يثير فرار رئيس النظام السوري بشار الأسد وسقوط نظامه الكثير من الاهتمام في إسرائيل، إذ اعتبرت التقديرات الإسرائيلية أن سوريا "تشهد حاليًا تحولات سياسية وعسكرية غير مسبوقة"، ما دفع عددًا من القادة العسكريين السابقين والمحللين الإسرائيليين إلى دراسة المشهد السوري بعمق، وتأثيراته المباشرة على "الأمن القومي الإسرائيلي" والتوازنات الإقليمية. تناولت هذه التحليلات موضوعات شملت "الانتقال السياسي في سوريا ودلالاته"، و"إخفاقات إسرائيلية في قراءة المشهد السوري"، إضافة إلى "التداعيات العسكرية ومراقبة الأسلحة الاستراتيجية" و"تركيا: لاعب جديد على الحدود السورية".
تشهد سوريا تحولات سياسية وعسكرية غير مسبوقة، ما دفع القادة العسكريين والمحللين الإسرائيليين إلى دراسة تأثيراتها على الأمن القومي الإسرائيلي والتوازنات الإقليمية
نوعام تيبون، القائد السابق للفيلق الشمالي في الجيش الإسرائيلي، أشار إلى التغيرات الاستثنائية في طريقة انتقال السلطة داخل سوريا، موضحًا أن هذا الوضع يضع إسرائيل أمام تحديات جديدة تتعلق بمصالحها الاستراتيجية.
يقول تيبون: "ما يحدث الآن في سوريا يعد استثنائيًا على الصعيد التاريخي، إذ يتم انتقال السلطة بشكل غير نمطي. التحدي الرئيس بالنسبة لنا يتمثل في ضمان الحفاظ على مصالحنا القومية. لذلك، يجب علينا أن نحدد بوضوح من هو الطرف الذي سيتولى الحكم، وكيف ستدار الدولة تحت سلطته".
وركّز عميد احتياط عميت يغور، المسؤول السابق في الاستخبارات البحرية، على أوجه القصور التي واجهتها المنظومة الأمنية الإسرائيلية في التعامل مع الوضع السوري، قائلًا: هناك غياب كامل للإنذار المسبق، وهو عنصر أساسي في العقيدة الأمنية الإسرائيلية. ثانيًا، وقعنا في فخ التصوّرات الخاطئة، حيث اعتقدنا أننا قادرون على التفاوض مع نظام الأسد وتشجيعه على الابتعاد عن المحور الإيراني. وهذه الفرضية كانت خاطئة.
وتناول أور هيلر، مراسل الشؤون العسكرية في القناة 13 الإسرائيلية، الآثار العسكرية لانهيار نظام الأسد على إسرائيل، مشددًا على أهمية مراقبة الأسلحة الاستراتيجية.
وأوضح هيلر أن "الانهيار المفاجئ للنظام السوري شكّل صدمة للجيش الإسرائيلي". وقال إن "الأولوية الآن تتركز على مراقبة الأسلحة الاستراتيجية، مثل صواريخ أرض-أرض والأسلحة الكيميائية". مشيرًا إلى أن "الغارات الجوية الإسرائيلية استهدفت مستودعات لتلك الأسلحة في سوريا، بهدف منع أي تهديد محتمل لإسرائيل"، وفق تعبيره.
تناولت التحليلات قضايا مثل الانتقال السياسي في سوريا، وإخفاقات الأمن الإسرائيلي في قراءة المشهد، التداعيات العسكرية ومراقبة الأسلحة الاستراتيجية، والتدخل التركي الجديد على الحدود السورية
كما تناول محللون إسرائيليون التدخل التركي في المشهد السوري وتأثيره على التوازن الإقليمي. ورأى عميت يغور أن تركيا أصبحت قوة رئيسة على الحدود السورية، وهو ما يستدعي تقييمًا جديدًا من الجانب الإسرائيلي. وأشار إلى أن "التطور الجديد يتمثّل في أن تركيا أصبحت فاعلًا رئيسيًا على الحدود السورية. وهذا الوجود التركي يعني تغيّرًا استراتيجيًا علينا أن نستوعب تداعياته بعناية".
من جهته، حذّر بن درور يميني، الصحفي في "يديعوت أحرونوت"، من سياسات تركيا بقيادة أردوغان، مشيرًا إلى خطر التوجهات الأيديولوجية التي تحملها. وقال: "علينا أن نكون حذرين، فتركيا، بقيادة أردوغان، تعبّر عن توجهات جماعة الإخوان المسلمين، وهذا يعني أن تركيا ليست قوة صديقة لإسرائيل، بل قوة سنية جديدة قد تحمل مخاطر مختلفة".
أمّا يسرائيل زيف، رئيس شعبة العمليات سابقًا، فقد أوضح أن ما يجري في سوريا يعكس انهيار النظام الإقليمي القديم الذي تأسس وفق اتفاقية سايكس-بيكو. وقال: "نشهد تفكك الترتيبات الإقليمية التي صيغت باتفاقية سايكس-بيكو، حيث تنهار الحدود التي وضعت مجموعات عرقية مختلفة داخل إطار دولة واحدة. الآن، يظهر محور جديد بقيادة تركيا السنية، ليحل محل المحور الإيراني الشيعي".
وأشار اللواء احتياط غاي عموسي إلى انشغال القوى الدولية بمشكلاتها الخاصة، ما أضعف الدعم الدولي للنظام السوري. وقال إن "كل دولة منشغلة بمشكلاتها. روسيا غارقة في أزمتها في أوكرانيا، والولايات المتحدة تركّز على حواراتها الاستراتيجية، وإيران تتصارع مع أزمتها النووية ومع إسرائيل، وهذا الوضع يفسّر غياب الدعم الدولي للنظام السوري".
المحللون الإسرائيليون أشاروا إلى أهمية مراقبة الأسلحة الاستراتيجية، وحذروا من سياسات تركيا بقيادة أردوغان، مؤكدين على الحاجة لاستراتيجيات جديدة تتناسب مع التحولات الحالية
وركّز رون بن يشاي، في تحليله بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، على استهداف إسرائيل للمنشآت العسكرية الاستراتيجية في سوريا، لمنع وقوعها في أيدي المعارضة المسلحة أو حزب الله. وكتب: "الضربات الجوية الإسرائيلية أضعفت مخاوفها بشأن انتقال الأسلحة الاستراتيجية إلى أيدي المعارضة السورية. يجب أن تركّز إسرائيل على تعزيز استخباراتها ودفاعاتها الجوية استعدادًا لأي تطورات غير متوقعة".
وأكدت غيلي كوهين، مراسلة الشؤون السياسية في قناة "كان 11"، على رفض "إسرائيل" القاطع لسيطرة المعارضة على الأسلحة الاستراتيجية السورية، مشيرة إلى الاجتماعات المكثفة التي عقدها وزير الجيش الإسرائيلي ورئيس الحكومة مع المسؤولين الأمنيين، وعبّر بالقول إن "إسرائيل ترفض بشكل قاطع سيطرة المتمردين على الأسلحة الاستراتيجية أو نقل حزب الله أسلحة من سوريا إلى لبنان".
كما تحدث ألون بن دافيد، محلل الشؤون العسكرية في القناة 13 الإسرائيلية، عن استعدادات الجيش الإسرائيلي في الجولان قائلًا إن "الجيش يعزز قواته في هضبة الجولان تحسّبًا لأي تطور. وفي اليومين الأخيرين، استهدفت الغارات الإسرائيلية مستودعات أسلحة استراتيجية للجيش السوري السابق".