تقارير

تجارة النزوح: عائلات مدينة غزة تدفع كلّ ما تملك للهروب من الموت

22 سبتمبر 2025
تقرير تكاليف النزوح
محمد النعامي
محمد النعاميصحفي من غزة

آلاف النازحين يزحفون من مدينة غزة تجاه الجزء الجنوبي من القطاع، عائلات تقطع مسافات طويلة جدًا سيرًا على الأقدام، نساء يحملن أطفالهن على الأكتاف، شبان يجرون أكياس أمتعتهم، وأطفال يمشون وملامح الخوف والتعب والإعياء على وجوههم.

 كانت تكلفة نقل العائلة من مدينة غزة لوسط القطاع قبل أسابيع تصل إلى 2800 شيكل، ولكن مع زيادة القصف وبدء العملية البرية باتت الأسعار تصل لـ 5000 شيكل.

أُجبر معظم النازحين على قطع هذه الطريق الطويلة، من مدينة غزة إلى وسط وجنوب القطاع، في ظل عجزهم عن تأمين وسيلة نقل تنقلهم وأمتعتهم، نظرًا للغلاء الفاحش في أسعار النقل.

تكاليف ضخمة

"الترا فلسطين" التقى أعدادًا من النازحين الذين وصلوا حديثًا من غزة إلى مخيم النصيرات، ونقل تفاصيل معاناتهم، حيث أُجبروا على دفع مبالغ مالية كبيرة ليتم نقلهم جنوبًا، ومن ثم صُدموا بعدم وجود مساحة كافية لوضع خيامهم.

وحسب شهادات النازحين، فقد كانت تكلفة نقل العائلة من مدينة غزة لوسط القطاع قبل أسابيع تصل إلى 2800 شيكل، ولكن مع زيادة القصف وبدء العملية البرية باتت الأسعار تصل لـ 5000 شيكل.

هذه المبالغ المالية الباهظة جعلت خروج النازحين من غزة مع أمتعتهم أمرًا مستحيلًا لمعظم العائلات في القطاع الذي قفزت فيه نسبة الفقر إلى 90%، وفقد مئات الآلاف من سكانه أعمالهم ومصادر دخلهم، وسط المجاعة المتفاقمة التي هندسها الاحتلال على مدار عامين من الحرب.

النازح محمد سنيدة، قال إنه لم يكن يملك مالًا يكفي لدفع تكاليف النزوح نحو جنوب القطاع؛ فلجأ إلى بيع مقتنيات منزله، ومنها ما هو عزيز عليه، فقط ليسدد المبلغ المطلوب للنجاة.

وهربًا من الموت، أُجبرت آلاف العائلات على النزوح من المدينة سيرًا على الأقدام مع أمتعة محدودة موزعة على كل فرد بالعائلة. وهذه العائلات لا تستطيع أن تجلب معها خيمة، حيث يستحيل نقلها سيرًا على الأقدام، نظرًا لوزنها الثقيل؛ ولهذا افترشت آلاف العائلات الأرض دون خيام عند وصولها لوسط وجنوب القطاع.

وحتى العائلات التي تمكنت من توفير وسيلة نقل، وجدت صعوبة كبيرة في إيجاد موقع لتضع فيه خيامها، ما اضطر أعدادًا كبيرة منها للعودة إلى مدينة غزة.

النازح محمود أبو نصر قال إنه اضطر للنزوح سيرًا على الأقدام، في رحلة تجاوزت مدتها 12 ساعة، من وسط مدينة غزة وحتى مخيم النصيرات، بصحبة والدته المريضة وعائلته المكونة من 9 أفراد.

وأضاف، في حديثه لـ"الترا فلسطين": "هربنا من الموت والقصف والدمار، ولم نجد وسيلة نقل، فالمبالغ التي يطلبها أصحاب العربات عالية جدًا، ولا يمكننا توفيرها، فما كان أمامنا سوى النزوح سيرًا على الأقدام، وتركنا خلفنا خيمتنا ومعظم أمتعتنا، ولم نحمل على ظهورنا سوى ما هو ضروري جدًا".

وأوضح النازح أن قدمي والدته المريضة تورمتا من المشي، وصحتها تدهورت، وكذلك طفلته المصابة بمرض الربو تأثرت قدرتها على التنفس، بعد أن اختلط دخان القصف بغبار الطريق، وقلة الدواء والرعاية الطبية، مما زاد صعوبة رحلتهم، فتوقفوا مرات كثيرة ليلتقطوا أنفاسهم.

وتابع: "وصلت لمخيم النصيرات وأنا لا أملك خيمة، وها أنا على الطريق منذ الأمس، وكنت أراهن على أنني سأتمكن من صنع خيمة من الأغطية التي معنا، ولكنني صُدمت عندما وجدت أنه لا يوجد مكان أصلًا، حتى لو أنني أمتلك خيمة جاهزة، وهذا حال آلاف العائلات التي وصلت إلى هنا دون تمكنها من نقل أمتعتها".

نزوح يليه نزوح

أما النازح صهيب غانم، فقال إنه وفّر وسيلة نقل بصعوبة بالغة، وبتكلفة 4000 شيكل، موضحًا أنه تمكن من نقل أمتعة عائلته، لكنه واجه صعوبة بالغة في إيجاد مكان فارغ لوضع خيمته وتثبيت ما يلزمها من تجهيزات.

وأضاف لـ"الترا فلسطين": "في أول ليلة لنا في شرق مخيم النصيرات، وبعد يوم متعب وشاق، أيقظنا الجيران على تحذير الاحتلال باقتراب قصفه لأبراج عين جالوت، حيث إن خيمتنا ملاصقة لها، هربنا في ظلام الليل ونحن لسنا مدركين ما يحدث، حيث إننا اعتدنا على قصف الأبراج في غزة وليس في وسط القطاع، وفعلا حصل القصف، وتضررت خيمتنا، فقررنا الانتقال من هذا المكان".

وأشار غانم إلى أنه تحمّل تكاليف إضافية وكبيرة لنقل أمتعتهم مجددًا والنزوح إلى قطعة أرض شرق مخيم البريج، ولكنهم وجدوا أن رصاص الاحتلال يصل لهذه المنطقة ويرتطم بجدران المنازل، وأن المنطقة خطيرة، ولهذا تتوافر فيها مساحة متاحة لوضع الخيام.

وتابع: "وها نحن الآن على وشك نزوح جديد لجنوب القطاع، ولا نعلم ما الذي سنعيشه هناك، فكل يوم هناك شهداء في قلب منطقة المواصي التي أعلنت منطقة إنسانية، والقصف وإطلاق النار والموت في شمال القطاع وجنوبه، لهذا ندمت أنني خرجت من غزة بالأساس".

واختتم غانم حديثه قائلًا: "من أصدق ما قرأتُهُ أن النزوح هو أن تدفع لسائق كل ما تملك ليأخذك من منزلك ويلقيك في الشارع، وهذا هو حالنا حرفيًا، كنا في منازلنا، وخرجنا منها هربًا من الموت، إلى التشرد في الطرقات، ولهذا يعود آلاف من النازحين إلى مدينة غزة، بعد أن عجزوا عن إيجاد مأوى لهم أو مكان لوضع خيمة".

بيع الأثاث والملابس

ومع هذه التكاليف الهائلة، اضطرت عائلات غزية إلى نقل مقتنياتها وبيعها بأسعار زهيدة وسط القطاع، حتى توفر ثمن نقلها من غزة إلى الجنوب. ومع زيادة هذه الظاهرة، برزت أسواق متخصصة في هذا الشأن، حيث رصدت "الترا فلسطين" تجمعات لبيع أثاث وملابس وأغراض منزلية جلبها النازحون معهم، على مدخل مخيم النصيرات.

وتتنوع هذه المقتنيات ما بين أطقم نوم، ومكاتب، ومصابيح، وأدوات طبخ، وحتى الملابس المستخدمة وغيرها من الحاجيات، ولجأ بعض النازحين لبيع هواتفهم الشخصية، حيث يُجبرون على بيعها بثمن زهيد ليسرعوا في تسديد أجرة وسيلة النقل.

النازح محمد سنيدة، قال إنه لم يكن يملك مالًا يكفي لدفع تكاليف النزوح نحو جنوب القطاع؛ فلجأ إلى بيع مقتنيات منزله، ومنها ما هو عزيز عليه، فقط ليسدد المبلغ المطلوب للنجاة.

وأضاف في حديثه لـ "الترا فلسطين": "دفعتنا هذه الظروف المأساوية إلى بيع أثاث المنزل بسعر بخس، لنتمكن من الخروج من مدينة غزة قبل اجتياحها، حتى الشاحنة الصغيرة التي استأجرناها لنقلنا، فقد امتلأ معظمها بالأثاث وطقم النوم والأبواب التي نزعناها من البيت ونقلناها جنوبًا لبيعها وتسديد ثمن النقل، ولم يبقَ لأمتعة النزوح سوى مساحة صغيرة، وكأننا جلبنا سيارة صغيرة ونقلنا عليها أمتعتنا".

وأوضح سنيدة أنه صُدم من الأسعار التي عرضها عليه التجار الذين قابلهم وسط القطاع لشراء أثاثه، واصفًا إياهم بالمستغلين، وأنهم اغتنموا فرصة حاجته الماسة وضيق وقته، وعرضوا أسعارًا زهيدة مقابل الأثاث.

وتابع: "طقم النوم والذي اقتنيته منذ 3 سنوات، ولا يزال بحالة شبه جديدة، وكلفني حين اشتريته 7000 شيكل، عرضوا علي أن يشتروه بـ 600 شيكل فقط، والأبواب الأصلية التي نزعناها، عرضوا علي أن يشتروا الباب بـ 50 شيكل، وعندما أخبرتهم بنوعه، رد علي أحدهم أن خشب الزان والساندوش شيء واحد عندما يتعلق الأمر بإشعال النار فيهما، وبالنهاية خسرت قرابة 80% من القيمة الحقيقية لما عرضته للبيع، لأوفر ثمن النقل".

وأكد النازح سنيدة أنه لو تمكن من العودة إلى مدينة غزة مجددًا، وكان منزله غير مدمر، فلن يجد أيّ أثاث أو فراش أو أدوات مطبخية، فقد باع معظم ما يملكه من أجل هذه الرحلة، بعد استخدام الاحتلال الأساليب الدموية في القتل والتهجير، من قصف أبراج وتفجير روبوتات مفخخة وإحراق منازل وقصف مدفعي.

الكلمات المفتاحية

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب

لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل


اقتحامات الضفة الغربية

10 أيام من الاقتحام: الاحتلال يحوّل منازل في يعبد إلى ثكنات عسكرية ويُشرد العائلات

"منذ اليوم الأول للاقتحام، احتلّ الجنود ستة منازل بالكامل، والآن يسكنون فيها، بعد أن أجبروا سكانها على المغادرة وإبقاء الأبواب مفتوحة".


رصاص وكمائن حول الجدار: تصاعد خطير في إصابات العمّال الفلسطينيين

رصاص وكمائن حول الجدار: تصاعد خطير في إصابات العمّال الفلسطينيين

64 عاملاً استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة، منهم نحو 40 عاملاً منذ مطلع العام 2025. وهناك أكثر من 3 آلاف إصابة موثقة خلال العامين الماضيين


الدفاع المدني في غزة.. حربٌ أخرى ضد الركام

الدفاع المدني في غزة.. حربٌ أخرى ضد الركام

يقف جهاز الدفاع المدني أمام مهمة تفوق قدرته، إذ يواجه نقصًا حادًّا في المعدات الثقيلة والآليات الميدانية، مما يجبر طواقمه على العمل بما تيسّر من أدوات يدوية

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب
تقارير

مدارس غزة.. عودة مرتجفة للتعليم بين الركام والنازحين ومقاعد بلا أصحاب

لم يكن المشهد الذي رافق استئناف العملية التعليمية في غزة يشبه أي عودة مدرسية شهدها القطاع من قبل

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن
مقابلات

قيادي في حماس لـ "الترا فلسطين": تواصلنا مع روسيا والصين والجزائر لإحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن

قال القيادي في حماس وليد كيلاني، لـ"الترا فلسطين"، إن الحركة أجرت اتصالات عديدة في الأيام الماضية، خاصة مع روسيا والصين والجزائر، للضغط بهدف إحباط المشروع الأميركي في مجلس الأمن


مركز غزة: مليوني فلسطيني بالقطاع يعيشون كارثة إنسانية تتفاقم يوميًا مع اقتراب الشتاء
أخبار

الإعلام الحكومي: 288 ألف أسرة بغزة لا تملك أبسط مقومات الحياة

قطاع غزة يحتاج 300,000 خيمة وبيت متنقل لتأمين الحد الأساسي للسكن الإنساني.

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"
أخبار

عن رواتب الأسرى.. بيان للرئاسة الفلسطينية يكرر التأكيد على دور "مؤسسة تمكين"

في 10 شباط/فبراير، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس نقل صلاحية صرف رواتب أسر الشهداء والأسرى إلى مؤسسة "تمكين"، تحت عنوان "إصلاح النظام المالي" واستعادة المساعدات الدولية المعلّقة

الأكثر قراءة

1
تقارير

اغتصاب وتعذيب جنسي.. محرّرو غزة يروون لـ"الترا فلسطين" فظائع السجون


2
تقارير

الجبهة الديمقراطية لـ"الترا فلسطين": مصر عرضت على الفصائل خطّة من 5 بنود وهذه تفاصيلها


3
تقارير

داخل صندوق أسود: هكذا تُدار الدبلوماسية الفلسطينية


4
تقارير

خاص | الترا فلسطين يحصل على نصّ وثيقة الخطوات التنفيذية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة


5
راصد

توني بلير.. سيرة إداري للإيجار