14-أكتوبر-2018

وصل الجدال حوال قانون الضمان الاجتماعي مرحلة متقدمة، في ظل الدعوات لاحتجاجات ميدانية تدعم الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي، تزامنًا مع اقتراب موعد إدخال القانون حيّز التنفيذ بشكل إجباري، ما يعني فرض تنفيذه ومحاسبة أرباب العمل في حال عدم إدخال أي موظف لديهم في الضمان الاجتماعي.

والقانون الحالي، هو نسخة معدّلة عن مشروع قانون تعرض لاحتجاجات كبيرة قبل سنتين، وأُدخلت عليه تعديلات شملت 11 بندًا تقريبًا، فيما بقيت 7 بنود أساسية تجد احتجاجًا كبيرًا من صحافيين ونشطاء وموظفين في القطاع الخاص.

معامل احتساب الراتب التقاعدي، وإلزامية القانون، من أبرز المآخذ على قانون الضمان الاجتماعي

فـ"القانون كارثي" كما يراه كثيرون عند النظر إلى معامل احتساب الراتب التقاعدي وهو 2%، وكذلك عند النظر إلى بند حرمان النساء من الراتب التقاعدي لأزواجهن بعد وفاتهم في حال كانت النساء يعملن، هذا إضافة لبنود أُخرى تتعلق بالتعطل عن العمل، وإجازة الأمومة، واحتساب الراتب التقاعدي على أساس الرواتب المدفوعة في السنوات الثلاث الأخيرة.

 

 

لكن الخطأ لأكبر من وجهة نظر الخبير في الشأن الاقتصادي نائل موسى يتمثل في جعل القانون إجباريًا، إذ أوضح لـ الترا فلسطين أنه بالإمكان فتح الخيار أمام الموظف ليقرر بنفسه، والقيام بحملة دعائية وإعلانية قوية، وزيارة المؤسسات والاجتماع مع كثير من الممثلين والموظفين والعمال حتى تقدم توضيحًا للقانون، ووضع الموظفين في موضع الاختيار وليس الإجبار.

يؤكد على ذلك وزير العمل مأمون أبو شهلا في حديث مع الترا فلسطين، إذ بيّن أن من لا يؤمّن أي موظف لديه في الضمان الاجتماعي، سيُعدُّ مخالفًا لقرارات القانون وسيحاسب بعدم منحه المنافع التأمينية، كما سيُمنح فترة زمنية معينة لسداد الالتزامات التي عليه، قبل أن يتم فرض غرامة تأخير في دفع الالتزامات بنسبة 1% أو 2%.

وينص القانون على إلزامية اقتطاع نسبة من رواتب العمال لصالح صندوق الاستثمار التابع لمؤسسة الضمان الاجتماعي بحيث يكون الحد الأقصى للأجر الخاضع للتأمينات الشهرية مساويًا عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور، وبناء على ذلك يتوجب على العامل أن يدفع في تأمين الشيخوخة والوفاة والعجز الطبيعي نسبة 7%، فيما يدفع صاحب العمل 9%.

وفي ذلك، بيّن الخبير في الشأن الاقتصادي نور أبو الرب، أن أرباب العمل سيتحملون ما نسبته 9% من الأموال، والتي بدورها ستؤدي إلى رفع تكاليف المنتج وبالتالي انخفاض القدرة التنافسية لمنتوجاتهم، "وهذا ما يُبرر عدم تجاوب معظمهم مع مؤسسة الضمان الاجتماعي" وفق رأيه.

يُعلق وزير العمل بأن الاشتراك المدفوع من قبل العمال وأرباب العمل سيتم ضخه في الاقتصاد الفلسطيني، "فمؤسسة الضمان ستستثمر هذه الأموال حتى يتم ضخ سيولة كبيرة في السوق الفلسطيني وتوليد فرص عمل جديدة".

وزير العمل: الاشتراك المدفوع من العمال وأرباب العمل سيتم ضخه في الاقتصاد الفلسطيني

ويعتقد الخبير القانوني صلاح موسى أنه "في حال استثمرت مؤسسة الضمان الاجتماعي الأموال الضخمة التي سترد إليها بطريقة سليمة، سيكون هناك مردودًا إيجابيًا لدى مؤسسات الوطن، بحيث أنها ستشغل المواطنين وتعمل على ازدهار الاقتصاد الفلسطيني وخلق تنمية حقيقية نبحث عنها جميعًا".

كيف سيُحتسب الراتب التقاعدي؟ ينص القانون على أن يحصل الموظف على 2% عن كل سنة من سنوات الاشتراك من متوسط الأجر المرجح لآخر ثلاث سنوات من العمل، على أن لا يُدفع الراتب التقاعدي للمتقاعدينَ مبكرًا بعمر الـ50، إذ يستوجب عليهم خلال السنوات العشر - حتى عمر الـ60 - الانتظار دون راتب، أو البحث عن عملٍ واستكمال دفع الاشتراكات لمؤسسة الضمان.

ويرى موسى سلبية كبيرة في هذا البند، ويُبين لـ الترا فلسطين أنه بعد أن احتسب المشتركون مقدار الراتب التقاعدي الذي سيحصلون عليه ضمن قرارات القانون سواء بسبب الشيخوخة أو الوفاة الطبيعية، تبين أنه لا يتوافق مع الاشتراكات التي دفعوها، كما أنه في حال التقاعد المبكر للموظف سينخفض ما نسبته 6% من راتبه عن كل سنة من سنوات التقاعد حتى بلوغ سن الستين، وهذا يقلل المردود والفائدة المرجوة من الضمان الاجتماعي.

وبالعودة للخبير الاقتصادي نائل موسى، فهو يؤكد أن القانون الفلسطيني مأخوذ حرفيًا من بعض القوانين المطبقة حاليًا في دول مجاورة، لا سيّما الأردن، "لكن مع ذلك نرى فيه بعض الإجحاف على الموظف في أبرز الحقوق، مثل أتعاب نهاية الخدمة للموظف الذي تضمن احتساب شهر عن كل عام بناء على مادة رقم (45) من قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لعام 2007، وهذا ما ألغاه قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني".

وبيّن موسى، أنه بموجب القانون الأردني، ففي حال كان الزوجان الموظفان منتسبان في الضمان الاجتماعي وتوفي أحدهما فمن الطبيعي أن يرث الآخر، في حين أن القانون الفلسطيني في حال استفادة الزوجين من الضمان الاجتماعي فإن الراتب التقاعدي يُدفع لصاحب الراتب الأعلى منهما ولا يُدفع لكلا الطرفين، "ما يعني أن أحد الزوجين تبرع باشتراكاته الشهرية طوال فترة خدمته لصندوق الضمان الاجتماعي".

قانون الضمان الاجتماعي يُبقي الفقير فقيرًا والغني غنيًا

وأمام الخلاف الكبير الحالي، فإن موسى يرى الحل الأمثل في عدم تطبيق القانون ببنوده دون تعديل عليها، "لأن القانون في شكله الحالي يُبقي الفقير فقيرًا والغني غنيًا، بمعنى أنه يعتمد بشكل كبير على مشاركة الموظف، وعندما يكون دخله قليلاً بالأصل فمشاركته سوف تكون قليلة، لذلك حصته بعد الضمان أيضًا سوف تكون قليلة، لذلك يجب أن يتم تحديد القانون بما يتوافق مع حاجات المشترك في الضمان الاجتماعي".

ويُعد انعدام الثقة بمؤسسة الضمان الاجتماعي، وكذلك في السلطة الفلسطينية، من أبرز المعضلات في هذا الملف. يُعلل القانوني موسى ذلك بأن "مدراءها يتقاضون رواتب مرتفعة ونظام التعيين فيها ليس عادلاً، فيكمن تساؤل الموظف هنا: هل أمواله التي سوف يدفعها محفوظة في أيدي أمينة؟".

انعدام الثقة في مؤسسة الضمان الاجتماعي والسلطة من أبرز المعضلات في هذا الملف

وأضاف، "من المتعارف عليه في نهاية وظيفته أن يحصل الموظف على أتعاب نهاية الخدمة ويكون له حرية التصرف بها. لكن القانون هنا يقر حصوله على هذه الأموال بشكل دفعات، لكن لم يوضح آلية دفع صاحب العمل هذه الأتعاب للعامل، كما لم يوضح الآلية التي سيتم بها دفع مستحقات العاملين عن السنوات السابقة".

ردَّ الوزير أبو شهلا على هذا التساؤل بالقول إن "العلاقة بين أرباب العمل والعمال علاقة مستمرة، القانون لا يقطعها، حيث إن كل مؤسسة من المفترض في نهاية العام أن تضع مسمى مخصص مكافأة ترك الخدمة، وهذه المبالغ يتم احتسابها حتى تصبح ذمة في رقبة صاحب العمل، لكن بعد انضمام الموظف لمؤسسة الضمان الاجتماعي تصبح الذمة في مسؤوليتها ويظل للعامل الحق في أن يحصل على حقوقه بعد نهاية عمله أو استقالته حسب قانون العمل المنفذ عام 2002".

وتُخالف أقوال أبو شهلا هذه وثيقة صدرت عنه ذاته في شهر أيار/مايو من العام الجاري، تشير إلى صرف راتب شهر عن كل عام للموظف في القطاع الخاص، قبل دخوله في قانون الضمان الاجتماعي.

واستغرب أبو شهلا الاحتجاجات على القانون الذي يقول إن العمل عليه استغرق خمس سنوات، حتى أُصدرت النسخة الأولى منه شهر آذار/مارس عام 2016، وقوبل حينها بالرفض. وقال: "لجنة حكومية أعادت دراسة كل المواد التي تم الاعتراض عليها ومناقشة كافة الأطراف والقوى المهتمة بالشأن، وتم تعديله وإصداره في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016، والآن بعد سنتين من صدوره جاء الوقت الفعلي لتطبيقه على أرض الواقع".

وكان صحافيون وموظفون في القطاع الخاص أطلقوا حراكًا مناهضًا لقانون الضمان الاجتماعي بشكله الحالي، وأعلنوا عن اعتصام وسط رام الله، بين الساعتين الحادية عشرة والواحدة ظهرًا من يوم الإثنين 15 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، قبل أن يُقرروا لاحقًا نقل الاعتصام إلى ساحة بلدية البيرة، بناءً على طلب الشرطة.

ودعا الحراك إلى تأجيل القانون لفترة أخرى وفتح حوار جديد مع كل الأطر من مؤسسات مجتمع مدني، ونقابات عمال، وأرباب عمل وغيرهم، والاستماع لأصوات المواطنين الرافضة لتطبيق القانون في الأجواء الحالية.

 


اقرأ/ي أيضًا: 

عمال نظافة بعربات في غزة.. لا حقوق ولا مقومات للسلامة

ثورة آلات صناعية.. هل تُهدد الأيدي العاملة؟

رحلة الموت والخبز المغمس بالذل