24-يوليو-2022
صورة تعبيرية - getty

صورة تعبيرية - getty

الترا فلسطين | فريق التحرير

أحدث انسحاب 42 طبيبًا متخصصًا بشكل مفاجئ، من تأدية مهام عملهم في مستشفيات بقطاع غزة، إرباكًا في المنظومة الطبيّة، وأدّى لتأجيل إجراء عمليّات مجدولة، مع الانتقال لنظام عمل الطوارئ، في ظلّ تراشق للاتهامات بين الجهات الرسمية في غزة والضّفة.

مرضى يعانون، وعمليّات طبيّة مجدولة يتم تأجيلها. لماذا يحدث كل هذا، ولمصلحة من؟ 

وكان رئيس الإعلام الحكومي بغزة، سلامة معروف، قال في تصريح الخميس الماضي (21 تموز/ يوليو) قال إنّ "انسحاب 42 طبيبًا في تخصصات مختلفة ممن يتقاضون رواتبهم من السلطة برام الله من مستشفى كمال عدوان، تمّ بناءً على تعليمات وردت لهم، ودون إبداء أسباب". ولم يوضح معروف في تصريحه حينها، ماهيّة التعليمات التي وردت للأطباء كما قال، والجهات التي بعثت بتلك التعليمات.

وفي اليوم التالي لحديث معروف، نفت وزارة الصحة الفلسطينية، أن تكون أعطت أيّ أوامر أو توجيهات لكوادرها في قطاع غزة لمغادرة أي مركز من مراكزها، بما فيها مستشفى الشهيد كمال عدوان.

فجأة، انسحب 42 طبيبًا متخصصًا، من تأدية مهام عملهم في مستشفيات بقطاع غزة، وزارة الصحة نفت مسؤوليّتها
فجأة، انسحب 42 طبيبًا متخصصًا، من تأدية مهام عملهم في مستشفيات بقطاع غزة، وزارة الصحة نفت مسؤوليّتها

وبعد نفي وزارة الصّحة، بدأت الأصابع تؤشّر إلى الخدمات الطبّية العسكرية التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية، والتي دفعت الأطباء للانسحاب من أماكن عملهم، لأسباب ما تزال غير واضحة.

تواصلنا في "الترا فلسطين" مع مصدر مطّلع في الخدمات الطبية برام الله، والذي قال بدوره إنّ "الموضوع" ليس من اختصاص الخدمات الطّبية، وإنما عند "الجهات المختصة" في وزارة الداخلية.

وانعكس قرار انسحاب الأطباء بالسلب على الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين في المراكز التي انسحبوا منها، خاصة في مستشفى كمال عدوان الواقع في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، والذي يخدم قرابة 450 ألفًا في بلدات (جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون)، وفقًا لرئيس المستشفى أحمد الكحلوت الذي أوضح في حديثه لـ "الترا فلسطين" أنّ الأطباء المنسحبين أبلغوه بتوقّفهم عن العمل الخميس الماضي، بعد تلقيهم تعليمات من قيادة الخدمات الطبية في الضفة الغربية. 

 الكحلوت: مستشفى كمال عدوان يُدار بشكل مشترك بين وزارة الصحة والخدمات الطبية العسكرية، و 70 في المئة من رواده من حملة التأمين الصحي المدني  

وقال الكحلوت إن المواطن الفلسطيني هو المتضرر الوحيد من قرار انسحاب الأطباء، مبيّنًا أن المستشفى يعمل منذ انسحاب 20 طبيبًا من تخصصات مختلفة وحسّاسة، بحالة الطوارئ القصوى، وحذّر من تراكم عدد العمليات الجراحية التي ينتظر المرضى إجراءها في أسرع وقت، لافتًا إلى أنه تم إجراء عمليتين من أصل 6 عمليات مجدولة، كما سيجري الإثنين إجراء 3 عمليات أصل 10.

وأشار رئيس مستشفى كمال عدوان إلى أنه يحاول تسخير كافة مقدّرات المستشفى لإجراء عمليات الولادة القيصرية الطارئة، كون المستشفى الذي يديره هو الوحيد الذي يضم قسمًا للنساء والولادة في شمال قطاع غزة. وتابع أنه في حال الاستمرار على هذا البرنامج وعدم عودة الأطباء إلى عملهم، ستتضاعف معاناة المواطنين المرضى، وسيزيد عدد العمليات المجدولة على قائمة المستشفى.

ولفت الكحلوت إلى أن المستشفى بمقدوره العمل وفق نظام الطوارئ لمدة أسبوعين فقط على أقصى تقدير، ولن يستطيع الطاقم الطبي بعد ذلك تحمّل أعباء العمل الإضافية التي ألقيت على كواهلهم. وذكر أن الكوادر الذين انسحبوا من العمل في المستشفى يمثّلون المفاصل الرئيسة للمستشفى وقد تأثرت الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين نتيجة لذلك بشكل كبير. وبين أن الأطباء يتوزعون على تخصصات مختلفة كالجراحة العامة وجراحة العظام وطب الأطفال والنساء والولادة إلى جانب أطباء التخدير، لافتًا إلى أنّ رئيس قسم التخدير ونائبه ورئيس قسم الجراحة والاستقبال من بينهم. 

الكوادر الطبية التي انسحبت فجأة من العمل تمثّل المفاصل الرئيسة لمستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة 

وأضاف: نحاول قدر المستطاع عدم وصول المعاناة إلى المواطن الذي لا ذنب له، فأوقفنا إجازات الأطباء، وكثّفنا عدد ساعات الدوام، وقمنا بجدولة العمليات لمدة أطول، ولكن في النهاية إذا لم يعد الأطباء إلى عملهم فسيكون من الصعب استمرار العمل على هذه الوتيرة. 

وقال رئيس المستشفى إنه تواصل مع هيئات حقوقية، والهيئة المستقلة لحقوق الانسان، كما وجه مناشدات للفصائل الفلسطينية بالتدخل ولكن دون ردّ، وذكر الكحلوت أنه تواصل مع مرجعية الأطباء الذين انسحبوا من العمل للوقوف على سبب هذه الخطوة، فأكدوا عدم علمهم بذلك. ونفى في الوقت ذاته ما يتم تداوله عن إساءة إدارة المستشفى لمعاملة الأطباء، مشيرًا إلى أن غالبية الأطباء المنسحبين مدراء في أقسامهم.

ونظمت نقابة التمريض ظهر الأحد، وقفة تضامنية في ساحة مستشفى كمال عدوان، استنكارًا لدعوة الخدمات الطبية للأطباء بترك عملهم. ورفع المشاركون لافتات تطالب المسؤولين في السلطة الفلسطينية بالتراجع عن القرار.

بدوره، علّق طبيب الخدمات الطبية العسكرية، سهيل مطر عبر حسابه الشخصي على "فيسبوك" على قرار مطالبة الأطباء بالانسحاب بالقول إن "ما يحدث عيب، ويجب إيقاف القرار"، موضحًا أنه منذ أربع سنوات كانت مؤسسة الخدمات الطبية العسكرية زاخرة بأطباء يحملون أعلى الدرجات العلمية، وبقرار مجحف تم إصدار قرار غير مدروس وبعيد عن الحسّ الوطني بتقاعد أكثر من مئة طبيب عن عملهم، وهم في أوج عطائهم المهني والإنساني.

"ما يحدث عيب، ويجب إيقاف القرار" 

وأضاف مطر الذي قطعت السلطة راتبه منذ ثلاثة أعوام، ويعمل متطوعًا في مستشفى كمال عدوان: تفاجأنا بإصدار قرار جديد من إدارة الخدمات الطبية بإلزام من تبقى من الأطباء الذين يتقاضون مخصصاتهم، بترك المستشفيات والعيادات التابعة لخدمات غزة. وتابع: 42 طبيبًا ممارسًا ذوو خبرة وبدون سابق إنذار يجلسون في البيوت، "وأستطيع أن أجزم أنه لا توجد أي مشكلة مع أي منهم هنا، حيث إنهم يمارسون مهنتهم بكل سلاسة دون تقييد من أحد أو ضغط أو اضطهاد". 

وتساءل مطر: لمصلحة من هذا القرار، وما الدوافع والأسباب؟، وهل من اتخذ القرار يعرف أبعاده السلبية على مجتمعنا؟، وطالب بتجنيب القطاع الصحي الخدماتي المناكفات السياسية التي لا طائل منها "فنحن بحاجة لجهد كل طبيب وخبراته في هذا الوطن، الخاسر الوحيد هو المواطن العادي أو الطبيب الممارس لمهنته".  

عمليات طبية مجدولة جرى تأجيلها لغياب الأطباء والمختصين - (MOHAMMED ABED/ Getty)
عمليات طبية مجدولة جرى تأجيلها لغياب الأطباء والمختصين - (MOHAMMED ABED/ Getty)