28-أبريل-2018

جدعون ليفي يُحبّ هدوء عيد الغفران وأهل غزة ومُطعمي القطط، وأنت ماذا تحب؟!

سؤالٌ غريب أليس كذلك؟ فالأسماء اليهودية لا يأتي ذكرها عند الحديث عن حُبّ غزة، ثم إنّه من غير اللائق تجاوز العداء الذي بيننا وبينهم بوضعنا معًا بذات الخانة عند الحديث عن أكثر الأشياء التي نُحبّها في البلاد.. بلادنا نحن!

  ألغامٌ كثيرة تنفجر في وجه الفلسطيني ما إن يقرأ عن المشاعر والذكريات التي بناها الإسرائيليون على أرضه!  

القصة أنّ الصحفي الإسرائيلي "جدعون ليفي" كُلّف بكتابة مقال في صحيفة "هآرتس" يذكر فيه 70 شيئًا يحبّه في "إسرائيل" ولكنّه لم ينجح إلّا في كتابة 67 شيئًا. وكفلسطيني يقرأ مقالًا لصحفي إسرائيلي يبدو الأمر مثل التمشّي في حقل ألغام مهما بلغ الصحفي من اليسارية والاعتدال. أصغر لغم في المقال هو الرقم 70 الذي يربطه ذهنك بعمر الاحتلال، وترى المقال جزءًا من الاحتفالية به. أمّا داخل المقال فهناك ألغامٌ كثيرة تنفجر في وجه الفلسطيني ما إن يقرأ عن المشاعر والذكريات التي بناها الإسرائيليون على أرضه! كيف عليه أن يتعامل مع ذكريات ومشاعر عدوّه التي في طريقها لإكمال قرن من الزمان؟

"ليفي" لا يرى الفلسطينيين كأعداء، بل هو ناقمٌ على سياسة دولته ومشتاق لأهل غزة كما يقول، فأهل غزة هم الشيء الـ 41 الذي يُحبّه. يحدّثك عمّا يحب في "بلاده" التي وُلد فيها بعد نكبة أهلها الأصليين وتهجيرهم بخمس سنوات، وعند كل وصف للمكان وعند كل استرسال في سرد تفاصيل رائحة ما، أو مذاق ما، يتوقّف الزمان عندك ويتغيّر شكل المكان وتستبدل "ليفي" وعائلته بعائلة أخرى كانت تسكن البيت أوّلًا، وكان بإمكان ابنها الذي أصبح جدًّا بعمر "جدعون" أن يكتب مقالًا هو الآخر عن مشاعره وذكرياته، إلّا أنّه الآن نائمٌ دون جواز سفر في مخيم ما في لبنان.

لم يكن ما كتبه "ليفي" ليختلف كثيرًا عمّا قد يكتبه أي شخص آخر عن ذكريات طفولته، إلّا أنّ الاحتلال يقلب معاني الأشياء، ويجعلنا نشعر بالغضب من مشاعر رجل ستّيني يتحدّث عن طفولته، لأننا ببساطة نراها من حق رجل آخر؛ "لو" أنّ الأمور حدثت بطريقة مختلفة، "لو" لم تحدث هذه الحرب، "لو" لم تصبنا هذه النكبة.

لعبة "لو" لعبةٌ ماكرة، والغضب الذي يصيبك عندما يستعصي على ذهنك استبدال أشخاص عاشوا القصة بالفعل، بالأشخاص الذين كان من حقّهم أن يعيشوها، لا وصف له. ولكنّ الكاتب الإسرائيلي الذي تحاول استبداله وعائلته بشخوص القصة الحقيقية لا ينسى هؤلاء الشخوص من قائمته المفضّلة، فهو يدعو من يريد أن يرى أناسًا يدافعون حقًا عن حريّتهم وكبريائهم وأرضهم بالذهاب إلى قرية النبي صالح. جاء ذلك في النقطة الـ37.

يقول ليفي بما معناه: "إن هذه القيم –الحرية، الكبرياء، الأرض- تبدو فارغة للكثيرين". أفكّر هل تحدث المآسي والحروب لكي يملأ شعبٌ ما، فراغ هذه الكلمات ويمنحها حقيقتها؟ وإذا كان هذا هو دورنا فهل سيستمر هذا الدور للأبد؟

محمود درويش هو الشيء الـ26 على قائمة "ليفي"، اقتبس منه:

"لماذا تركت الحصان وحيدًا؟

لكي يؤنس البيت يا ولدي

فالبيوت تموت إذا غاب سكانها"

لم يكن ما قاله درويش دقيقًا؛ فالبيوت لم تمت عندما غاب سكانها بل كبرت مع سُكّانها الجدد وتصالحت معهم ومنحتهم الكثير من الذكريات. لماذا اختار "ليفي" هذا الاقتباس بالذات؟ ألا يعلم أن فلسطينيًا ما، سيقرأ ما كتب وسيحنُّ إلى بيته وسيلومه لأنّه نما دونه ولم يمت؟!


اقرأ/ي أيضًا:

نحن والإعلام الإسرائيلي.. ثلاث ملاحظات

ذكرى النكبة..احتفالات واستغلال سياسي

وثائقيات الجزيرة.. حكاية النكبة وحكاية الثورة