20-مايو-2023
هدم إسرائيلي في قرية دوما شرق نابلس بحجة البناء في منطقة ج -  ZAIN JAAFAR/ Getty Images

 ZAIN JAAFAR/ Getty Images

شهد العام 2022 ومطلع العام 2023 تصاعدًا كبيرًا للتمثّلات العملية للرقابة الاحتلالية على البناء الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية وتحديدًا في المنطقة المصنفة (ج) التي تبلغ مساحتها 61% من مجمل أراضي الضفة الغربية. وعندما نتحدث عن أذرع هذه الرقابة فإننا سنكون بصدد الحديث عن إخطارات الهدم التي تقدم للمواطنين الفلسطينيين، وعمليات الهدم التي أصبحت متلازمة مع هذه الإخطارات.

بلغ عدد إخطارات الهدم التي وزعتها سلطات الاحتلال بين (2015-2022) ما مجموعه 5911 إخطارًا، حمل العام 2022 الرقم الأكبر لها بمجموع 1220 إخطارًا للهدم في عام واحد 

ولا يخفى على أحد الآن، أن سلطات الاحتلال تستخدم الأدوات التخطيطية من أجل محاصرة البناء المتمثل في الوجود الفلسطيني في هذه المنطقة من خلال منع تقديم المخططات الهيكلية للبلدات والقرى الفلسطينية من جهة، ومنع تقديم رخص البناء للأبنية الفلسطينية في ذات المنطقة بحجة أنها لا تخضع لتخطيط هيكلي، ناهيك عن الكثير من المناطق التي تتعرض للأوامر الاحتلالية التي تحظر فيها سلطات الاحتلال أي تطور ونمو طبيعي للسكان الفلسطينيين في طبيعة الحال.

وللتدليل أكثر على استخدام سلطات الاحتلال للأداة التخطيطية في محاصرة البناء والنمو الطبيعي الفلسطيني في المنطقة المصنفة (ج) ودعمها اللامحدود للبناء الاستيطاني الاستعماري في ذات المنطقة، أنها ومنذ العام 2009 وافقت وصادقت على بناء أكثر من 32 ألف وحدة سكنية للمستعمرات، لكنها وفي ذات اللحظة لم تمنح الفلسطينيين سوى أقل من 81 رخصة بناء[1]. البون الشاسع في نشاط الجهات الاستيطانية (الإدارة المدنية ومجلس المستوطنات) لصالح البناء الاستيطاني الاحتلالي يدلل مرة أخرى على طبيعة التوجهات العملياتية التي تستهدف المنطقة.

مقارنة إخطارات الهدم الإسرائيلية وعمليات الهدم حسب السنوات

على أرض الواقع، تصاعدت عمليات هدم المباني الفلسطينية في العام 2022 إلى رقم قياسي مقارنة بالأعوام السابقة سواءً من ناحية العمليات أو من ناحية ما نتج عنها من منشآت مهدومة (منازل، منشآت زراعية، مصادر رزق، وغيرها). وبحسب، قاعدة بيانات الانتهاكات في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد بلغ مجمل عمليات الهدم التي نفذتها سلطات الاحتلال في العام 2022 ما مجموعه 378 عملية هدم، طالت أكثر من 715 منشأة فلسطينية[2]، وفي الوجه الآخر من هذا الإجراء، فقد بلغ مجموع إخطارات الهدم والإزالة التي وزعتها سلطات الاحتلال على المواطنين الفلسطينيين رقمًا قياسيًا مقارنة بالسنوات السابقة، إذ إنه بحسب قاعدة البيانات المكانية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فقد بلغ عدد إخطارات الهدم والإزالة المسلمة للمواطنين وحتى نهاية العام 2022 ما مجموعه 1220 إخطارًا للهدم والإزالة.

وبالنظر إلى ما يحدث على الأرض في السنتين الماضيتين من تسارع في عمليات الهدم وتكاثف لتقديم إخطارات الهدم والإزالة والبدء باستخدم تقنيات جديدة على رأسها الطائرة المسيرة والدوريات التي تتحرك باستمرار لمراقبة كل البناء في المناطق الفلسطينية، ندرك أن ما يحدث لم يكن وليدًا للصدفة البحتة، بل جاء جراء استحداث واستدعاء مجموعة من الأدوات الجديدة التي تم تخصيص مبالغ كبيرة من الموازنات لها تحت عنوان "مراقبة وكبح البناء والتوسع الفلسطيني في الضفة الغربية"[3]، فمن جهة أنشأت سلطات الاحتلال ذراعًا جديدة للإدارة المدنية، يضاف إلى مجموعة من أذرع العمل المتخصصة فقط في مراقبة البناء وكبحه وتسريع خطوات الجهات التنفيذية وعلى رأسها الجيش من أجل الهدم.

التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية

الذراع الجديد الذي أُنشئ في العام 2020 وبدأ العمل فيه رسميًا في العام 2021 وتوج بخطوات كبيرة على الأرض في العام 2022، يقوم على فكرة الوشاية كما وصفتها مقالة صحيفة هآرتس اليسارية، وهي تجنيد أعداد كبيرة من الوشاة في مستوطنات الضفة الغربية من أجل الإبلاغ عن أي نشاط فلسطيني على الأرض من خلال برامج محوسبة تدمج آليًا مع قواعد بيانات الأراضي المصنفة (A, B, C) لديهم.

وبالرغم من أن الإدارة المدنية الراعية لهذا البرنامج تقول في بياناتها الرسمية أن البرنامج يستهدف البناء غير القانوني لدى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إلا أن تصميم قاعدة البيانات باللغة العبرية (انظر الواجهة في الصورة الجانبية) وإتاحتها للشبكة الإسرائيلية فقط، يسقط هذا الادعاء ويثبت أنه برنامج مخصص فقط لاستخدام المستوطنين الوشاة على البناء الفلسطيني.

(صورة): نموذج عن تقرير محوسب للمستوطنين للتبليغ عن البناء الفلسطيني في المناطق المصنفة (ج)
(صورة): نموذج عن تقرير محوسب للمستوطنين للتبليغ عن البناء الفلسطيني في المناطق المصنفة (ج)

البرنامج الذي تقدم التقارير عليه عن طريق نموذج عبر الإنترنت بعنوان "تقرير عن الانتهاكات المشتبه بها لقوانين التخطيط والبناء" ، وهي منصة محوسبة هدفها الصريح: تسريع عمليات الإنفاذ والهدم ضد البناء الفلسطيني في حوالي 61 في المائة من مساحة أراضي الضفة الغربية - أي في الأراضي المعروفة بالمنطقة )ج(، عندما تم إطلاق مركز الاتصال، في كانون الثاني (يناير) 2021، تم وصفه في إعلان على الموقع الإلكتروني لمستوطنة كوخاف يعقوب (المبنية على أرض كفر عقب) بأنه "خط واشي". وجاء في الإعلان: "هل شاهدت أعمال بناء لفلسطينيين تعتقد أنها مشبوهة وغير مصرح بها؟ هل واجهت خطر الصرف الصحي الذي تسبب فيه الفلسطينيون الذين يتعاملون مع القانون بازدراء؟ من الآن فصاعدًا ، لديك خط واش خاص بك - انتقل إليه في أي وقت وبأي طريقة ممكنة وقدم شكوى ".

بلغ عدد عمليات الهدم التي نفذتها قوات الاحتلال في الفترة ما بين (2015-2022) ما مجموعه 2375 عملية هدم  

وعلى عكس مركز الاتصال، الذي كان من حيث المبدأ مخصصًا لاستخدام الجميع، يُستخدم النموذج عبر الإنترنت بشكل أساسي من قبل "منسقي الأراضي" أو "مفتشي الأراضي" العاملين في المجالس الإقليمية الإسرائيلية في الضفة الغربية[4].

هذه المنظومة التي حُوِّطت المناطق الفلسطينية وتحديدًا المناطق (ج) بها لم تأت من فراغ، بقصد، أن سلطات الاحتلال وعلى مدار سنوات احتلالها الطويلة، قامت بتطويع وليّ عنق الكثير من القوانين من أجل محاصرة الوجود الفلسطيني بالأوامر العسكرية، ولعل آخرها وأبرزها ما أطلق عليها الأمر العسكري رقم 1797 والذي منح الصلاحية لموظفي التفتيش التابعين للإدارة المدنية بهدم أي مبنى جديد، وأي مبنى لم يمض على استعماله ستة شهور، وأي مبنى غير مسكون أو لم يمض على السكن فيه مدة شهر، بعد 96 ساعة من تاريخ إخطاره، دون أن يكون من حق الفلسطيني مالك المبنى المهدد أو ساكنه التوجه للمحكمة أو اللجان شبه القضائية التي كان يتم التوجه إليها سابقًا. وغالبًا ما تتسلم طواقم الإدارة المدنية أو جيش الاحتلال هذا النوع من الأوامر مساء الخميس، وما إن تنقضي عطلة نهاية الأسبوع حتى تنقضي مهلة الـ 96. القرار في جوهره يعني أنه لن يسمح بإضافة أي مبنى (خيمة، بركس، بئر ماء ...) سواء لأغراض سكن الشباب ممن يريدون الزواج وإنشاء أسرهم الخاصة، أو حتى ممن يريدون زيادة عدد قطعانهم أو تطوير زراعتهم في كافة مناطق (ج). خصوصًا أن من يراقب البناء والتفتيش في هذه المناطق –إلى جانب ممثلي الإدارة المدنية- هم أعضاء منظمة "رغفيم" اليمينية الاستعمارية المتطرفة الذين يمتلكون طائرات مسيرة تراقب البناء وتتواصل مع سلطات الاحتلال أولاً بأول[5].

منظمة رغفيم اليمنية المتطرفة، تعرف عن نفسها في بياناتها الرسمية بأنها: حركة عامة مكرسة لحماية الأراضي والموارد الوطنية لإسرائيل. تعمل حركة رغفيم على منع الاستيلاء غير القانوني على أراضي الدولة، وحماية سيادة القانون والحكومة النظيفة في الأمور المتعلقة بسياسة استخدام الأراضي في دولة إسرائيل. وتضيف: أنشطة رغفيم موجهة نحو إنجاز مهمة واحدة: إعادة الرؤية الصهيونية إلى دورها الأساسي في عملية السياسة الإسرائيلية. إن الرؤية الصهيونية، كما نراها، هي أولًا وقبل كل شيء رؤية يهودية صارمة، لكنها في الوقت نفسه رؤية ترتكز على القيم الإنسانية والعدالة والأخلاق - قيم يتم التعبير عنها في التقيد الصارم بالمعايير الأخلاقية العالية والحكومة النظيفة[6].

نرى من خلال ما سبق، أن هذه المنظمة، إلى جانب مجموعة من المنظمات الأخرى اليمينية الصهيونية المتطرفة، لم تتوقف عند حدود دورها في التحريض على الوجود الفلسطيني في الأرض الفلسطينية وتحديدًا في المنطقة (ج)، بل ابتكرت مجموعة من الوسائل من أجل استعجال ودفع وتغيير سياسات أذرع دولة الاحتلال، الجيش والإدارة المدنية، لسرعة التحرك من أجل محاصرة البناء الفلسطيني بالهدم الفوري ووقف البناء، ويشكل تنامي قوة هذه المنظمة، واحدة من أبرز ملامح المرحلة السابقة وتحديدًا في العناوين والسياسات الكبرى التي باتت تتبناها حكومة الاحتلال في مواجهة أماكن تواجد الفلسطينيين، إذ لا يقتصر دور المنظمة فقط على محاربة البناء الفلسطيني، بل تسعى المنظمة إلى فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على أكثر من 61% من أراضي الضفة الغربية وهي المنطقة المصنفة (ج)، وهي أيضًا المنطقة التي تستهدفها المنظمة بالكثير من التقارير التحريضية والتي كان آخرها تقرير تحت عنوان" حرب الاستنزاف، برنامج السلطة الفلسطينية لإنشاء دولة الأمر الواقع في يهودا والسامرة" الصادر نهاية العام 2022.

يمكن القول إن "تقرير رغيفيم" يُنبئ بشكل جديد وهيئة أخرى قد تتبعه حكومة الاحتلال وتحديدًا في سياساتها المتعلقة بالمناطق المصنفة (ج) وهي المناطق التي تخاض فيها معركة حقيقية على أرضها، بالنظر إلى شكل الحكومة الإسرائيلية الاحتلالية 

واللافت في أمر هذه التقارير هو توصياتها المتطرفة التي اختتم بها التقرير والتي تمثلت في مجموعة من النقاط، كان أهمها مطالبة حكومة الاحتلال: بإنشاء سلطة لحماية الأرض ذات صلاحية واسعة تتبع لوزارة الدفاع من أجل حماية الأرض ضد التوسع الفلسطيني، وكذلك، إجراء مسح جغرافي لكامل الأرض من أجل الوصول إلى تسجيل كامل لأراضي المناطق المصنفة (ج). وتطالب الوثيقة بالطبع بمحاربة البناء الفلسطيني دون هوادة، والأهم في إحدى توصيات هذه المنظمة وهي الجديرة حقًا بالكثير من الدراسة والتحليل العميقين: ما أسمته بالغزو الزراعي الفلسطيني للأراضي، في محاولة الفلسطينين لمحاربة أوامر إعلانات الدولة باستصلاحها وزراعتها، وخلصت المنظمة في توصيتها هذه إلى ضرورة إغلاق منظمة الإغاثة الزراعية ووقف أنشطتها[7].

يشكل هذا التقرير (تقرير رغفيم) ليس بحثًا في توجه المنظمة اليمينية المتطرفة وحسب، بل يمكن القول أن الوثيقة تنبئ بشكل جديد وهيئة أخرى قد تتبعه حكومة الاحتلال وتحديدًا في سياساتها المتعلقة بالمناطق المصنفة (ج) وهي المناطق التي تخاض فيها معركة حقيقية على أرضها، بالنظر إلى شكل الحكومة الإسرائيلية الاحتلالية القادمة، وحجم النقاشات التي تجري هذه الأيام حول الصلاحيات الموكلة للإدارة المدنية وإلحاقها أو أعادة إلحاقها وهيكلتها من جديد بما يتناسب مع شكل ودور الحكومة القادمة، والتي كما قلنا في مقدمة هذا التقرير، أن الحكومة الحالية، جاء أبرز رموزها وقادتها من هؤلاء: قادة رغفيم وشبيهاتها في مستعمرات الفاشية الجديدة.


[1]  معطى بيتسيلم 2021، عدد الوحدات تم تحديثه بناءً على قاعد بيانات المخططات الهيكلية للمستعمرات 2022 في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

[2] قاعدة بيانات الانتهاكات، هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، 2022

[3]  انظر قسم "التسهيلات والحوافز التي تقدم للمستوطنين" في هذا التقرير، صفحة (12 ) .

[4] هآرتس، عميرة هس، وثائق داخلية تكشف تكريس المستوطنين الإسرائيليين لطرد "العرب" من الضفة الغربية، 12/12/2022

[5] راجع: هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، التقرير السنوي: ملخص لأبرز  الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية خلال العام 2018

[6]  الموقع الرسمي للمنظمة.

[7]  انظر تقرير رغفيم: " حرب الاستنزاف، برنامج السلطة الفلسطينية لإنشاء دولة الأمر الواقع في يهودا والسامرة" 2022.