29-نوفمبر-2024
سرقة المساعدات في قطاع غزة.jpg

(Getty)

وصف مسؤولون وشهود عيان اللحظات الفوضوية والعنيفة التي شهدتها قافلة ضخمة تحمل كمية من الدقيق تكفي لإنتاج الخبز لثلثي سكان غزة لمدة أسبوع هذا الشهر. وأوضح المسؤولون أن الهجوم نفذته مجموعات من المجرمين، وليس المدنيين الذين أصبحوا الآن محرومين من الغذاء في منطقة قريبة من المجاعة، وفق ما ورد في صحيفة "الغارديان" البريطانية.

كان الهجوم الذي وقع في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر هو الأخطر بعد شهور من تصاعد العنف الموجه ضد قوافل المساعدات في غزة، حيث حذر الخبراء من مجاعة وشيكة. وتقدر الأمم المتحدة أن ثلث أو أكثر من مساعداتها التي تدخل غزة تتعرض للنهب. وقال أحد المسؤولين: "إنها جريمة منظمة على نطاق واسع. إنهم يأخذون الإمدادات التي تدفع ثمنها الدول الأعضاء. إنها نتيجة مروعة أخرى للحرب، ومن العار المطلق أن يُسمح للأمور بأن تسوء إلى هذا الحد".

قال أحد المسؤولين في المجال الإنساني: "معظم عمليات النهب المنظمة تجري في منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي"

وقال مسؤولون في مجال المساعدات الإنسانية إن الهجوم على القافلة كان له عواقب وخيمة للغاية. وقال أحد المسؤولين يوم الأربعاء: "لقد توقف استلام الإمدادات والوقود بشكل كامل. وبالنسبة للوقود فإن الوضع فوضوي للغاية؛ لأنه يعني أننا سنظل على الأرض إلى أن يُصْلَح الوضع".

وقال آخر إن القافلة كانت تحمل ما يكفي من الدقيق لتشغيل المخابز لخدمة 1.5 مليون شخص في وسط وجنوب غزة لمدة سبعة أيام تقريبًا. وقال مسؤول إن برنامج الغذاء العالمي أفرغ مستودعاته بعد الهجوم، ووزع ما يكفي من الدقيق لمدة يومين. وفي الأسبوع الماضي تمكنت قافلة صغيرة من جلب ما يكفي لمدة 72 ساعة أخرى. وقال "إن الأمر لا يتعدى مجرد الكفاف. ولا يوجد أي احتياطي على الإطلاق. وإذا نفد الاحتياطي، فسوف تغلق المخابز، وسيجوع مليون ونصف المليون شخص".

وتقول وكالات الأمم المتحدة إن حالة القانون والنظام تدهورت في مختلف أنحاء غزة منذ بدأت إسرائيل استهداف ضباط الشرطة الذين يحرسون قوافل المساعدات هذا العام. فيما تمكن مئات من المجرمين المدانين من الفرار في وقت مبكر من الحرب بعد قصف السجون.

وأوضحت وكالات الإغاثة، أن هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية، وهي الوكالة العسكرية الإسرائيلية التي تتعامل مع المساعدات الإنسانية إلى غزة، رفضت التصرف بشكل فعال ضد اللصوص الذين يزدادون جرأة. وقال مسؤولون إن الجيش الإسرائيلي أكد للأمم المتحدة أن طريق القافلة مؤمن.

وقال أحد المسؤولين في المجال الإنساني: "معظم عمليات النهب المنظمة تجري في منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي. ليس لديهم قوات هناك، لكن طائراتهم المسلحة بدون طيار موجودة في كل مكان". وقال مسؤول آخر في وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في غزة إنه رأى لصوصًا مسلحين "على مسافة قريبة جداً من دبابة إسرائيلية".

ووقع الهجوم يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر حوالي الساعة 1.30 صباحًا، بعد وقت قصير من تحميل قافلة ضخمة مكونة من 120 شاحنة على الجانب الغزي من معبر كرم أبو سالم من إسرائيل في جنوب شرق القطاع. ثم انطلقت القافلة إلى مراكز توزيع تابعة للأمم المتحدة في خان يونس، على بعد 15 كيلومترًا، ودير البلح، على بعد 25 كيلومترًا بالسيارة على طرق متهالكة. وقد دمرت الهجمات الإسرائيلية جميع المستودعات الأقرب، أو أصبحت غير قابلة للوصول إليها منذ أيار/مايو.

وكان من المقرر أن تغادر الشاحنة قبل الفجر بقليل، ولكن غُيِّر توقيت انطلاقها في اللحظة الأخيرة في محاولة لخداع اللصوص. وعبرت المركبات الرائدة منطقة قاحلة مهجورة شهدت العديد من الكمائن، ثم اتجهت شمالًا على طريق صلاح الدين، الشريان الرئيسي في غزة. وسمح المهاجمون للشاحنات العشر الأولى بالمرور، لكنهم أطلقوا النار على إطارات الشاحنات التي تليها، مما أدى إلى عرقلة مرور الشاحنة رقم 97 التي كانت خلفهم.

وذكرت بعض المصادر أن مئات المسلحين ببنادق هجومية هاجموا في ظلام دامس تقريبًا، وأطلقوا النار في الهواء أو باتجاه الشاحنات، وضربوا السائقين أو هددوهم، ثم أجبروهم على قيادة شاحناتهم إلى قواعد معدة مسبقًا ومزودة بشاحنات رافعة شوكية حيث أُمروا بتفريغ حمولتها.

وقال مسؤولون في مجال المساعدات الإنسانية إن الهجوم يمثل "تغييرًا هائلًا" في الحجم والطموح. فقد حققت العصابات مبالغ ضخمة في الأشهر الأخيرة من خلال سرقة وتخزين المساعدات. وارتفعت أسعار المواد الأساسية في غزة بشكل حاد مع انخفاض كميات المساعدات المقدمة بشكل حاد. وكانت كل شاحنة نهبت في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر تحمل أكثر من 400 كيس من دقيق القمح، كل منها بقيمة 100 دولار في أسواق غزة.

ولم تفلح الجهود الرامية إلى إنشاء طرق بديلة لتجنب أجزاء الطريق الأكثر عرضة للنهب. ففي الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، تعرضت القوافل الأولى التي حاولت استخدام طريق أكثر مباشرة إلى دير البلح من معبر كيسوفيم الذي اُفْتُتِح حديثًا للهجوم، حيث تعرضت 14 شاحنة من أصل 20 شاحنة للنهب. وتم نقل أربعة سائقين إلى المستشفى، ثلاثة منهم مصابون بطلقات نارية.
وقد ورد اسم المنظم الرئيسي للنهب في مذكرات داخلية للأمم المتحدة اطلعت عليها صحيفة "الغارديان"، وهو ياسر أبو شباب، وقالت مصادر في الأمم المتحدة إنه هدد منذ ذلك الحين بقتل أي سائق يعمل على قوافل المساعدات.

وبعد عملية أمنية ضد العصابات، كشف تفاصيلها موقع "الترا فلسطين"، قال مسؤول في حماس إن العملية أظهرت أن الحركة لا تزال تحكم غزة. وأضاف: "حماس كحركة موجودة... وحماس كحكومة موجودة أيضًا، ليست قوية كما كانت في السابق، لكنها موجودة".

وأضافت "الغارديان": "على مدى الأشهر الأخيرة، ظهرت مجموعة من الجهات الفاعلة العنيفة في غزة، بما في ذلك مجموعات الدفاع المجتمعية والميليشيات المرتبطة بالعشائر". وقال زعماء المجتمع المحلي إن السكان المحليين قاتلوا ضد اللصوص يوم السبت، وتمكنوا من استعادة بعض الشاحنات المسروقة، والتي أعيدت بعد ذلك إلى برنامج الأغذية العالمي. وبرزت منطقة وسط غزة كمركز لمواجهة العصابات المسلحة التي تعمل في الجنوب.

وأفاد "الترا فلسطين"، في وقت سابق، بأن الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس، نفذت عملية أمنية ضد عصابة ياسر أبو شباب، الذي يعمل على سلب المساعدات في غزة، ما أدى إلى مقتل شقيقه. وأشارت مصادر "الترا فلسطين"، إلى أن 5 عصابات كانت تعمل في جنوب قطاع غزة، تمكنت الأجهزة الأمنية التابعة لحماس من تفكيك 3 منها.