15-أكتوبر-2022
gettyimages

gettyimages

على مدار أيام تحرث الطائرات المُسيّرة سماء عدة مدن في الضفة الغربية، وتحديدًا في مدينة جنين ونابلس، وبعض الأحيان في رام الله وغيرها من المدن، في الوقت نفسه، لم تغب المُسيّرات عن سماء قطاع غزة منذ سنوات إلّا في فترات قصيرة، كانت بمثابة وقت مستقطع وفترات هدنة محدودة. مؤخرًا، ومع ارتفاع وتيرة التصعيد الإسرائيلي تجاه الضفة الغربية، انتشرت أحاديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إمكانية استخدام الطائرات المُسيّرة في عمليات اغتيال بالضفة الغربية، ورغم أن الأمر لم يجزم فيه، إلّا أن المُسيّرات نشيطة بشكلٍ كبير في سماء الضفة الغربية. في هذه المادة التي نشرت على موقع 972+ للباحثة الأنثروبولوجية صوفيا جودفريند، تتبع وتفكيك للادعاءات الإسرائيلية حول الطائرات المُسيّرة وللفكرة التي يروجها جيش الاحتلال عنها باعتبارها وسيلةً "أقل دموية" في الحرب. 

على مدار أيام تحرث الطائرات المُسيّرة سماء عدة مدن في الضفة الغربية وتحديدًا في مدينة جنين ونابلس

تموضع الباحثة الأخبار الإسرائيلية حول استخدام المُسيّرات في الضفة الغربية، ضمن السياق الإسرائيلي للترويج للأسلحة، فقد جاءت في أعقاب مؤتمر دفاعي دولي استضافه جيش الاحتلال، والذي جذب ممثلين عسكريين من جميع أنحاء العالم إلى المجمع الإلكتروني للجيش الإسرائيلي في بئر السبع. في المؤتمر عرضت أبرز الأسلحة الرشاشة والإلكترونية، وفي خارج المؤتمر قامت طائرات بدون طيار وطائرات هليكوبتر هجومية بمحاكاة عمليات قصف بالصحراء.

وتشير المقالة إلى أن المزاعم الإسرائيلية حول هذه الابتكارات الجديدة تدور حول كونها توفر حلولًا سريعًا للتصعيد الذي تعتبره منزمنًا، في والوقت الذي يكون فيه العام 2022 واحدًا من أكثر الأعوام دمويةً خلال السنوات العشر الأخيرة في الضفة الغربية.

وضمن تعاملها مع "الأزمة الأمنية المزعومة" بحسب وصف المقال، والتي تنبع في الواقع نتيجة عقود من الاحتلال، يقوم جيش الاحتلال باستخدام المُسيّرات، بالإضافة للأسلحة الرشاشة الإلكترونية على الحواجز، والكاميرات البيومترية التي تتعقب الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة.

ويضيف المقال، "الطائرات المُسيّرة تجسد خيالًا معينًا للحرب: مدمجة وأنيقة وصغيرة وتجعل القتل يبدو أقل دمويةً وأكثر كفاءةً من الناحية العملياتية. ولا يهم أن هذا الخيال ليس له أساس في الواقع، كما يتضح من 17 عامًا من الحرب المميتة من الأعلى في قطاع غزة". ويلفت المقال النظر إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعتقد أن الأسلحة الآلية والكاميرات الأفضل والخوارزميات المتطورة والصواريخ الحقيقية يمكن أن تمثل استراتيجية سياسية حقيقية.

وتحت عنوان فرعي "زنانة"، تتبع المقال تاريخًا مختصرًا لظهور صناعة المُسيّرات في إسرائيل منذ عام 1968 وصولًا إلى تحولها للمستويات الاحترافية خلال حرب لبنان الأولى 1982. ومع بداية القرن الحادي والعشرين، تعتقد الباحثة صوفيا أن المُسيّرات غيرت طريقة تعامل القوى الكبرى مع الحرب، فقد أصبحت تشن من الأعلى، ويقوم الجنود بتوجيه الطائرات على بعد آلاف الأميال ومن خلال شاشة كمبيوتر، مما خفض خسائر القوات الغازية وجعل إمكانية استمرار الحرب على المدى الطويل أسهل، دون الالتفات إلى معاناة من تطوير فوقهم المُسيّرات، وهكذا ظهرت "الحروب إلى الأبد" مثل احتلال العراق وأفغانستان، واحتلال وحصار قطاع غزة، بحسب ما جاء في المقال.

ويقول المقال إن "إسرائيل" تُصنِّف نفسها باعتبارها "قوة عظمى في الطائرات المُسيّرة". التي يتسع استخدامها في في قوات جيش الاحتلال بشكلٍ واسع، فتستخدم بالقدس من قبل حرس الحدود وشرطة الاحتلال وفي الضفة الغربية من قبل الجيش، كما عناصر المخابرات العسكرية يوجهون طائرات استطلاع فوق مدينة غزة لتحديد الإحداثيات الدقيقة للقصف.

وتصف المقالة حياة الفلسطينيين بقولها: "يعيش العديد من الفلسطينيين بالفعل في ظل حرب الطائرات المُسيّرة منذ سنوات. إن وجودها منتشر للغاية في غزة، لدرجة أن الطائرات المُسيّرة يشار إليها بالعامية "زنانة"، والتي تعني "الطنين"، وهي نتيجة الصوت المستمر الصادر عن محركات الطائرات التي تحوم في السماء، مثل سرب من النحل".

getty

أمّا عن التصور الإسرائيلي المرتبط في استخدام المُسيّرات، تقول: "تفاخر الجنرالات الإسرائيليون بأن الطائرات المُسيّرة تمنحهم "جيشًا بلا جنود". وهذا في الغالب وهم، حيث تجذب الطائرات المُسيّرة المزيد من الجنود إلى أعمال المراقبة العسكرية والاغتيالات المستهدفة. ففي وحدة النخبة 8200، تقوم فرق استخبارية بتحليل المعلومات الواصلة من الأقمار الصناعية واللقطات التي تبث من المُسيّرات وبيانات موقع الهاتف الذكي ومعلومات أخرى. ويرسلون النتائج التي توصلوا إليها إلى المطورين في وحدتهم، الذين يستخدمون بيانات المراقبة لبناء خوارزميات يمكنها توجيه الطائرات المُسيّرة وتحديد متى يجب توجيه الضربة". مشيرةً، إلى بداية استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي ضمن عمليات الطائرات المُسيّرة منذ حرب أيار/ مايو 2021 على قطاع غزة، بدلًا من اتخاذ قرار الضربة من قبل الجنود.

ومن المعروف أن استخدام الطائرات المُسيّرة قدم من قبل أمريكا و"إسرائيل" ضمن تصورات أخلاقية باعتباره "عمليات قتل مستهدف" وأقل دموية، فيما يرفض المقال هذا الطرح مؤكدًا على أن الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة قتلت فيها آلاف الفلسطينيين المدنيين. وتضيف المقالة أن الجيش يزعم ان هذا القتل حصل عن طريق الخطأ، ولكن الجنود في الوحدة 8200 اعترفوا بقتل المدنيين عن عمد، مبينةً أن الجيش وضع قواعد تنظيمية تسمح أساسًا بقتل المدنيين خلال عمليات الاغتيال مرتبطة بأعداد الأشخاص المتواجدين في المكان.

وفي قطاع غزة لا يوجد استراحة للمُسيّرات في غالب الأحيان، ويتحدث المقال عن تحليق مستمر لها حتى في الوقت الذي لا تسقط فيه القنابل، موضحةً أنه خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في آب/ أغسطس سجلت الطائرات المُسيّرة أكثر من 2000 ساعة طيران خلال 55 ساعة من الحرب على قطاع.

تشير المقالة إلى أن التحليلات النفسية تؤكد على أن الأشخاص الذين يعيشون في ظل طيران مستمر للمُسيّرات يعانون من نوع من القلق الاستباقي، وهي حالة من الخوف والقلق نتيجة توقع إمكانية وقوع أحداث سيئة في المستقبل، وفي قطاع غزة تحديدًا تعني القلق من حدوث غارة تؤدي للموت. فيما تبين أن الفيلسوف الفرنسي غريغوار تشيامو يصف حروب المُسيّرات باعتبارها "حربًا بلا نصر".