29-مايو-2016

كتاب المدنيات ينسف التاريخ ويحشرهُ في إطار الرؤية الصهيونية(دافيد سيلفرمان/Getty)

"المدنيات: أن نكون مواطنين في دولة إسرائيل الديمقراطية واليهودية"، لا تعود تلك الكلمات إلى ملصق دعائي لقيام "الدولة اليهودية"، أو شعار لمؤتمر حزبي ينظمهُ اليمين المتطرف في أحد المستوطنات، إنه "كتاب تربوي" أعدَّ لتدجين الطلاب العرب في مدارس الأراضي المحتلة عام 1948، إذ لم يكتف الاحتلال بسرقة الأرض، ونهب خيراتها، وتهجير أغلب سكانها، وإنما يريد في مسلسلهِ الجديد طمس الهوية كليًّا، ليشمل بذلك الأجيال المقبلة، الأمر الذي يضع فلسطينيي 48 أمام معركة مصيرية وفاصلة حول المستقبل، سيترتبُ عليها إما "أسرلة" أجيال عربية بأكملها، إن فرض ذلك المنهاج، أو الحفاظ على الهوية الوطنية والقومية لما تبقى من عرب تلك البلاد.

كتاب "المدنيات" ينسف التاريخ ويحشرهُ في إطار الرؤية الصهيونية وما تقدمهُ من روايات يهودية غارقة في التطرف

اقرأ/ي أيضًا: التنمية والتعليم في فلسطين.. المنهج استعماري!

كيّ وعي الطالب

كتاب "المدنيات" ينسف التاريخ، ويحشرهُ في إطار الرؤية الصهيونية، وما تقدمهُ من روايات يهودية غارقة في التطرف، تسعى إلى كي وعي الطالب العربي، وفك ارتباطهِ بتاريخهِ، وحضارتهِ وأمته وأرضهِ، في عملية "تربويةٍ" لا تخجل من نفي الآخر، صاحب الأرض، والترويج لأطروحة "الوعد الإلهي"، و"الحق التاريخي لليهود على أرض إسرائيل"، وأن قيام "دولة" الاحتلال ما جاء إلا "ترجمة للوعد الإلهي واستجابة لتطلعات الأنبياء"، وأن "علاقة وحق اليهود في أرض إسرائيل هما مطلقان".

وضمن لعبة "الصراع الهوياتي"، يعمل الكتاب على إحالة هوية فلسطيني 48 إلى هويات فرعية وثانوية منغلقة، ضمن مستويات طائفية وقومية، كـ "العرب والدروز والشركس والآراميين". ويشير الكتاب في سياق اللعبةِ ذاتها إلى عرب 48 باعتبارهم "الناطقين باللغة العربية"!، وأن "القسم الأكبر منهم يُعرفون أنفسهم كفلسطينيين"، ما يعني أنهم ليسوا عربًا، في محاولةٍ لزيادة وتيرة الحساسيات والتشظي داخل الصف العربي.

نكبة تربوية

قوبل الكتاب برفض شعبي في الداخل، وثمة أصواتٌ عدة تصدحُ بالخطر الداهم المتمثل في "المدنيات"، ومن تلك الأصوات من رأى أن "الاحتلال حاول طوال سنواته السابقة "فرض الهيمنة الثقافية"، والتي من شأنها أن " تشوّه الهويّة عبر مناهج تدريسيّة تسعى إلى خلق هوية (عربية إسرائيلية) مقتلعة من جذورها القومية والثقافية، لا مرجعية لها في الوطن العربي والشعب الفلسطيني"، كما تقول الناشطة التربوية والسياسية نيفين أبو رحمون لـ "الترا صوت".

وبحسب أبو رحمون فإن "المؤسسة الإسرائيلية من خلال مناهجها تسعى إلى التأثير على شخصية الطالب الفلسطيني لتشكل شخصية متهودة ولا مبالية وبعيدة كل البعد عن الهوية الوطنية الفلسطينية، وبالتالي العمل على تنشئة جيل خاضع ومطيع ولا يملك أبسط مقومات التحدي والتغيير".

وتنوه أن "تطبيق هذه السياسة مرهون بالمعلمين حيث تتناقض هنا هويتهم القومية مع هذه السياسة، وبالتالي وعي المعلم الفلسطيني لانتمائه ورغبته في صقل وتعزيز هذه الهوية لدى طلابه تصطدم مع المفروض عليه في خدمة تلك الأهداف التي وضعت له".

وأمام هذا التحدي، توضح أبو رحمون آليات إجهاض هذه "النكبة التربوية"، مشيرةً إلى أن "معركتنا في البلاد على الوعي والهوية وعلينا أن ننتصر لذلك، ومن المهم مقاطعة هذا الكتاب والتصدي له بقوة"، وترى أن "كتاب وموضوع المدنيات يشكل عقبة أمام وعي الطالب الفلسطيني في محاولة إلى هندسة هوية جديدة بمعايير إسرائيلية، ولكن اليوم في ظل هوس النظام الكولونيالي في يهوديته يطرح من جديد مصطلحات تحمل بعدًا واحدًا في التعامل مع المواطنة، تطلب بشكل واضح الولاء لهذه (الدولة)".

وتحذر الناشطة التربوية في أراضي عرب 48 من أن "المؤسسة الإسرائيلية تعمل منذ نكبة شعبنا على فرض مناهج تعليمية ملوثة بعيدة عن واقع الطالب الفلسطيني بهدف تقويض هويته، وبالتالي تعمل على تغييبه، بل وإبعاده عن الهم الوطني والسياسي، والمناهج هي الوسيلة الأنجع التي من خلالها تخترق المدارس وتؤثر في حياة الطلاب".

اقرأ/ي أيضًا: أطفال فلسطين في سجون الاحتلال.. لقاء مبكر بالجلاد

تسلل إلى التاريخ

يسعى الاحتلال اليوم إلى التسلل عبر المناهج والمقررات المدرسية، للوصول إلى عقل الطلاب العرب من أجل صياغة وعيٍ جديد مشوهٍ لهم

في السنوات القليلة السابقة، تسلل "الصحفي الإسرائيلي" يؤاف كارني خلسة إلى التاريخ، محاولاً ليَّ عنقهِ في احتفالية مرور مائة عام على تأسيس حيفا، العربية بكل تأكيد، متناولًا تاريخًا مشوهًا لا تعرفهُ المدينة، ولا سكانها العرب، عندما أخذَ يدبغُ مقالاً له، بما تركهُ سلفهُ المؤرخ الصهيوني "إسحاق بن تسفي"، في كتابه "تاريخ أرض إسرائيل"، وليس بعيدًا عن تلك المحاولة، يسعى الاحتلال اليوم إلى التسلل عبر المناهج والمقررات المدرسية، للوصول إلى عقل الطلاب العرب، من أجل صياغة وعيٍ جديد مشوهٍ لهم، في عمليةٍ خطيرةٍ، لم يعطها الإعلام العربي إلا قليلاً من الضوء، مقابل الضجيج الذي صاحب انضمام المتطرف ليبرمان إلى حكومة نتنياهو!.

وبينما يعمل الاحتلال على تكريس صورة مشوهة لدى الطالب العربي، فإنه لا يتوقف عن عسكرة الطالب "الإسرائيلي"، وتغذيته بالعنف والكراهية والتحريض، وهو ما أكده الباحث الخبير في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت في أحد أبحاثه، مشيرًا إلى أن التعاطي الإسرائيلي "لا ينحصر مع الإنسان العربي الذي تغلب عليه سمة الشيطنة في كتب التدريس فحسب، وإنما تنعكس تعبيراته أيضًا في أدب الأطفال الإسرائيلي والأدب الإسرائيلي عمومًا، بمقدار ما تنعكس في سائر مضامير الثقافة الإسرائيلية".

يشار إلى أن الكتاب جرت عملية إعادة صياغة له خلال ولاية حكومات بنيامين نتنياهو، منذ العام 2009 وحتى اليوم. وبدأت هذه العملية عندما كان غدعون ساعر، من حزب الليكود، وزيرا للتربية والتعليم، وانتهت خلال ولاية رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، وزير التربية والتعليم الحالي، وأخضع الوزيران موضوع المدنيات لأجندة حزبية يمينية.

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة مالية تعصف بالجامعة الإسلامية بغزة

التعليم المهني بغزة.. بوابة فرص