18-يونيو-2019

قبل سنواتٍ كان "فيس بوك" الميدان المُحرَّم على حركة فتح، البيان الورقي والنداء الوطني والتصريح من أعلى موقعٍ قياديٍ هو الرد الملزم والنهائي ولا تفاعل حوله ولا تأخير ولا تقديم، فيما الجمهور ينقل الجنود ويؤخر الخيول ويركب الفيلة في ميدانٍ مفتوحٍ بلا حواجز.

التواصل الاجتماعي يصنع ملحمة ذهنية في هذه السنوات، وعلى الأغلب أن تستقر هذه الملحمة قريبًا

حديثًا يحصل العكس، فقد أجبرت تفاعلات المنصات الاجتماعية، الحركة، على الحركة السريعة، فبعد ساعاتٍ من نشر صور عرس دير قديس تجند فتحاويون كثر للنقد والمطالبة بالمحاسبة وبلجان التحقيق، وما أن طلع الصبح على العرس حتى كانت لجنة التحقيق قد تشكلت وتم فصل المنتمي للحركة الذي استضاف المستوطنين إلى عرس القرية، وتم إبعاده عن منصبه في الهيئة المحلية.

اقرأ/ي أيضًا: وهم الحرية

هذا حسن، وحسنٌ جدًا، فبدل أن يتطوع الحرس التقليدي من كُتاب الحركة إلى شتم "فيس بوك"، جاء جيلٌ جديدٌ تحول بعد تجربةٍ مريرةٍ من النقد، إلى متفاعلٍ ومتجاوبٍ مع الجمهور بسرعةٍ أكبر من الهاتف الثابت أو المجلة الصحفية للإذاعات أو بيان الحركة.

التواصل الاجتماعي يصنع ملحمة ذهنية في هذه السنوات، وعلى الأغلب أن تستقر هذه الملحمة قريبًا. الاستقرار على الأغلب سيكون باستهلاكٍ مخففٍ وترشيدٍ في الإنتاج، وعودةٌ إلى "المطالعة" كدواءٍ بدل المحي الإلكتروني الذي أنتجته السوشال ميديا.

الإعلام السياسي الفلسطيني بدأ ينتبه لكل هذه المستجدات، لم يعد لأي حزبٍ سياسيٍ فرصة لترك الصفحة عشر دقائق بدون متابعةٍ وتحليلٍ وردٍ على أي تعليقٍ أو تساؤل. هذه الوظيفة كانت موجودة في كل الأحزاب، تاريخيًا جلست سيداتٌ ورجالٌ جميلي الخط وردوا بالأقلام الملونة على الرسائل الورقية، وعلى الإيميلات لاحقًا، وبرروا وجهة نظر الأحزاب دائمًا وفي كل العالم فعلوا ذلك.

أحزابنا العربية والفلسطينية تأخرت في هذه المهارات، لكن الوقت لم يفت.

في الفترة الأخيرة، وفي أكثر من ملف تفاعلت فتح من بوابة السوشال ميديا، في الزيادة السرية على رواتب الوزراء، وفي عرس دير قديس، وفي تسريب قضية مرافق لكل وزير، وفي دخول محمد اشتية إلى الحكومة، واستخدام وزيرة لصفحة الوزارة في نشر صور شخصية، وتكريم الفنانة إلهام شاهين، وقضايا أخرى لا تقل تعاسة. هذا جيد "والحمدلله".

لكن ونحن أمام هذا الانتقال في الإعلام الحزبي، يجب تحذير الإعلام السياسي من لوثاتٍ في السوشال ميديا، لوثاتٌ فهمت مراتٍ كثيرةٍ على أنها أدواتٌ ولكن الممارسة أفشلتها وأظهرت رداءتها، منها مثلاً التحفيل الإلكتروني الذي نما وترعرع منذ سنواتٍ لدى الأحزاب الفلسطينية الكبيرة، واستخدمته للانقضاض على منتقدين بصورةٍ غير أخلاقيةٍ عبر تجييش التعليقات كي تفكك كل حرفٍ وتلعن كل قصدٍ وتكسر أمنيات أي معنى لأي بوست صدر معاكسًا أو منتقدًا للحزب السياسي.

"الذباب الإلكتروني" أو "جيش الذباب" الذي تشدق به بعض صغار إعلاميي الأحزاب على أنه فكرةٌ متاحةٌ للتجاذبات السياسية، هو في حقيقة الأمر فكرةٌ فاشيةٌ تمامًا، فلا يمكن ائتمان آلاف المحازبين في الرد على أحد الخصوم، والآلاف هؤلاء لا يمكن ضبط مشاعرهم وأخلاقياتهم وحتمًا في جمهرتهم ستنبثق الفاشية والشعبوية والشتائمية، وهو ما سيُحوّل أداة التواصل السياسي الخلاّق إلى مخزنٍ للشعبوية والرداءة التي سيدفع الحزب ثمنها من رصيده وشعبيته.

"إنتاج فيديوهات مسيئة"، هذا مرضٌ أيضًا في الإعلام السياسي والحزبي

"إنتاج فيديوهات مسيئة"، هذا مرضٌ أيضًا في الإعلام السياسي والحزبي، استُخدِم في موجات الربيع العربي، الصادق من الإنتاج الفيديوي الحزبي، بقي إلى اليوم على المنصات والمحركات، والمسيء فتح لنفسه مكتبة متخصصة في النماذج الرديئة التي يعود لها مدربون ومحاضرون للتدريب والتدريس على "ماذا لا تفعل على منصات التواصل؟".

"الصمت الطويل على الحدث"، والترفع عن الرد وتأخيره، أو انتظار المفوض العام كي يعطي تعليماته، أيضًا هذا سلوك غير حسن، فخاصية التفاعل هي أحدث ما جاءت به أجيال الإنترنت، وهي جوهر التواصل الاجتماعي الحديث، وصار لها تمثلاتٌ في الرأي العام والسياسة والاقتصاد وتاريخ الأديان وتبدلات الموسيقى إذا أردتم.

الأمل كبير في مصفوفةٍ جديدة من الإعلاميين الحزبيين الفلسطينيين الجدد، الذين سيتركون معزوفات الأجيال السياسية المتوترة، نحو ثقافةٍ وسياسةٍ إعلاميةٍ جديدة مهنيةٍ وخلاقةٍ وفاعلة.


اقرأ/ي أيضًا: 

هيئات الدولة أم الفيسبوك؟

قيادة بالريموت كونترول

السيد تيك - توك