16-يناير-2017

أسير فلسطينيّ يكمن في سريره داخل سجن هداريم

بين أربعة جدران باردة وباب حديدي، يمكث سبعة آلاف أسير فلسطينيّ، كل واحد منهم على سريره في غرفة أشبه ما تكون بـ"الثلاجة"، يستذكرون شعلة النار التي كادوا أن ينسوها، وأيامًا كانوا فيها بين عائلاتهم، فتلفح وجوههم نسمات الهواء الباردة، وتذكّرهم بأنّ عليهم شدّ الغطاء الشتوي أكثر، هذا إن كان متوفرًا.

هذا الفصل من السنة، بمثابة لعنة تحلّ على الأسرى؛ فالمحققون يستغلّون برد الشتاء كأسلوب تعذيب. والأغطيّة غير متوفّرة

ما يخشاه الأسرى هو اقتراب فصل الشتاء، فخلال أشهره الأربعة، تزداد معاناتهم، وينتشر المرض بينهم، ويقفون أحيانًا كثيرة عاجزين عن تقديم المساعدة لرفاقهم المرضى والمصابين الذين تزداد أوجاعهم بسبب البرد القارس.

عشرون شتاءً قاسيًا، مرّ على الأسير المحرر عصمت منصور، وهو في سجون الاحتلال، تنقّل خلالها بين غرف السجن والخيام. يقول خلال حديثه لـ"الترا فلسطين" إنّ المحققين يستغلّون الجوّ البارد كأسلوب للتعذيب، إذ يجبرونك على تبديل الملابس الثقيلة وارتداء ملابس خفيفة، ويتعمّدون تشغيل التبريد ووضعك في زنزانة يوجد فتحات في سقفها.. "كنت طيلة الوقت أرجف".

اقرأ/ي أيضًا: طحين الأسرى وابتساماتهم

 في داخل الأقسام كانت الرطوبة العالية، ودرجة الحرارة منخفضة جدًا، ولا وسائل تدفئة بالطبع، فيما معاناة الأسرى الذي يقبعون في الخيام كانت مضاعفة. ويستذكر منصور عندما هبّت رياح شديدة عليهم بينما كانوا داخل خيام سجن النقب، إذ حاول الهواء اقتلاع خيمة مجاورة لهم يقبع بداخلها حوالي 20 أسيرًا، فخرج كل الأسرى في محاولة للسيطرة عليها دون أن يتسببوا في تمزقها، وبدأوا يضعون مقتنياتهم على أطرافها.

وفي إحدى المرات هطلت الأمطار ودخلت المياه على الخيام، اضطر الأسرى في حينها لرفع كل أغراضهم عن الأرض ووضعوها على مقاعد خشبية.

  يضطر الأسرى للخروج 3 مرات يوميًا للعدد، وهذا الإجراء يحتاج لعشرين دقيقة، فمن تحت الأغطية والدفء يخرجون إلى البرد والمطر  

أصعب اللحظات في الخيام حسب منصور هي العدد، إذ يضطر الأسرى للخروج ثلاث مرات يوميًا حتى تأتي إدارة السجون وتعدهم، وهذا الإجراء يحتاج لعشرين دقيقة، فمن تحت الأغطية والدفء يخرجون إلى البرد والمطر، وفي أحيان كثيرة يتعمد الضابط أن يتأخر، وهذا الإجراء قد يطول لساعة عند وجود أسير مريض إذ يتم استدعاء قوة أكبر ويتم إجبار الأسير على الخروج.

على الرغم من أن إدارة السجون كانت تحدد كمية الملابس ونوعها ولونها، إلا أن الأسرى كانوا يتغلبون على البرد بارتداء قطع كثيرة من الملابس أو وضع الأغطية الشتوية فوقهم والتزام السرير، كما كانوا يتضامنون مع المرضى ويزودونهم بملابسهم وأغطيتهم.

بلاطة كهربائيّة تُستخدم للطبخ، هي وسيلة التدفة الوحيدة، رغم أنّها لا تُسمن ولا تغني من برد! 

أما داخل الغرف، فيُمنع إدخال أي وسيلة تدفئة، لذلك كان الأسرى يشعلون "البلاطة" التي كانوا يعدون الطعام عليها وهي تعمل على الكهرباء، ويشير منصور إلى أنّه وفي أحد المرّات أشعل الأسرى البلاطة الكهربائية، ووضعوها أسفل سرير أحد الأسرى من كبار السن، وبقي أحد الأسرى يسهر بجانبه.

من المواقف الصعبة التي عاشها منصور، عندما كان يرى أسرى كبار، قاصرين، وأسيرات ينقلون إلى المحاكم في البوسطة، ومنهم من كان يقع أرضًا بسبب تقييد قدميه، ما يؤدي لابتلال ملابسه.

في أقسام الأشبال كانت المعاناة مختلفة، فعوضًا عن أن اولئك الأطفال تم اختطافهم من وسط عائلاتهم إلى السجن، فهم بحاجة لمن يرعاهم ويخفف من أوجاعهم وأحزانهم، فمعظم الأطفال الذين يتم اعتقالهم يمضون أشهر في سجون الاحتلال.

اقرأ/ي أيضًا: أطفال فلسطين في سجون الاحتلال.. لقاء مبكر بالجلاد

موسى حامد أمضى (12 عامًا)، كان ممثل الأسرى الأشبال في سجن عوفر لثلاث سنوات، كانت وسيلة التدفئة الوحيدة هي الأغطية الشتوية، رغم أنهم كانوا يواجهون نقصًا في الأغطية والملابس.

لم تكترث إدارة سجن عوفر للبرد القارس والأمطار عند إجراء الفحص الأمني، ففي عام 2015 كانت الثلوج تهطل ورغم ذلك طلبت من الأسرى الخروج للساحة لإجراء الفحص، لكن موسى تحدث مع الضابط وطلب أن يُستثنى الأشبال من الخروج لأن ذلك سيعرضهم للمرض، إلا أن الضابط ومدير السجن رفضا.

الأسرى الجرحى، كان وضعهم الأصعب خلال الشتاء، فأحد الأشبال المصابين برصاصة في الرأس كان يصرخ من شدة الألم بسبب البرد ويضرب رأسه بالحائط فما كان من موسى والممثلين إلا أن حمّلوا إدارة السجن مسؤوليته وطلبوا نقله للعيادة، وهناك أعطوه مسكنًا للآلام، وعند إعادته سمحوا للأسرى بقص غطاء شتوي وصنع طاقية له لتدفئة رأسه.

الأسيرات في سجني هشارون والدامون تتفاقم معاناتهن في فصل الصيف نظرًا للموقع الجغرافي، لكن في الشتاء تعاني الأسيرات من تسرب مياه الأمطار إلى داخل الأقسام، ونقص الأغطية في حالة الاكتظاظ داخل الغرف.

تقول النائب في المجلس التشريعي خالدة جرار لـ "الترا فلسطين" إنّ غالبية الأسيرات يقبعن في سجن هشارون القريب من نتانيا، لذلك تواجه الأسيرات مشكلة بدخول مياه الأمطار إلى الغرف، أمّا الدامون الواقع على جبل الكرمل فهو بارد جدًا".

وتضيف جرار أنه في أحد الأيام الماطرة دخلت المياه إلى الغرف بكميات كبيرة، ما أدى إلى تبلل كل المقتنيات حتى الأسرّة المرتفعة وصلتها المياه، واضطرت الأسيرات لفتح الصرف الصحي وإزالة المياه، وما كان من إدارة السجون إلا أن نقلت الأسيرات لسجن الدامون.

في أواخر فصل الشتاء الماضي سمحت إدارة السجون بإدخال "صوبة" كهرباء صغيرة لأقسام الأسيرات، إلا أنها لم تحل مشكلة البرد، فكانت الأسيرات يعتمدن بشكل أساسي على الأغطية الشتوية التي يقمن بشرائها من "الكانتينا" إذ يبلغ سعر الغطاء الواحد حوالي 70 شيقلًا.

وتشير جرار إلى أن المعاناة الأساسية كانت عند نقل الأسيرات في البوسطة، فيتم تقييدهن ويمضين ساعات طويلة داخل السيارة والزنازين الباردة جدا، حتى الأسيرات المريضات والمصابات كن ينقلن في نفس الوسيلة، وهو ما جعلهن يرفضن في أحيانا كثيرة مراجعة المستشفى لإتمام العلاج.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تتعامل مع ظروف الاعتقال؟

وبحسب بيان لمركز أسرى فلسطين للدراسات فإنّ فصل الشتاء الثقيل على الأسرى، يكشف حجم النّقص الحادّ في الأغطية والملابس الشتويّة التي يعاني منها الأسرى، تحديدًا في سجون الجنوب. وتتضاعف معاناتهم خلال الاقتحامات الليلة، والعدد الصباحيّ أو المسائيّ في هذه الأجواء الباردة.

واشتكى أسرى سجن النقب الصحراوي، ومعتقل عوفر (غرب رام الله)، من نقص الأغطية والملابس الشتوية، في ظلّ الزيادة الكبيرة في أعداد الأسرى الجدد. وحذّرت هيئة شؤون الأسرى من تزايد معدلات إصابة الأسرى بنزلات البرد والأمراض جرّاء حرمانهم من إدخال الملابس والأغطية الشتوية.

ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال 7 آلاف أسير، منهم 300 طفل قاصر، و53 أسيرة، بينهنّ 11 فتاة، و700 أسير إداري و22 صحفيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

8 أعمال روائية من أدب السجون العربي

كريم يونس.. وما تبقّى من أمل

معارك الأمعاء الخاوية.. البداية من "عسقلان"