03-سبتمبر-2019

عندما زُرنا منى طوافشة (80 عامًا) في بلدة سنجل شمال رام الله، وجدناها تشرب بالصدفة خليطًا حضرته من ورق شجر الزعرور لعلاج السعال، وهو ما أعطى انطباعًا للوهلة الأولى لتمسكها بالطب التقليدي القائم على الأعشاب البرية.

تروي طوافشة المعروفة في سنجل باسم "أم غازي الهندي"، أن حياة الفلسطينيين في الماضي اعتمدت على الزراعة والأعشاب قائلة: "الخضار كان أكبر دواء لدينا" وتقصد النباتات الخضراء. وأضافت، "اليوم تنتشر الشوكلاتات والمشروبات الغازية والدجاج المربى على العلف، أما في الماضي فكان الصبي يحمل في جيبه القطين والزبيب".

الفلسطينيون يتوارثون وصفات علاجية تعتمد على النباتات البرية ويستخدمها بعضهم بديلة عن الدواء

تُعرف طوافشة في مجتمعها المحلي بأنها ذات خبرة في النباتات البرية، وخلال لقائنا معها قدمت ما تُسميها "وصفات علاجية" وأخرى للطعام.

نباتات برية لـ"العلاج"

تقول طوافشة، إن على المصاب بالحصوة والرمل، البحث عن عشبة تسمى عشبة الرمل، التي تنمو وتتمدد حتى يصبح لون زهرها يميل إلى الأبيض، وهنا يتم قلعها من الأرض وتجفيفها، ثم غليها ووضعها في الثلاجة، وشرب كاسة في النهار وكاسة في الليل، وهي كما تقول تغسل الكلى والكبد.

أما المُصاب بالبواسير فتنصحه "بحصى البان" أو كما يعرف "بأكليل الجبل"، حيث يتم غليه وشربه، وفي الحالات المزمنة يتم غليه مع كمية كبيرة من الماء والملح، والجلوس عليه داخل وعاء بشكل يومي ولمدة أسبوع.

إكليل الجبل - حصى البان

وتُضيف، "كنا نبحث عن عشبة الدم، نقوم بتجفيفها وطحنها، وعندما يجرح الشخص نقوم بوضع هذه العشبة في مكان الجرح لوقف النزيف وكتم الجرح. والطيون أيضًا يستخدم في وقف النزيف، حيث يتم قطعه ودقه ووضعه في مكان الجرح"، وتستشهد لتأكيد ذلك بنجاح هذه التجربة مع ابنها في الخلاء.

نباتات برية للغذاء

أما عن الأعشاب البرية التي استخدمها الفلسطينيون في الغذاء، فتشير طوافشة إلى "المرار" الذي يُفرم ويُسلق ثم يُعصر ويُخلط مع الليمون أو اللبن، إضافة إلى "العلك" يُفرم ويُؤكل بعد عصر الليمون عليه ووضع الثوم، وهو كما تقول "أفضل صحيًا من اللحمة والدجاج الذي يتربى على العلف والكيماوي" وفق تعبيرها.

وتتابع، "كنا نبحث عن اللوف ونفرمه ونقوم بعمل حوسة مع بصل وزيت زيتون والإفطار عليه صباحًا دون خبز، وكذلك اللسين والركف".

    باحث: يوجد في فلسطين أكثر من 3 آلاف صنف نباتي      

ولعل أشهر النباتات البرية وأكثرها استخدامًا هما الميرامية والزعتر، إذ يتم تجفيف الميرامية وغليها وشربها كنوع من العلاج لأمراض المعدة، أو لإضفاء نكهة خاصة على الشاي. أما الزعتر، فيخبز مع العجين والبصل والسماق وزيت الزيتون لتحضير فطائر الزعتر، أو لعمل ما يعرف في الأرياف بالدقة (الزعتر المطحون).

الميرمية

وتُبين طوافشة، أنهم كانوا يُسافرون مسافاتٍ طويلةٍ تصل إلى الأغوار لقطف "البكل" و"الحميضة" وعشبة "جزر أبو علي".

الطيون

3 آلاف صنف نباتي في فلسطين

زيارتنا لطوافشة جاءت بعد محاضرة نظمها منتدى الخبرات التابع لبلدية رام الله، بعنوان "النباتات البرية الفلسطينية وارتباطها بحياتنا اليومية"، تحدث فيها الباحث خالد أبو علي، المهتم بقضايا البيئة والتراث ومؤسس صفحة "مشوار" على موقع "فيسبوك".

الباحث أبو علي خلال المحاضرة

ورأى أبو علي أن الاحتلال الإسرائيلي عجز عن طمس معالم الأشجار والنباتات الفلسطينية التي كانت مصدر رزق لأبناء هذا الشعب، مثل الزيتون الرومي، والتين، والرمان، والصبار، والنباتات والأعشاب الطبية.

وبيّن أبو علي، أن معظم النباتات في فلسطين ذات موئل شرق أوسطي (منطقة البحر المتوسط)، ويربو عددها على ثلاثة آلاف صنف، إضافة إلى العديد من الأصناف التي لم يتم اكتشافها حتى الآن.

      باحث: الفلسطينيون حولوا نباتاتٍ سامة إلى أغذية      

وأوضح أن الزهور والغطاء النباتي يختلفان عامة باختلاف البيئة الفلسطينية؛ فبعض الزهور والنباتات لا تنمو إلا في الأغوار، والبعض منها لا ينمو إلا في الجبال، في حين تنمو زهورٌ أخرى في مناطق المتوسطة الارتفاع؛ كما تختلف تبعًا لذلك مواعيد البزوغ والإزهار والنضج؛ فتزهر معظم النباتات في الأراضي الفلسطينية خلال فترة الربيع، إلا أن تأثير درجة الحرارة، يبدو واضحًا على موعد تفتح الأزهار.

وتخلل المحاضرة استعراض العديد من الأزهار البرية في فلسطين مع الصور التي التقطها الباحث بعدسته خلال جولاته الميدانية في البلاد، بعضها استخدمها الفلسطينيون عبر التاريخ جزءًا من نظامهم الغذائي والدوائي، وبعضها استخدم في بعض التكتيتات الحربية عبر التاريخ، فيما بعض النباتات والأشجار كان سامًا جدًا، "لكن الفلسطينين حولوا قسمًا منها إلى أطباق شهية" كما قال.

ومن النباتات والأشجار التي تم الحديث عنها: الرجلة (البقلة والفرفحينة)، الطيون، الحميض، الخبّيزة، القريص، السنّارية، ورق اللسان أوالسَيْنَة، المريمية، أكليل الجبل أو حصى لبان، اللوف، الزعيتمانه، الزعمطوط (الركف، بخور مريم، عصا الراعي)، سوسنة فقوعة، العكوب، الهندباء البرية أو العلك البري، العجرم أوالهليون، القبار، تفاح الجن أوالشِّجَّاع، تيفاف، الزعرور، السماق، النعنع البري، نبات العنصل (الغصلان والغوصلان)، هجليج (السدر والدوم)، القُنْديل، الوزال، الرتم، السماق، الخروع، قث الحمار، العشر، وأخيرا شجرة الدفلى السامة.


اقرأ/ي أيضًا: 

غزال الجبل الفلسطيني: ارحموني

السوسنة الأخيرة!

محاضر جامعيّ صباحًا ومزارع جوافة مساءً