خلّصت صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة، إلى أنّ استقالة رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ، هرتسي هليفي، بداية لصراع السيطرة على الجيش الإسرائيليّ. ومن جانبه، أشار عميت هاليفي، عضو لجنة الشؤون الخارجيّة والأمن، إلى أنّه "من المهمّ إعادة النظر في العقيدة العسكريّة، فقد يترك الشخص منصبه، لكنّنا نواصل نفس طريقة التفكير الّتي أدّت إلى إخفاقات السابع من أكتوبر".
أمّا محلّل الشؤون العسكريّة للتلفزيون الإسرائيليّ، فقد أكّد على ضرورة أن تكون لجنة التحقيق "شاملة للأطراف جميعها، الجيش والحكومة". وفي السياق ذاته، اعتبر وزير التعاون الإقليميّ الإسرائيليّ، أنّ "الفشل كان على مستوى التخطيط والتنفيذ، وليس نتيجة لقرارات الحكومة".
هآرتس: الشعور العامّ في إسرائيل يدرك الحاجة إلى محاسبة المسؤولين عن الأحداث المأساويّة، وستصل هذه المطالب في النهاية إلى الحكومة
نشرت صحيفة "هآرتس" تقريرًا مطوّلًا أعدّته مراسلتها، رافيت هيشت، تحت عنوان "استقالة هليفي هي مقدّمة لتشكيل لجنة تحقيق، ولكنّها أيضًا مقدّمة للصراع من أجل السيطرة على الجيش الإسرائيليّ".
ويتناول التقرير أبعاد استقالة هرتسي هليفي، والتداعيات السياسيّة والصراعات الداخليّة الّتي تلت هذه الاستقالة، وهو ما يتجاوز الأحداث الظاهرة ليصل إلى تسليط الضوء على النزاعات داخل المؤسّسات العسكريّة والسياسيّة في إسرائيل.
في مقدّمتها، ربطت هيشت بين فترة ولاية هليفي في قيادة الجيش و"ما شهدته من أحداث مأساويّة أثّرت في الجيش الإسرائيليّ". وقالت هيشت، إنّ "فترة ولاية هليفي كانت مليئة بالأحداث المأساويّة، فقد تصاعدت المخاوف من أن يؤدّي الانقسام السياسيّ داخل الجيش إلى تفكّك بنيته. وقد ازدادت هذه المخاوف بشكل كبير خلال محاولات الحكومة الانقلاب على النظام السياسيّ، وما تلا ذلك من أحداث في تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، بالإضافة إلى التحدّيات المترتّبة على الحرب الأطول والأكثر تعقيدًا في تاريخ إسرائيل".
وركّزت هيشت على إخفاقات الجيش الإسرائيليّ خلال الهجوم الّذي شنّته حماس، مشيرة إلى أنّ "الجيش أخفق في اليوم الّذي هاجمت فيه حماس النقب الغربيّ. والمسؤوليّة تقع على هليفي نفسه على المستويات جميعها: من تقييم الوضع قبل ساعات من الهجوم، إلى المستوى الاستراتيجيّ الأوسع، بما في ذلك قصور في الاستخبارات وغياب رؤية دقيقة لنوايا حماس، فضلًا عن ضعف في تأمين الحدود مع قطاع غزّة".
وأوضحت هيّشت أنّ نتائج هذه الإخفاقات واضحة، وأنّ هذه "الفشل" سيظلّ يلاحق هليفي للأبد، رغم "الإنجازات الّتي حقّقها الجيش في مواجهة حزب اللّه في وقت لاحق"، وفق قولها.
وفيما يتعلّق بتداعيات استقالة هليفي، قالت هيشت إنّ الوزير المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، بدأ في استخدام الحدث لصالحه سياسيًّا، مشيرة إلى "حملة سموتريتش الّتي تروّج لإقالة رئيس الأركان لتشتيت الانتباه عن استمراره في الحكومة". ومع ذلك، رأت هيشت أنّ استقالة هليفي، بالإضافة إلى استقالة قائد المنطقة الجنوبيّة يارون فينكلمان، قد تكون بمثابة "إشارة إلى نهاية الحرب في غزّة"، ورجّحت أن يكون القرار السياسيّ بشنّ عمليّة عسكريّة في الضفّة الغربيّة محاولة لتهدئة سموتريتش وتمكينه من البقاء في الحكومة.
وفيما يخصّ تداعيات الاستقالة على المشهد السياسيّ الإسرائيليّ، أكّدت هيّشت أنّ هناك حالة من الغضب الشعبيّ تجاه الحكومة، وأشارت إلى أنّ "الصراع على السيطرة على الجيش سيتصاعد قريبًا بين الأطراف الديمقراطيّة الرافضة لجرائم الحرب وبين القوى الّتي تسعى لتحويل الجيش إلى كيان انتقاميّ في طابع دينيّ متشدّد".
وأضافت هيشت: "بينما يستقيل هليفي، تبقى الحكومة متمسّكة بمواقفها دون تحمّل المسؤوليّة، خاصّة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ممّا يثير الغضب الشعبيّ، ويزيد من المطالبة بمحاسبة المسؤولين".
وربطت هيشت استقالات القادة العسكريّين، مثل هليفي وقائد الاستخبارات العسكريّة "أمان" أهارون حاليفًا، بتزايد الدعوات لمحاسبة القيادة السياسيّة، وقالت: "رغم الإحباط والخوف من المستقبل، فإنّ استقالة القادة العسكريّين تمثّل خطوة لتحميل المسؤوليّة لمن كان في موقع السلطة يوم 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، وفي مقدّمتهم بنيامين نتنياهو".
وأكّدت هيّشت أنّ هذه الاستقالات قد تمهّد الطريق لمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسميّة، وهو مطلب ترفضه الحكومة الحاليّة بشكل حاسم.
وفي ختام التقرير، قالت هيشت إنّ "الشعور العامّ في إسرائيل يدرك الحاجة إلى محاسبة المسؤولين عن الأحداث المأساويّة، وستصل هذه المطالب في النهاية إلى الحكومة".
على الجانب الآخر، علّق عميت هاليفي، عضو لجنة الخارجيّة والأمن في الكنيست عن حزب الليكود، في مقابلة مع القناة 13 الإسرائيليّة، على استقالة رئيس الأركان، مؤكّدًا أنّ الاستقالة وحدها لا تكفي، بل يجب إجراء تغيير منهجيّ في التفكير العسكريّ. وأضاف هاليفي: "من المهمّ مراجعة العقيدة العسكريّة، فالشخص قد يترك منصبه، لكنّنا نبقى بنفس طريقة التفكير الّتي أدّت إلى القتال الطويل دون تحقيق النصر. هذا الإخفاق الكبير يعادل إخفاق السابع من أكتوبر".
وفيما يتعلّق بتشكيل لجنة تحقيق، شدّد روعي شارون، محلّل الشؤون العسكريّة في التلفزيون الإسرائيليّ الرسميّ قناة "كان"، على أهمّيّة أن تكون هذه اللجنة شاملة، وتشمل الأطراف جميعها، سواء الجيش أو الحكومة، مؤكّدًا أنّ المسؤوليّة عن إخفاقات السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر لا تقع فقط على الجيش، بل على الحكومة أيضًا. وقال: "من الضروريّ تشكيل لجنة تحقيق مع الجميع، ليس فقط مع الجيش، بل مع الحكومة. إنّهم يحاولون تحميل رئيس الأركان المسؤوليّة، ولكن هناك الكثير من المسؤوليّة الّتي يجب أن تتحمّلها الحكومة أيضًا".
من جهته، أكّد وزير التعاون الإقليميّ، دودي أمسالم، في تصريحات له، أنّ الحكومة الإسرائيليّة ليست المسؤولة عن الفشل الّذي أدّى إلى أحداث السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، بل المسؤوليّة تقع على عاتق المستويات المهنيّة، وأوضح: "الفشل كان على مستوى التخطيط والتنفيذ، وليس بسبب قرارات الحكومة. يجب تشكيل لجنة تحقيق وطنيّة محايدة لفحص الحقيقة ومعرفة الأخطاء الّتي حدثت".
فيما يتعلّق باختيار رئيس جديد للأركان، رأى أمسالم أنّ "أيّال زامير هو الخيار الأنسب للمنصب"، مشيرًا إلى أنّ الجيش بحاجة إلى قائد من سلاح المدرّعات ليكون قائدًا عامًّا، حيث يعتبر هذا السلاح العمود الفقريّ في العمليّات الميدانيّة.



