18-مايو-2019

حاجز قلنديا في الجمعة الأولى من رمضان - عدسة عباس مومني

"المنسق يرحب بكم في معبر قلنديا، ويتمنى لكم صيامًا مقبولاً"!

هكذا، بلافتة ضخمة "تزيّن" الممرات الإجبارية المهينة من مدن الضفة، إلى شقيقتها القدس، عبر حاجز قلنديا سيئ الذكر؛ تمرر دولة الاحتلال رسائلها برتابة ونظام، تدّعي أنه وضع لتسهيل مرور الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى.

قبل عامين، كان اسمه "حاجز قلنديا". واليوم هو "معبر قلنديا". والحاجز غير المعبر.

في الطريق إلى القدس، تسمع سائق الفورد والسيدة العجوز والشيخ، يتحدثون عن الأزمة على "المعبر". ولا تثير الكلمة أي شعور بالاستغراب.

اقرأ/ي أيضًا: صفحة المنسق: مؤشر عودة الإدارة المدنية للضفة وغزة؟

قبل عامين، كان اسمه "حاجز قلنديا". واليوم هو "معبر قلنديا". والحاجز غير المعبر.

الحاجز فعل احتلالٍ طارئٍ يمنع مواطنين من التنقل داخل مدنهم، وقد ينصبه المحتل في الشارع الفرعي لحيّ بقرية نائية.

"الحاجز" فعل العدو المستعمِر مع الضحية المستعمَر. إنه الحفرة البشعة في السهل، والبثور الناتئة في الوجه الصبوح. إنه السكّين التي تجرح الامتداد الطبيعي بين مدن متشابهة، حتى في زمن احتلالها، إلا أن الأوهام سوّلت لهذا المحتل أن يحتكرها لنفسه، ليصبح الوصول إليها "زيارة" تحتاج إلى ترتيباتٍ خاصةٍ وتنسيق معين، وهي زيارة الغريب للغريب، اللذين يلتقيان في ظروف معقدة، إمعانًا في التأكيد على أنهما غريبان، لا إلى تلاقيهما السلس من سبيل.

"المعبر" لفظة تسمعها حيث ولّيت وجهك في هذا الحاجز، وغيره، وقد درجت على ألسنة كثير من الناس، وهي هبة سهلة للمحتل، إذ تحوّلَ حاجزٌ احتلاليٌ بشع، إلى معبرٍ بين دولتين، أو حتى إلى مكانٍ مدنيٍ لعبور الناس والبضائع من جهةٍ إلى جهةٍ أخرى مختلفة عنها تمامًا.

حتى "المنسق"، الضابط بالبزة العسكرية، إنه ليس جيش احتلال هنا، ولا قاتلاً على أحد الحواجز في "خدمة تطوع" سابقة، إنه موظف مدني ينسق هذه "الرحلة" وفق شروطه، ومع تمنّن هائل على هؤلاء الذين سمح لهم أن يروا عاصمتهم، ومن خلف ابتسامة صفراء، وثرثرة كثيرة عن تعاطف دولته وسلوكها الحضاري والمتسامح مع "الأغيار".

هذا المنسق الذي يوفر كل عوامل تنغيص حياة الفلسطيني، لا سيما الصائم هذه الأيام، ثم تراه يتمنى له صيامًا مقبولاً.

إلا أن أجمل ما يميز المشهد في الطريق إلى القدس، هو اللانظام، الفوضى التي تثور على نظام وضعه العدو، ولو بتجاوز الصفوف والصراخ و"التسلل" حين غفلة من المجندة المناوبة.

في الطريق إلى القدس، لأربعينيٍ يزورها للمرة الأولى، أو لشابٍ يحاول "التسلل" وسط الجموع، لا يمكن أن تنصاع اللهفة والشوق والشغف، لأنظمةٍ وضعت ليوم واحد فقط.

النظام هنا حالة طارئة في وضع طارئ، وضعه احتلال طارئ، لأصحاب المكان.

النظام هنا حالة طارئة في وضع طارئ، وضعه احتلال طارئ، لأصحاب المكان.

اقرأ/ي أيضًا: 25915

في الطريق إلى القدس، ينتشر آلاف عناصر الشرطة الإسرائيلية كل بضعة أمتار، أصابعهم على الزناد، وعيونهم ترقب الأفواج الضخمة من المصلين الذين هفت قلوبهم من الشمال والجنوب إلى الوسط، إلى العاصمة التي لم ينجح قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتبارها العاصمة الموحدة لدولة الاحتلال، في أن ينزعها من أفئدة هؤلاء، الذين تتضح الصورة في عيونهم عندما تتكحل برؤية القبة الذهبية، فتغسلها دموع اللقاء، وتقدم وعدًا بتجديده، كلما لاحت فرصة.

منذ احتلال الشق الشرقي للمدينة عام 1967، ودولة الاحتلال تهمله وتتجاهل كل احتياجات أهله من البنية التحتية. إلا أنها بدأت مؤخرًا حركة "تحسينات" في أحيائه وقراه، تكريسًا لكونها العاصمة الموحدة لها، في إلغاءٍ لكل حديث الطرف الآخر عنها كإحدى قضايا الحل النهائي.

لا أقل، والحال هذه، أن يظل الوعي بأن القدس مدينتنا المحتلة، التي نحتاج إلى المرور عبر حاجزٍ احتلاليٍ عسكريٍ رديءٍ كي نصلها، لا إلى معبر مدني، وتحت نظر ضابطٍ لن تفلح كل حملاته "التسهيلية" في إخفاء النياشين العسكرية على صدره، ولا آثار البارود على يديه.

الاحتلال يفرز دومًا "خيرة" قياداته وخبرائه، ليتولوا شؤون المدينة، وليس أقل من أن نفعل مثله، فيتصدر مشهدنا خيرة أبناء المدينة، الذين يثبتون أن النظام الرسمي لدينا معنيٌ حقًّا بأن تظل المدينة مدينتنا، فلا ينفر الناس إلى الضدّ.

المحزن في كامل المشهد، أننا ننتصر للمدينة بالشعار فقط، فيما ينتصرون لها بعمل حثيث على كل المستويات، وهي معركة بين القول والفعل، الغَلَبَة فيها لمن يطوّر أدواته، ويصبر.


اقرأ/ي أيضًا:

ماذا يحدث في غرف اللقاءات لإزالة المنع الأمني؟

فيديو | الإدارة المدنية للاستيطان وإقصاء السلطة

سلطتان من ورق وحطب على عامود خيمة المنسق