى وجه الخصوص، تنص الوثائق على أن مايكروسوفت تحتفظ بعلاقات عميقة مع وزارة الأمن الإسرائيلية من خلال إدارة المشاريع المتعلقة بـ "أنظمتها الخاصة والمعقدة"، بما في ذلك "أحمال العمل الحساسة" التي لا تتعامل معها أي شركة سحابية أخرى.
وفي آب/أغسطس 2023، بدأ الجيش الإسرائيلي في شراء أحدث نموذج لغوي من شركة OpenAI المعروف باسم "GPT-4". وهذه الأداة، التي يحصل الجيش على حق الوصول إليها من خلال منصة Azure بدلًا من OpenAI مباشرة، قادرة على تحليل مليارات المعلومات، والتعلم من الحالات السابقة، والاستجابة للتعليمات الشفهية والمكتوبة.
وبمجرد بدء الحرب، زاد الجيش بشكل حاد من عمليات اقتنائه لمحرك GPT-4: ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان استهلاكه أكبر بمقدار 20 مرة؛ مما كان عليه خلال فترة ما قبل الحرب. ويوضح التقرير: "من الوثائق، من المستحيل معرفة ما إذا كان الجيش يستخدم GPT-4 في أنظمة سرية معزولة عن الهواء، أو تلك التي يمكنها الاتصال بالإنترنت".
ولم ترد شركة OpenAI على الأسئلة حول معرفتها بكيفية استخدام الجيش الإسرائيلي لمنتجاتها. وقال متحدث باسم الشركة ببساطة: "لا توجد شراكة بين OpenAI وجيش الدفاع الإسرائيلي".
وفي السنوات الأخيرة، أفادت التقارير أن مايكروسوفت استثمرت حوالي 13 مليار دولار في OpenAI. وفي أيار/مايو، ذكرت مقالة على موقع Microsoft، أن أدوات OpenAI لديها القدرة على "تغيير النموذج" للوكالات الأمنية والاستخباراتية وتحسين دقتها وكفاءتها. وأشار المقال إلى أنها "أداة قوية لتحليل صور الأقمار الصناعية والخرائط الميدانية، وترجمة الكلام والنص، وتقديم التفسير، وإنشاء مساحات افتراضية للتدريب".
وقبل عام 2024، تضمنت شروط OpenAI بندًا يحظر استخدام خدماتها في الأنشطة "العسكرية والحربية". ولكن في كانون الثاني/يناير 2024، مع زيادة اعتماد الجيش الإسرائيلي على GPT-4 في أثناء قصف قطاع غزة، أزالت الشركة بهدوء هذا البند من موقعها على الإنترنت، ووسعت شراكاتها مع الجيوش ووكالات الاستخبارات الوطنية.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت شركة OpenAI علنًا أنها ستدرس التعاون مع وكالات الأمن في الولايات المتحدة و"الدول الحليفة"، معتقدة أن "الديمقراطيات يجب أن تستمر في تولي زمام المبادرة في تطوير الذكاء الاصطناعي، مسترشدة بقيم مثل الحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان". كما أعلنت شركة OpenAI أنها ستتعاون مع شركة Anduril، وهي شركة تصنع طائرات بدون طيار تعتمد على الذكاء الاصطناعي، في حين أفيد العام الماضي أن شركة Microsoft قدمت نموذجها إلى وكالة المخابرات المركزية لتحليل وثائق سرية للغاية في نظام داخلي مغلق.
وتتوافق المعلومات الواردة في هذه الوثائق مع تصريحات العقيد راحيلي ديمبينسكي، قائدة مركز الحوسبة وأنظمة المعلومات في الجيش الإسرائيلي، الذي يوفر معالجة البيانات للجيش بأكمله. ففي مؤتمر عقد بالقرب من تل أبيب في تموز/يوليو الماضي، كما كشفت شبكتا +972 وLocal Call في وقت سابق، وقال ديمبينسكي إن القدرات العملياتية للجيش "تحسنت" خلال الحرب الحالية في غزة بفضل "العالم الرائع لمقدمي الخدمات السحابية" الذين مكنوا من "فعالية عملياتية كبيرة للغاية".
وقالت ديمبينسكي إن هذا يرجع إلى "الثروة الهائلة من الخدمات والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي" التي يقدمها مزودو الخدمات السحابية، كما ظهرت شعارات Microsoft Azure، وGoogle Cloud Platform (GCP)، وAmazon Web Services (AWS) على الشاشة خلفها.
وفي محاضرتها التي ألقتها في شهر تموز/يوليو، أوضحت ديمبينسكي، أن الجيش بدأ في العمل بشكل مكثف مع شركات الحوسبة السحابية بسبب متطلبات الحرب. ومع بدء الغزو البري لغزة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2023، أصبحت أنظمة الجيش مثقلة و"استنفدت الموارد". وقالت ديمبينسكي إن هذا النقص في مساحة التخزين وقوة المعالجة أدى إلى اتخاذ الجيش قرارًا "بالخروج إلى العالم المدني"، حيث أصبح من الممكن شراء أدوات الذكاء الاصطناعي وأدوات الحوسبة "دون سقف زجاجي".
وتظهر الوثائق المسربة أن متوسط الاستخدام الشهري للجيش الإسرائيلي لمرافق التخزين السحابي Azure في الأشهر الستة الأولى من الحرب كان أعلى بنسبة 60% مقارنة بالأشهر الأربعة التي سبقتها.
وفي آب/أغسطس، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لموقع +972، أن "المعلومات السرية التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي لا تُنْقَل إلى مقدمي الخدمات المدنيين، وتظل في شبكات الجيش المنفصلة"، على الرغم من أن التحقيق حينها، أظهر أن الجيش الإسرائيلي خزن بعض المعلومات الاستخباراتية التي جُمِعَت عبر المراقبة الجماعية لسكان غزة على خوادم لشركة أمازون.