06-ديسمبر-2017

غادر الشاب وليد الحلو مسرعاً العيادة الخاصة لأخصائي القلب، متوجهاً إلى صيدلية لشراء النوع الجديد من الدواء الذي وصفه له الطبيب، بعد أن  ساءت حالته نتيجة العلاج السابق الذي أوصى به الطبيب ذاته. كان الدواء الجديد هو الصنف الثالث الذي يوصي به الطبيب خلال شهر واحد فقط، وهذه المرة سمع من الصيدلاني القول ذاته: "هذا النوع جيد.. بالشفاء ان شاء الله".

الشاب وليد (30 عاماً)، يعاني من ارتفاع في ضغط الدم ودوار يصيبه بشكل مفاجئ، اضطر بعد أن فشلت كل المسكنات التي وُصفت له في المستشفيات الحكومية في السيطرة على المرض، إلى زيارة أخصائي في عيادته الخاصة، إلا أن النتيجة لم تكن أفضل. يقول: "اعتقدت أن الأخصائي سيشخص حالتي سريعاً، ويعطيني الدواء المناسب من أول مرة، لكن يبدو أنني أخطأت في تقديري، إذ هذا النوع الجديد الذي أحمله الآن يعد ثالث نوع أجربه بعد أن ساءت حالتي من الدواء السابق الذي كتبه لي الدكتور".

أخصائيون في عياداتهم الخاصة في غزة يعجزون عن تشخص حالات مرضاهم، ويجربون أدوية عديدة بحثاً عن علاج لا يصلون إليه في حالات كثيرة

يقول وليد لـ"ألترا فلسطين"، إن الطبيب وصف له في أول زيارة "إبرة ديكلوفين" كحل لمشكلة ارتفاع الضغط، وجزم له بأنه سيشعر بتحسن ملحوظ، لكن ما إن حُقن بها وعاد لمنزله حتى شعر بدوار شديد، وتسارعت دقات قلبه، فتناول مسكناً ليجعله قادراً على النوم، لكن ذلك تبعه ارتفاع في الحرارة وتدهور في وضعه، ولم يعد قادراً على مغادرة الفراش حتى صباح اليوم التالي.

اقرأ/ي أيضاً: أعشاب سامة في "دكاكين الطب البديل" في غزة

عاد وليد إلى الطبيب لإبلاغه بما حدث له، فكان الرد: "يا وليد رح أكتبلك نوع جديد (..) ممتاز إن شاء الله رح تتحسن منه". كان الدواء هذه المرة "فالزودادين 160 – 5"، وقد أدى إلى دوار وغثيان، يقول وليد إنه لم ينتبه لارتباطه بالدواء إلا بعد يومين من تناوله، فعاد إلى الطبيب غاضباً لإبلاغه بما حدث. يضيف، "قال لي بكل بروده هذا النوع ممتاز، لا أعرف كيف ما ارتحت عليه، رح أعطيك مسكن تمشي حالك لأنه أفضل دواء مش زابط معك".

الشاب يوسف الحواجري (23 عاماً) حالة أخرى التقيناها في سياق إعداد هذا التقرير، وحتى إنجاز التقرير كان الحواجري قد دخل متاهة العيادات الخاصة، ولم ينته منها بأي حل للآلام التي يعاني منها في أسفل ظهره حتى عضلة فخده، وتجعله غير قادر على الحركة.

يقول الحواجري لـ"ألترا فلسطين"، إن بداية بحثه عن العلاج بدأت من العيادة التابعة لوكالة الغوث، ولم يحصل منها إلا على المسكنات، فتوجه إلى أحد المستشفيات الحكومية، فحصل منه على مرهم مسكن للألم دون أي جدوى، فقرر زيارة أخصائي عظام في عيادته الخاصة. يقول: "في البداية طلب مني صورة أشعة، ثم أبلغني بعدم وجود أي مشكلة في العظم، ووصف لي دواء اسمه تريتوكس، ومعه 5 حُقن بايروكس".

ويوضح الحواجري، أن جرعات الدواء كانت تُشعره بتحسن لا يدوم أكثر من ساعتين، حتى أنهى جرعات الدواء كاملة دون أي فائدة، فعاد إلى الطبيب من جديد، ليطلب إجراء صورة "CT" لتوضيح الحالة أكثر، ويخرج بعد ذلك بنتيجة أن الحواجري لا يعاني إلا من شد في العضل.

ويضيف، "وصف لي دواءً جديداً اسمه بايروكس، وآخر اسمه أوتبان، وأكد لي أن حالتي ستتحسن باستخدامهما، ولكن كما سبق، انتهيت منهما دون أي تغير على حالتي، ولم أعد لمراجعته لأني متأكد أنه وفور أن أخبره ما حصل،  سيكتب لي علاجاً آخر فقط، فهو لا يهمه سوى الـ 50 شيقل سعر كشفية الدخول فقط" .

قرر الحواجري الذهاب إلى عيادة أخصائي عظام آخر، وبعد الاطلاع على صورة "CT" التي كان قد طلبها الطبيب السابق، أبلغه الأخصائي أنه يعاني من "بدايات غضروف من الفقرة الأولى حتى الخامسة". لم يكن ذكر الغضروف قد ورد على لسان الأخصائي الأول، ما أثار استغراب الحواجري ودفعه إلى تنفيذ التعليمات الجديدة، لكن النتيجة كانت صفر.

يمتنع الأخصائيون في عيادات غزة عن الاعتراف بعجزهم في تشخيص كثير من الحالات المرضية، وبعضهم يتهم آخرين بأنهم يتعمدون وصف علاجات خاطئة لإجبار المريض على العودة لهم

قرر الحواجري عدم العودة إلى أي طبيب، لكن تجدد الألم على نحو أشد دفعه إلى البحث عن أخصائي آخر، فزار هذه المرة أخصائي مخ وأعصاب، وأطلعه على الصور التي أجراها والأدوية التي تعاطاها، فقال الطبيب: "هذا الدواء الذي أخذته كله على الفاضي وليس له علاقة بحالتك، هؤلاء الأخصائيين كل واحد بعطيك دواء على هواه، عشان ترجعلهم". يقول إن الأخصائي كتب له نوعاً من المسكنات، لكنه لم يشتريه لأنه وجد نفسه يعاني صداعاً ودواراً وعسراً في الهضم، لكثرة تناوله المسكنات.

اقرأ/ي أيضاً: منشطات جنسية قاتلة تباع سراً في الضفة

هذه الحالات كانت جزءاً من شكاوى عامة وعديدة، اطّلع عليها "ألترا فلسطين"، تتعلق جميعها بوصف أدوية دون أي جدوى للمرضى في قطاع غزة، وفشل أخصائيين في تحديد الأمراض التي يعاني منها المرضى الذين يزورونهم في عياداتهم الخاصة. وتتضمن الشكاوى امتعاضاً من التكاليف المدفوعة على إجراء الفحوصات والصور وشراء الأدوية، وكشفيات الأطباء، دون أي فائدة.

توجهنا إلى الأخصائية العامة مها العالول، لنناقش معها مدى تناسق الأدوية الموصوفة للحالات التي بين أيدينا، فتطرقنا إلى حالة الشاب وليد الحلو، إذ أوضحت العالول أن حقنة الديكلوفين "شائعة الاستخدام دون وعي" وفق قولها، مؤكدة أنه يُمنع وصفها لأي مريض بالضغط، أو لكبار السن، أو المصابين بقرحة في المعدة، فهي تؤدي لرفع الضغط لا السيطرة عليه، وقد تؤدي إلى نزيف داخلي قاتل، خلافاً لما قاله الأخصائي الذي زاره وليد.

الدواء الآخر "فالزودادين" الذي قُدّم لوليد، مكون من نوعين هما "فالزرتان" و"أملودبين"، حسب الأخصائية العالول، الذي أكدت لنا أن هذا الدواء يُقدم مدى الحياة لمن يعانون من خلل مزمن في ضغط الدم، ولا يجوز وصفه لمن يعاني ارتفاعاً طارئاً أو مفاجئاً في ضغط الدم، فقد يؤدي إلى انخفاض الضغط بشكل حاد وتدهور صحة المريض.

وفي حالة الشاب الحواجري، أفادت العالول بأن دواء "التريتوكس" الذي وُصف له مضاد لالتهابات المفاصل، ولا يناسب حالته، وقد تظهر التبعات السلبية لتعاطيه دون سبب على الحواجري بعد سنوات. أما دواء "بايروكس" فهناك نوعان منه، حُقن وكبسولات، وهو مسكن للآلام ولا يساعد في التخلص من المشكلات، وهذا ينطبق على دواء "موفلز" أيضاً، وقد يؤدي تعاطيهما لفترات طويلة إلى أضرار جسيمة على المعدة والأعصاب.

توجهنا بهذه المعلومات إلى طه الشنطي، مسؤول الإجازة والترخيص في وزارة الصحة، وطلبنا توضيح آلية مراقبة العيادات الخاصة، فأفاد بأن فرق التفتيش تزور بشكل دوري العيادات الخاصة لمعرفة ما إذا كانت مرخصة أم لا، وإذا كان الطبيب حاصلاً على مزاولة مهنة، ومدى مطابقة تخصصه مع عمله ، مشيراً إلى أنه يتم متابعة النواحي الفنية في هذه العيادات من حيث تجهيزها بالأدوات المناسبة، ومدى صلاحياتها لطبيعة العمل.

وزارة الصحة لا تحاسب الأطباء على الأدوية التي يصفونها لمرضاهم، ولا يمكن لها التدخل إلا إذا أدى التشخيص الخاطئ لإنهاء حياة مريض أو تسبب بتداعيات كبيرة

وأكد الشنطي لـ"ألترا فلسطين"، أن كتابة الأدوية من اختصاص الطبيب الذي يشخص الحالة، "ولا يمكن لأحد التدخل في آلية كتابة العلاج"، مضيفاً، "عندما تفقد حالة حياتها أو يحصل لها تداعيات كبيرة بسبب العلاج الخاطئ الذي أوصى به الطبييب يتم فوراً تشكيل لجنة مختصة لمتابعة الأمر".

ويعني رد الشنطي بالنسبة لكثير من المرضى الذين قضوا أوقاتهم ودفعوا أموالهم دون جدوى داخل العيادات الخاصة، أن عليهم التعلق بقشة تعرف الطبيب على أسباب أمراضهم بعد تجارب عديدة، أو انتظار ارتكاب الطبيب خطأً قاتلاً بحقهم؛ يستدعي التعامل معه من قبل وزارة الصحة، وبالتالي فإنهم سيبقون، كما يقولون، رهن تجارب الأطباء، وترددهم في الاعتراف بعدم قدرتهم على تشخيص الحالات التي بين أيديهم بشكل صحيح.


اقرأ/ي أيضاً: 

"النايس جاي" تغزو القدس ببلاش وبغطاء إسرائيلي

الخليل: مراكز أشعة غير مرخصة وأجهزة متهالكة

مافيا الطب في القدس برعاية المخابرات الإسرائيلية