19-سبتمبر-2018

مشهد من فلم عاصفة رملية

الحلقة الأولى "عاصفة رملية"

ستذهب إلى الصحراء، وبين بيوت الطوب بأسقف من صفائح الحديد وقطعان المواشي والطرق الترابية، ستجلس مع بدو النقب لمدة ساعة ونصف تقريبًا. ستتعرف خلالها على ليلى وعائلتها: أمها، أبوها، أخواتها، زوجة أبيها وحبيبها السري.

الأفلام العالمية والدراما العالمية على شبكة "نتفليكس" بابٌ لفضولٍ لا ينتهي، لا أعرف إذا كانت هذه عقدة نفسية أم ماذا، ولكن مجرد رؤية فيلم توحي صورته المعروضة بما هو عربي أو اسلامي، فإن الفيلم يُحفظ فورًا في القائمة لمشاهدته فيما بعد، هناك حاجة غريبة لمتابعة هذه الأفلام وهي ليست متابعة عادية على كل حال، ففيها تحتاج إلى دفتر ملاحظات وقلم.

قضايا فلسطينية حساسة يختارها فنانون إسرائيليون لتكون أعمالهم على مسارح العالم ومنصاته

توحي لك بداية  فيلم "عاصفة رملية" بأنك ستشاهد ما يخالف الصورة النمطية  عن حياة البدو، فالأب وابنته ليلى تجمعهما علاقة قوية ستعتقد أنها لا تناسب الطبيعة القاسية التي يعيشها البدو، والتي قد تعني بالمجمل تقسيمًا تقليديًا وبدائيًا للأدوار يمارس فيه الرجل سلطات واسعة، بينما يضيق حيز التعليم والعمل بالنسبة للنساء. ولكن والد ليلى يدرب ابنته على القيادة وهو تحدٍ لمجتمعه يظهر من خلال حرصه أن يتولى هو القيادة بمجرد الاقتراب من المنزل. بالإضافة للقيادة فإن استفسار الأب عن علامات ابنته في المدرسة يعكس العلاقة القوية بينهما، ويعكس أيضًا أن الأب ليس فقط صديقٌ جيد لابنته بل هو أيضًا متمردٌ على تقاليد عشيرته.

اقرأ/ي أيضًا: فلم 7 أيام في عينتيبي.. محاولة فاشلة في الحياد

إذًا نحن في صحراء النقب. نحن تحديدًا في منزل ليلى نشاهدها وهي تساعد أمها في تركيب سرير جديد سنعرف فيما بعد أنه مخصص لوالدها وزوجته الجديدة التي قرر أن يتزوجها لإنجاب "الولد الذي سيحمل اسمه"، الأب تقليدي ويريد ولد! والأم مضطرة أن توافق على زواج زوجها بل وتنظمه له، وليلى تعيش حبًا ممنوعًا مع شاب من خارج قبيلتها. إذًا المشهد التقليدي لحياة البدو يعود من جديد وخدعة المشهد الأول انتهت.

كما تتوقع سيأخذك الفيلم بعدها إلى مشاهد معتادة من حياة البدو أبطالها ليلى وعائلتها، فالفقر تعكسه البيوت والطرق وملابس الأطفال، والعادات والتقاليد في الزواج والحب والحاجة لإنجاب الذكور مازالت قائمة بشكلها البدائي الأول. كل هذه المشاهد محورها هو الشخصيات النسوية: ليلى وأمها، المشاهد مصممة لعكس واقع المرأة البدوية، والقصة تطرح الصراع بين أجيال مختلفة تواجه فيه الأم وابنتها ظروفًا اقتصادية واجتماعية قاسية  تتعامل كل منهما معها بطريقة لا تروق للأخرى فتخلق بينهما مشاكل، فالأم التي تعيش أوقاتٍ صعبة بسبب زواج زواجها من أخرى، تجد نفسها أمام ابنة تتمرد على عادات مجتمعها البدوي بقصة حب ورغبة بحياة مختلفة عن حياتها.

حسنًا، ربما كل تلك المقدمات عن الفيلم لا داعي لها، حيث لم يقدم الفيلم بالنسبة لي كمشاهدة أي مفاجآت من ذلك النوع الذي تحمله الأفلام، أقصد تلك المفاجآت التي تفتح فمك وتجحظ عيناك دهشة بسببها، أو تلك التي تدفعك للبكاء، أو الضحك الشديد، أو التوقف عن عادة ما، أو القلق ليلاً بسبب مشهد في الفيلم لا يفارق رأسك. كل هذا لم يُحدثه "عاصفة رملية"، ولكن ما أحدثه الفيلم قبل أن يبدأ كان أهم بكثير مما أحدثه بعد انتهائه، فاللغة العبرية التي قدمت الفيلم، وشركة إنتاجه ومؤلفته ومخرجته الإسرائيلية إيليت زيكتسر. إنه الفيلم الذي اختارته "اسرائيل" ليمثلها في حفل جوائز الأوسكار عام 2017.

الموضوع شائك. قضايا فلسطينية حساسة يختارها فنانون إسرائيليون لتكون أعمالهم على مسارح العالم ومنصاته. في الحقيقة لا يمكنك أن تنكر أن هذه القضايا حقيقية لأنها حقيقية بالفعل! إنها موجودة وهي جزء من وحل الهزائم الذي نغرق فيه، ولكن أن يتم عرضها وتقديمها من قبل "إسرائيل" هذا يسبب لنا اضطراب عاطفي لا نتمكن فيه من إسناد الضحايا الذين هم نحن!

"إسرائيل" تستخدمنا، تستخدم مشاكلنا لتلميع نفسها، وبينما نتهمها بتشويه صورتنا أمام العالم نحن نعرف أنها لا تكذب حتى وإن كان ما تقدمه مختارًا بعناية لدعم معركتها ضدنا، فإنها لا تكذب عندما يتعلق الأمر بالحياة القاسية على النساء البدويات في صحراء النقب مثلاً.

حتمًا سأضيف أفلامًا جديدة إلى قائمتي، وربما سأكتب مقالات عنها. وربما سيظل التساؤل الأهم: كيف نتعامل مع الاستغلال الاسرائيلي لمشاكلنا الاجتماعية –هذا اذا اتفقنا على تسميتها مشاكل- للترويج لنفسه ولتلميع صورته كوصيّ ومنقذ لنا كمجتمع بدائي يأكل نفسه ويظلمها؟


اقرأ/ي أيضًا:

فيلم بيروت.. صدى قديم جديد للإمبراطورية

8 أفلام أجنبية تناولت القضية الفلسطينية

ستة أيام.. نبوءة بركات: الهزيمة وما قبلها