26-فبراير-2018

روبوتات بُنيت من قطع الليغو، في ورشة عمل لطلبة مدارس فلسطينية، نظمتها الأونروا في رفح (2013). صورة: سائد الخطيب AFP/Getty Images

"روبوت" واحدة من الكلمات/ التقنيات التي صارت مألوفة جدًا في عالم رقميّ، تتوافر فيه أدوات التكنولوجيا الحديثة بين أيدي الصغار، ويتعاملون معها باحترافيّة عاليّة سعيًا وراء الألعاب غالبًا، لكنّ الاهتمام والتنافس في موضوع "الروبوت التعليمي" لا يزال متواضعًا رغم أهميّته ومتعته.

  الليجو الإلكتروني واحدٌ من الأدوات المهمة من أجل إطلاق يد أبنائنا وتوجيههم إلى عالم التكنولوجيا بشكل جميل وشيِّق ومفيد 

"الروبوت" بمعناه العامّ هو آلة قادرة على القيام بأعمال مبرمجة حاسوبيًا، بشكل مسبق، من خلال أذرع (Arms) ومحرّكات (Motors) ومجسَّات (Sensors) وعقل برمجي (Brick) تحاكي في تكوينها –إلى حدّ ما- الجسم البشري. غير أنّ "الروبوت" المستهدف في مقالنا هُنا ما يُعرف بـ"الليجو الإلكتروني"، وهو مصطلحٌ هندسيٌ يشير إلى نظام تحكمي يتكون من مجموعة قطع ميكانيكية مزودة بمعالج رقمي "عقل إلكتروني" يحاكي العقل البشريّ في تكوينه، يمكن برمجته عبر برنامج خاص لتأدية مهمة/ مهام محددة باستخدام أذرعه، عبر مجموعة من المجسّات التي تساعده على إدراك البيئة المحيطة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تعد ابنك للحرب؟

إذا عُدت بذاكرتك لأيّام الطفولة، قد تتذكّر كم كان ممتعًا بالنسبة لك بناء المنازل والحدائق ومجسّمات السيارات والطيارات من قطع الليجو الصغيرة الملونة. ماذا لو استطعنا أن نُسخّر تلك المتعة اليوم في تعليم الطفل مبادئ تصميم الروبوتات البسيطة وبرمجتها عبر بيئة تعليمية تجمع بين المتعة واللعب والتعلم في آن واحد؟

هذا ما قامت به بالفعل شركة "ليجو" العالمية، التي أنشأها النجّار الدنماركي "Ole Kirk Christiansen" عام 1932، والذي بدأ وتميّز بصنع تصاميم لألعاب خشبيّة في متجر نجارة صغير، وصولًا اليوم إلى شركة عالمية بمنتجات متنوعة مناسبة لأعمار مختلفة شعارها "ألعابنا تجعل الأطفال أذكى".

أدركت "ليغو" حقيقةَ أنَّ كل ما يرغب به الطفل هو المتعة والتسلية. وأدركت مدى أهمية ذلك في تطوير العملية التعليمية؛ فقامت بمخاطبة الجانب الإبداعي الفكري والجانب العملي الذي يتميّز به الطلبة وخاصة الصغار منهم، والذين يتيح لهم خيالهم قدرات إبداعية أكبر، فوضعت بين أيديهم أدوات لترجمة أفكارهم الإبداعية كتصاميم روبوت بسيط.

اقرأ/ي أيضًا: مهندسون عباقرة: جيري إليسورث مهندسة التعليم الذاتي

تخيّل طفلًا يتعلّم تصميم وبرمجة الروبوتات، باستخدام تقنيات حديثة جدًا، وبسيطة جدًا في نفس الوقت، ويمكنه التفاعل معها من خلال العمليات العقلية والمنطقية، وفضلًا عن المتعة والتسلية التي توفرها له "التجربة"، فإنّها تعطيه تشجيعًا كبيرًا، وتجربة مميزة تفتح له أفاق جديدة لدخول عالم التقنية والتخصص بها مستقبلًا.

   سنكون أمام طفل قادر على تنفيذ أفكاره وخيالاته بشكل مباشر، وليس إبقاءها حبيسة عالم الخيال   

إضافة إلى ما سبق فإنّ الروبوت والذي يمكن العمل عليه بشكل جماعي، يُكسب الأطفال منهجيّة في التخطيط  والبحث قبل عملية البناء (بناء الروبوت)، معززةً روح التعاون بينهم، فضلًا عن تعزيز شعورهم بالمسؤولية الذاتية أثناء إدارة العمليّة برمّتها.

وبالتالي فإنّ نتيجة العمل على هذا المنتج؛ تطوير حزمة متكاملة من الأدوات، تحتوي مجموعة قطع ميكانيكية من (مسننات، براغي، عجلات، محرّكات ومجسَّات) مصنوعة من البلاستيك يمكن تشكيلها لتكوين نماذج روبوتية مختلفة، ويمكن برمجتها باستخدام برنامج حاسوبي يعتمد نظام البرمجة التفاعلية البسيطة عبر استخدام الكتل“blocks”  بدلًا من كتابة كود برمجيّ معقد. أي أنَّ هناك "كتل" مسؤولة عن تحريك المحرك، وكتل مسؤولة عن المجسّات. وهكذا يتم ربط الكتل ببعضها البعض ثم تنفيذ الأوامر تسلسليًا وبطريقة بسيطة. وبهذه الكيفية المبسّطة ينتقل العمل الهندسي البرمجي المعقَّد إلى مستوى المتعة والتسلية واللعب الذي يستثير خيال الطفل ويحرّك لديه دوافع الإبداع.

ومن أجل تفعيل أكبر لهذه اللعبة الإبداعية، تقام مسابقة عالمية تسمى (FIRST LEGO League)، وهي مسابقة عالمية للطلبة (تتراوح أعمارهم بين 9-16 سنة)، نتجت المسابقة عن شراكة بين مؤسستي فيرست (مؤسسة غير ربحية تشجع على ازدهار العلوم والتكنولوجيا) وليغو(المختصة بصناعة ألعاب الأطفال) العالميتين. بدأت هذه المسابقة عام 1998 بمشاركة محدودة ثم ما لبثت أن انتشرت واتسع نطاقها لتشمل الكثير من الدول حول العالم ليصل عدد الطلبة المشاركين فيها عام 2014 إلى أكثر من 230 ألف طالب وطالبة من 80 دولة بينها دول عربية (فلسطين، قطر، الأردن، مصر، لبنان، السعودية، المغرب، سوريا، السودان، عمان، الإمارات، الكويت، اليمن).

اقرأ/ي أيضًا: أساليب التعليم النشط

فلسطين بدأت أولى خطواتها مع المسابقة منذ 2006، حين تمكنت شركة "فكر" لتكنولوجيا المواد التعليمية من الحصول على الاعتماد اللازم من مؤسسة فيرست العالمية ومنحت الإذن بإقامتها بشكل رسمي ووفقًا للشروط العالمية للمسابقة في العام 2008، وهي تُعقد منذ ذلك الوقت وحتى الآن بشكل سنوي، ويتم ترشيح الفرق الفائزة في المسابقة على المستوى الوطني لتمثيل فلسطين في البطولات العربية والدولية.

ورغم أنّ "الروبوت التعليمي" يعتبر واحدًا من المجالات التعليمية الإبداعية المنتشرة على نطاق واسع في العديد من دول العالم في الأوساط التعليمية. فإنه لم يصل بعد إلى مرحلة الانتشار الكافي في فلسطين. فتجد الجيل الجديد يسعى دومًا إلى اقتناء أحدث إصدارات الهواتف الذكية والألعاب التلفزيونية وغيرها من التقنيات الحديثة. إلا أنك لا تجد نفس الاهتمام والتنافس في موضوع الروبوت التعليمي على الرغم من أهميته ومتعته.

  الليجو التعليمي، يعتبر واحدًا من المداخل المهمة التي يمكن لأي طالب أن يبدأ بها إلى عالم التكنولوجيا  

لعلّ ذلك يعود إلى جهل الكثير من الناس به أساسًا، وعدم اطّلاعهم على القدرات والفوائد الكبيرة التي يجنيها الطالب من خلال إتقانه لهذه اللعبة التي تتماشى مع مستويات الطلبة من المراحل العمرية المبكرة. إضافة إلى أنّ ارتفاع ثمن حقائب الليجو التعليمية وعدم اهتمام المراكز التعليمية والمدارس الحكومية أو الخاصة بها، جعلها بعيدةً عن أيدي الناس وأعينهم.

الليجو التعليمي -وبناءً على تجربة ذاتية في تدريسه- يعتبر واحدًا من المداخل المهمة التي يمكن لأي طالب أن يبدأ بها إلى عالم التكنولوجيا بشكل "شخصي" مباشر، بالاستعانة بمعلمة أو والديه. حيث سيفكر ويخطط وينفّذ بنفسه وسيلة إلكترونية تتحرّك وتطبّق الأوامر بين يديه كما فكّر وخطط ونفّذ.

هذه المقالة البسيطة، دعوة إلى كلّ ولي أمر مهتم بتطوير أداء أبنائه في ميدان التكنولوجيا وكل مؤسسة تعليمية خاصة معنية بتطوير أدائها وتعزيز رسالتها، وكل صاحب مسؤولية في موقع القرار الحكومي. الليجو الإلكتروني واحدٌ من الأدوات المهمة اليوم من أجل إطلاق يد أبنائنا وتوجيههم إلى عالم التكنولوجيا بشكل جميل وشيِّق ومفيد.


اقرأ/ي أيضًا:

4 مواقع لتعليم اللغة الإنجليزية للمبتدئين

ما هي أبرز مواقع التعليم عبر الإنترنت في العالم؟

اختيار مدرسة مناسبة لأطفالنا.. كيف؟