12-أغسطس-2018

صورة من الأغوار (جعفر اشتية/ getty)

على غير العادة لم يجن رشيد خضيري ثمار الجوَّافة خاصته لهذا الموسم، بعضها لم ينضج أصلًا والآخر تساقط أرضًا جرَّاء نقص المياه وشحها في قريته بردلة بالأغوار الشمالية شرق طوباس بفعل إجراءات الاحتلال الأخيرة.

  تعيش قرية بردلة في الأغوار الشمالية، هجومًا إسرائيليًا على مصادر المياه، الأرض عطشى، والمستوطنون يتنعمّون بالماء الوفير  

منذ الأول من حزيران/ يونيو الماضي تعيش بردلة هجومًا إسرائيليًا على مصادر المياه، اقتحم الجنود القرية أربع مرات متتاليات وأغلقوا ثغرات (فتحات) تزود المواطنين بالمياه وصادروا الأنابيب الناقلة.

كف بكف يضرب رشيد متحسّرًا على زراعته التي قد لا تنجو نتيجة شح المياه، 8 دونمات من الجوَّافة من 40 دونمًا يمتلكها في بردلة تُعدُ فرصته لتعويض خسارته بزراعات أخرى بات العمل بها "مغامرة" كالخضروات، لتباين أسعارها وتكاليفها العالية.

يقول الأهالي في بردلة ومنهم رشيد إنهم وقبيل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967 حفروا بئر ماء بعمق 70 مترًا وكانوا يضخون منه 240 كوبًا في الساعة، بعدها أغلقت سلطات الاحتلال البئر بعد أن حفرت 3 آبار في المنطقة بأعماق تصل لـ300 متر، وشرعت "وفق اتفاق مبرم مع الأهالي عام 1974" بضخ كمية المياه التي كانوا يستخرجونها من بئرهم والمقدّرة بـ240 كوبًا.

بئر بردلة في فلسطين
بئر مياه حفره أهالي بردلة في الستينات وأغلقه الاحتلال بعد احتلال القرية

 

تناقص الزراعة

يعَّلق رشيد في حديثه لـ"الترا فلسطين" أنّه وبدلًا من أن تزيد كمية المياه تناسبًا وأعداد السكان (من نحو 400 مواطن قبل خمسة عقود إلى 3 آلاف نسمة اليوم) تراجعت وتم تقليصها، بل لم يحصلوا منذ سنوات طويلة على الكمية المتفق عليها مع الاحتلال (240 كوبًا/ الساعة) وأن ما يضخ لهم بالكاد يصل لـ120 كوبًا، وهو ما قلَّص حجم الأراضي الزراعية للربع تقريبًا "فأقل مزارع يحتاج لنحو 300 كوب أسبوعيًا".

حين لجأ رشيد لزراعة الجوَّافة في أرضه ظن أن كمية المياه ستكفيه ليفاجأ بعكس ذلك، وزاد الطين بلة أن جيش الاحتلال أغلق ثغرات يعدّها "غير شرعية" أحدثها المواطنون في الأنابيب لاسترداد حقّهم في المياه.

الفلسطيني رشيد خضيري
يحشد رشيد خضيري لرفض مخططات الاحتلال بقطع المياه عنهم ومساعيه الدائمة لتهجيرهم

 

ينشط رشيد بالدفاع عن القرية إضافة لعمله بالزراعة، ومنذ لحظة قطع المياه وتخفيض كمياتها بدأ بحشد الجماهير المحلية والدولية للوقوف بوجه انتهاكات الاحتلال الذي بات يسيطر على أكثر من 85% من مياه الأغوار بحفره 29 بئرًا ارتوازيًا. وتزود القرى والتجمعات الفلسطينية عبر 19 فتحة يعدها الاحتلال "قانونية"، ورغم ذلك لا يحصل الفلسطيني على حاجته من المياه.

المستوطنون أولًا

تشير معلومات حصل عليها "الترا فلسطين" إلى أن 700 مستوطن يسكنون مستوطنة "مخولا" الجاثمة على أراضي قرى بردلة وكردلة وعين البيضاء والتجمعات البدوية في الأغوار الشمالية والتي يقطنها نحو 8 آلاف فلسطيني يستهلكون مجموع ما تستهلكه هذه المناطق مجتمعة أو يزيد.

إضافة لمخولا تحتل سبع مستوطنات "زراعية" وأربع بؤر استيطانية وثلاث معسكرات للجيش 28% من حجم الأراضي بالأغوار الشمالية التي تصل لـ 75% من مساحة محافظة طوباس المقدّرة بـ420 كيلومترًا مربعًا.

يافطات مستوطنات إسرائيلية
يافطات لمستوطنات إسرائيلية في الأغوار الشمالية

 

مثل رشيد يحشد الحاج عبد الرحيم بشارات (69 عامًا) رئيس مجلس قروي المالح والمضارب البدوية بالأغوار الشمالية لدعم المواطنين، هو ذاته واجه ولا يزال قمعًا إسرائيليًا بهدم منزله 30 مرة خلال ستة عشر يومًا عام 2015.

في محيط خيمته بمنطقة الحديدية أقفرت الأرض وجفت الحياة، فالزراعة تراجعت وكذلك الثروة الحيوانية، ومن نحو 500 رأس من الأغنام لم يعد يملك بشارات سوى 40 رأسًا تعيله وأسرته المكونة من 27 فردًا، ويقول إن الحل يكمن بتوحيد السياسات الفلسطينية وتكاتف الجهود وتكامل الأدوار شعبيًا ورسميًا ضد خطوات الاحتلال وأهدافه.

الفلسطيني عبد الرحيم بشارات
عبد الرحيم بشارات رئيس تجمع المالح والمضارب البدوية بالأغوار الشمالية

 

ولتسهل سيطرته، صنَّف الاحتلال أراضي الأغوار وقسمها، فحوَّل 21% لأغراض عسكرية و18% لمحميات طبيعية إضافة للمناطق العازلة والآمنة بمحيط الجدار الذي شيده هناك، وما تبقى تحول لمناطق "ج" تمنع على الفلسطيني أي بناء فيه، كما حال قرية بردلة التي تصنف 99% من أراضيها البالغة 20 ألف دونم بمناطق (ج)، ولم يسمح الاحتلال بتوسيع مخططها الهيكلي المقدر 420 دونمًا منذ العام 1967 مترًا واحدًا.

ويقول ضرغام صوافطة من مجلس قروي بردلة إن هدف ذلك "تهجير السكان من أرضهم"، ولذلك سعى الأهالي ولا زالوا لإفشال مخططات الاحتلال، فقاموا بمد أنابيب احتياطية بدلًا من تلك التي صادرها الاحتلال (تقدر بـ1000 متر) وتوجهوا للزراعة عبر البيوت البلاستيكية وزراعات أخرى تحتاج لكمية مياه أقل، ورغم ذلك يلاحقهم الاحتلال ويقلص حصّتهم من المياه بحجّة جفاف الينابيع وقلة الأمطار وتراجع منسوب بحرية طبريا القريبة.

تفعيل المقاومة

يبدو أن الفلسطينيين وحدهم يحملون وزر هذا الجفاف، فالمستوطنات تكاد تتحول لجنان خضراء، وينعم المستوطنون فيها بأضعاف ما يستهلكه الفلسطينيون من المياه (420 لتر للمستوطن مقابل 24 لترًا للفلسطيني يوميًا) وفق ما ينقله معتز بشارات مسؤول الاستيطان في طوباس والأغوار الشمالية عن تقرير أممي.

  لا يحتاج الأمر لبراهين، بالعين المجردة يمكن للمار رؤية ذلك واقعًا، فمستوطنات مثل روتم ومخولا، تؤكد صحة القول وتعكس حياة المستوطنين الفارهة  

مثل هذا "النعيم" يفتقده الطفل قيس صوافطة وأصدقاؤه يوسف وعبد الرحمن، ففي قريتهم بردلة ليس هناك أماكن للاستجمام ولا برك سباحة كتلك الموجودة في المستوطنات القريبة، بينما "ننعم نحن بأشعة شمس حارقة" يقول قيس متهكمًا.

وهم لا يملكون المشاركة بمخيمات ونواد صيفية لتكلفتها العالية وحاجة ذويهم لهم لمساعدتهم بالعمل في الزراعة، حتى أنهم باتوا يُقتِّرون باستخدام المياه داخل منازلهم بعد إغلاق الثغرات وإجراءات الاحتلال الأخيرة "لدفعنا لهجر القرية" يقول الطفل.

لكن آمال الاحتلال لن تتحقق، يؤكد المسؤول القروي ضرار صوافطة، وقال إنهم سيواصلون إحداث ثغرات "لأخذ حقهم من المياه"، لكنهم في الوقت ذاته يحتاجون لدعم المسؤولين الذين "تغيّبوا" حتى اللحظة عن زيارة القرية.