07-أغسطس-2019

استيقظت البلد صباح اليوم على حادثة صعبة، أبٌ يحبس ابنه الفتى منذ خمس سنوات في ظروف قاسية، الولد أمّه وأبوه انفصلا قبل سنوات وتزوّجا وأكمل كل منهما حياته. الولد يدفع ثمن الطلاق بصورة تحطّم القلب، أكيد أن هناك تفاصيل كثيرة حول الموضوع، بعضها لصالح الطفل وبعضها ضدّه، وكمواطنين لا نريد أن نعرف أكثر، المهم أن شرطة حماية الأسرة حررت الفتى وأخذته إلى مكان آمن.

          فلسطين بلد مكسورة أصلًا، تمامًا مثل البنات المعنّفات أو الأولاد المحبوسين      

سيقضي كثيرون دقائق في صدمة ما بعد الخبر، وعلى وجه العيد سنتفقّد حناننا وقدرتنا على التضامن وتفهُّم انهيارات البشر وقدرة الناس العاديين على حماية المكسوين والتضامن معهم. 

فلسطين بلد مكسورة أصلًا؛ تمامًا مثل البنات المعنّفات أو الأولاد المحبوسين، تمامًا مثلهم لها ما لها من حقوق، وعليها استحقاقات في الهزيمة، لكنّها تستحق أن تُعطى أو أن يُعطى أبناؤها الفرصة للتعافي.

كم هي مهدّئة كلمة المذيع عندما قال "وتم نقل الطفل إلى مكان آمن"، هذا المكان إن نجح، فهو أعلى ما قد نعطيه كمجتمع عصامي في تحويل الحنان البشري، إلى سياسة عامة لها اسم ومؤسسة، هذا هو ما نحتاجه لهؤلاء، مكان آمن يمكن أن نحمي فيه المكسورين؛ فيه شرطي سهل في الكلام يمسك بيد الولد أو البنت المهدّم كبيت دمرته قنابل الاحتلال، يتحدث إليه بسهولة وهمس، يدفئه أو يفتح له باب سيارة الشرطة أو الإسعاف، يسلّمه إلى أقرب مركز للشرطة، لا يحبسه مع مجرمين بل يضعه أو يضعها في غرفة خاصة غير عنيفة مثل بيت عائلة مُثلى يتمناها أيّ طفل. 

إلى مكان آمن فيه باحث تربوي أو مشرف أحداث، مُمكّن أكاديميًا للتعامل مع الطفولة المكسورة، يُسلّم المكسور غرفة أو سريرًا ودفاتر وأقلام وريموت كنترول لشاشة تلفزيون. لا يجبره أو يجبرها على الكلام، يحترم انصاته أو يتعامل مع انفجاراته، يتحمّله إلى أن يمرّ الوقت المطلوب للنسيان ويستعيده من أطياف العدم والألم. يحميه من باقي الأولاد أو البنات المكسورين، يشتغل عليهم جميعًا لاستعادتهم إلى حياة آمنة وفيها فرصة للعطاء والإنتاج والمشي في باقي العمر والمحطات إلى أن تعود الروح إلى السماء. 

مكان آمن.. مفردة تكبر في بلدنا منذ سنوات، مكان آمن للمعنّفين والمعنّفات ومن هم تحت الخطر، الرأي العام حول هذا المكان بدأ بالنميمة والشعبوية والرداءة في التقييم، لكنّه الآن بدأ يتعافى وينضج ويحمي ويتضامن ويساعد في تحويل حنان الناس العاديين والتضامنيات الاجتماعية التقليدية إلى رأس مال حقيقيّ، فيه مؤسسة وكادر بشري ورسالة وخطّة عمل. 

      الرأي العام حول هذا المكان بدأ بالنميمة والشعبوية والرداءة في التقييم، لكنّه الآن بدأ يتعافى وينضج        

شرطة حماية الأسرة قسم فاعل وضروري في الشرطة يستحقّ العناية والتكريم والتفعيل والتحديث دائمًا، يجب تعميم أخباره وتطوّراته دائمًا في الرأي العام، ليوضح أدواره ومهمّاته ويلوّح بقدرته على الوصول إلى أي مخالف وحماية كل متضرر. 

المكان الآمن أو البيت الآمن الذي نتجنّب الحديث العامّ فيه كأنه عارنا، هو المحطة التي نستطيع فيها كمجتمع ومؤسسة أن نقول: الحياة صعبة أحيانًا وتُخرج الإنسان من عقله، ونحن هُنا كلّنا متضامنون ومجهّزون لتسليم الضحايا ملابسهم وعدة حياتهم ليعودوا ويكملوا الحياة معنا في مجتمع يستحقُّ البقاء. 

أكتب هذا الكلام وفي ذهني صوت "سارينا" شرطة الاحتلال في السبعينات والثمانينات، التي كانت تحضر إلى القرى والمخيمات لتستغل الشجارات العائلية وحوادث الثأر وما تسمى ظلمًا بـ "جرائم شرف" واعتداءات، أتذكّر ذلك وأدفع نصف عمري كما كان يقول الراحل توفيق زياد، كي يصير حلم حرّيتنا ليس وزارات وشركات فقط، بل سياسات عامة تترجم القيم البشرية والعدالة الاجتماعية من حنان يوميّ وتضامن بسيط وتصرّفات على قدّ اليد إلى مؤسسات فيها معنى اجتماعي تحوله إلى معيار مهني يمكن ممارسته كإلتزام وواجب.


اقرأ/ي أيضًا:

هل الحب مخيفٌ أكثر من الكراهية؟

عندما يتعبك الحُب هل ستنقذك الكراهية؟

فيلم "سماح".. حكايات عن الضرب والتحرش داخل الأسرة