16-يناير-2017

تعقد السيدة أم وليد قَمطة رأسها بإحكام وهي منشغلة في حرق الكارتون لإشعال الموقد توطئة لتسخين الحساء، بعد نفاد اسطوانة الغاز وفقدان الكهرباء، وحولها اثنين من أطفالها ينتحبان احتجاجًا على تأخر وجبة الغذاء. ويبدو أن احتراقًا أصاب عينها نتيجة انبعاث الدخان فسعلت بشدة ومسحت دمعة قبل أن تحرك الحساء بملعقة خشبية.

 بينما كانت تتسع رقعة الاحتجاجات على أزمة الكهرباء الخانقة، كانت ثمة سيدة تواجه المأساة بصمت، بعيدًا عن ضوضاء العالم الأزرق وحالة المشاحنة 

ولا تجد أم وليد (42 عامًا) القاطنة في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، بُدًّا من استخدام الكارتون والحطب بدل الغاز والطاقة، حيث تقول إن الاستسلام إلى حالة الافتقاد إلى أدنى مقومات الحياة التي تعيشها غزة "يعني أننا سنترك أطفالنا يموتون جوعًا، ولهذا لا بُدّ من البحث عن بديل"، رغم أنّ هذا البديل أشبه بحياة بدائية عاشها أهالي المخيم قبل أكثر من 50 عامًا.

وبينما كانت تتسع رقعة الاشتباك بين الشبان المحتجين على أزمة الكهرباء الخانقة في قطاع غزة هذه الأيام، ومحاولات الشرطة فضّ المظاهرات التي انتشرت في عدد من الأحياء بالقوة، كانت ثمة سيدة تواجه المأساة بصمت، بعيدًا عن ضوضاء العالم الأزرق وحالة المشاحنة.

اقرأ/ي أيضًا: سرطان الثدي قد يعني الطلاق بغزة

فالنسوة اللواتي يقطن التصاقًا ببيت أم وليد مثلًا، لا تقوى على فعل مشابه بإشغال المواقد نظرًا لأن أسقف بيوتهن من الصفيح والاسبست، بيد أن أم وليد تملك منزلًا سقفه من الخرسان، وهذا بحد ذاته يعد ميزة في الأحياء والمخيمات، حيث توضح السيدة أنها تدعو جارتها ممن يعانين من الأزمة ذاتها، لطهي طعامهن على ذات الموقد باشتراط اصطحاب الكرتون أو الأخشاب معهن.

ولغسل الملابس حكاية أخرى مع النسوة في غزة، فبعد وصول التيار الكهربائي لثلاثة ساعات من أصل 24، يتحتم على معظمهن أن يقمن بغسل الملابس على أيديهن بدل الغسالات، التي تهكّم البعض على حالها بوصفها أصبحت "مخزنًا صغيرًا" لعدم القدرة على تشغيلها، بسبب انقطاع الكهرباء.

وتنام السيدة وفاء خليل وهي أم لسبعة أطفال، ليلها بعينين مفتوحتين ترقُّبًا لوصول الكهرباء، حتى تقوم بعملية شحن البطاريات الخاصة بالإنارة البديلة (اللدات)، والثلاجة وغيرها من الأجهزة الكهربائية. وتشير السيدة القاطنة في مخيم البريج وسط قطاع غزة، إلى أنه لم يعد بمقدورها خبز الدقيق بعدما اضطرت لإتلاف دورتين من العجين، لعدم انتظام وصول التيار الكهربائي، واستعاضت عنه بشراء الخبز الجاهز.

وكظمت السيدة غيظها عند سؤالها عن كيفية مواجهة معضلة عدم توفر الإنارة تزامنًا مع اختبارات نصف العام المدرسية، حيث زمّت شفتيها قليلًا ثم ردت: كنت أجاهد النعاس والصداع وأنا أحمل كاشفًا ضوئيًا أثناء إجراء مراجعة المواد المدرسية مع أطفالي، فبعد نفاذ البطاريات لم يكن هناك فرصة إلا استخدام الكشّاف.

اقرأ/ي أيضًا: بالصور: غزة.. هل يزيل الفن آثار العدوان؟

وعلى بعد كيلومترين من مفترق (الترنس) شمال قطاع غزة، الذي احتشدت فيه الجماهير رافعة شعار (بدنا كهرب)، كانت الخمسينية نبيلة عبد الرحمن، تجري اتصالات بمركز الإسعاف لغاية جلب اسطوانة أوكسجين إلى زوجها الذي تضاعفت أزمته الصدرية لعدم القدرة على تشغيل جهاز التنفس الذي يعمل بالطاقة.

وتلفت السيدة المنتقبة، إلى أن أكثر ما تعانيه هو توقف جهاز الأوكسجين عن العمل بفعل أزمة الطاقة، لاسيما أن زوجها لا يمكنه الاستغناء عن الجهاز إلا لساعات قليلة خلال اليوم، في حين أن التيار ينقطع لما يزيد أحيانًا عن 20 ساعة، وقالت بصوت مختنق: "بالنسبة لنا كأسرة فقد نستغني عن تشغيل الثلاجة أو الغسالة وحتى الإنارة، لكننا لا يمكن أن نستغني عن تشغيل جهاز الأكسجين الذي يعين زوجي على الحياة".

ولم يسجل خروج أي من هؤلاء النسوة إلى الشارع احتجاجًا على الأزمة الراهنة، غير أن عشرات الناشطات كن قد انتقدن وبشكل لاذع الجهات المسؤولة على إدارة قطاع غزة، وكذلك رئيس السلطة محمود عباس، ورئيس وزرائه رامي الحمدلله، لعدم وضع حد للمشكلة التي تتفاقم من حين لآخر. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عن أي حصار يتحدث الغزيون؟

النقاش عن بطش حماس: حلب وغزة والفرق بينهما

غزة ملّت ظلامها!