26-سبتمبر-2024
الحرب البرية على لبنان

(Getty)

تناولت تحليلات غربية وإسرائيلية، إمكانية العدوان البري على لبنان، وبينما تشير تقارير إسرائيلية عدة إلى أن التلويح بهذه الخطوة يرتبط في محاولة "تهديد حزب الله" حاليًا، فإنها تؤكد على أن العملية البرية في لبنان "لن تكون سهلة".

وقال تقرير في صحيفة "الغارديان" البريطانية: "لا توجد حربان متشابهتان، حتى تلك التي تدور رحاها بين نفس الطرفين المتحاربين على نفس الأرض. ولكن العديد من التحديات تظل كما هي".

وبينما أبلغ رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي "قواته أن الغارات الجوية ستستمر داخل لبنان في حين يستعد الجيش الإسرائيلي لعملية برية محتملة". عقب مراسل بيتر بومونت، القول: "إذا عبرت قواته الحدود الشمالية فمن المرجح أن تواجه عقبات سبق أن واجهتها". مضيفًا: "عندما دخلت الدبابات الإسرائيلية جنوب لبنان في عام 2006 (وليس للمرة الأولى) وجدت خصمًا تغير بشكل كبير منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان قبل ست سنوات".

الغارديان: إذا كان للتاريخ أن يعلمنا أي شيء، وفي أعقاب غزوات إسرائيل السابقة للبنان في عام 1978، وفي عام 1985، وفي عام 2006، فإن أي غزو بري من المرجح أن يفشل في تحقيق أهدافه

وأضاف: "حتى في تلك الفترة القصيرة، نجح حزب الله في تنظيم قدراته وتطويرها. ففي منطقة الحدود الوعرة التي تطل عليها التلال الصخرية شديدة الانحدار، تم إعداد أنفاق قتالية. وتم تكييف تكتيكات وأسلحة جديدة من شأنها أن تزعج القوات الإسرائيلية عند دخولها. وكانت الدبابات على وجه الخصوص عرضة للصواريخ المضادة للدبابات، في حين أطلق مقاتلو حزب الله والمجموعات المتحالفة معه مثل حركة أمل، قذائف الهاون على وحدات المشاة الإسرائيلية المتقدمة أثناء شق طريقهم عبر البساتين وحقول التبغ".

وأوضح بيتر بومونت: "بالنسبة لأولئك (بما في ذلك كاتب هذا المقال) الذين شهدوا القتال عن قرب، فقد كان ذلك درسًا مفيدًا. في تلك الحرب ــ كما في هذه الحرب ــ سيطرت الطائرات الإسرائيلية المُسيّرة على الأجواء، وقصفت البنية الأساسية ومواقع حزب الله دون مقاومة. وكانت الزوارق الحربية الإسرائيلية، تقصف الساحل، وتهدد الطريق الساحلي الرئيسي يوميًا. ولكن عند الاقتراب من الحدود، كانت الصورة مختلفة تماما".

وحول أسلوب حزب الله في القتال، قال: "في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كان حزب الله يمتلك مواقع معدة جيدًا. وكانت الصواريخ تنطلق من مواقع مخفية على سفوح التلال القريبة، فتستدعي ضربات مضادة من جانب إسرائيل، سواء من الطائرات النفاثة أو المدفعية على الحدود، ويبدو من المستحيل النجاة منها. ولكن في كثير من الأحيان، بعد توقف لبضع ساعات، كانت الصواريخ تنطلق مرة أخرى من نفس المكان، فتبدأ دورة جديدة من الهجمات".

وعاد الكاتب إلى تصريحات هليفي، قائلًا: "في تعليقاته أمام الجنود، بدا رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي وكأنه يشير إلى حقيقة مفادها أن أي توغل بري، إذا أمر به، سيكون صعبًا وسيواجه معارضة شديدة".

وقال نتنياهو يوم الأربعاء: "نحن نستعد لعملية مناورة، وهذا يعني دخول أراضي العدو، ودخول القرى التي أعدها حزب الله كنقاط عسكرية كبيرة، مع البنية التحتية تحت الأرض، إن دخولكم إلى تلك المناطق بالقوة، ولقائكم بعناصر حزب الله، سوف يظهر لهم ما يعنيه مواجهة قوة محترفة وذات مهارات عالية وخبرة في المعارك. إنكم قادمون بقوة أكبر وخبرة أكبر بكثير من تلك القوة. وسوف تدخلون وتدمرون العدو هناك، وتدمرون بنيته التحتية بشكل حاسم"، وفق تعبيره.

وعقب بيتر بومونت على التصريحات، بقوله: "الحقيقة هي أن أي حملة برية ستكون مهمة أكثر تعقيدًا بكثير من الهجمات التي تقودها الاستخبارات والتي تسعى إسرائيل إلى تنفيذها في مناوراتها باستخدام أجهزة الاتصال المتفجرة والغارات الجوية التي تلت ذلك".

وأوضح: إن "إخفاقات حرب عام 2006 ــ التي حددتها لجنة فينوغراد اللاحقة ــ كان لها آباؤها الخاصون، بما في ذلك مجموعة ثلاثية من القادة الإسرائيليين عديمي الخبرة في زمن الحرب: رئيس الأركان آنذاك، دان حالوتس، الطيار المقاتل السابق الذي واجه صعوبة في تنسيق الحركات البرية، فضلًا عن رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت، ووزير الأمن عمير بيريتس".

وكما كتب المراسل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هاريل في عام 2016، بعد عقد من الحرب: "تم نقل فرق الجيش الإسرائيلي بلا هدف، مع عجز الحكومة والجيش عن تحديد المناورة التي من شأنها أن تمنحهم اليد العليا".

وتابعت "الغارديان": "رغم أن الجيش الإسرائيلي نجح في تحسين دروعه لكي يتمكن من الدفاع بشكل أفضل ضد الأسلحة المضادة للدبابات المتحركة والاستعداد للقتال في لبنان، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان التوغل البري الإسرائيلي قادرًا على تجنب نفس المزالق. أو ما إذا كانت أهدافه أكثر واقعية. إن حزب الله الآن أفضل تسليحًا بكثير مما كان عليه في عام 2006، وأصبح مقاتلوه أكثر خبرة في القتال بعد سنوات من القتال في سوريا، ولكن يبدو أن إسرائيل تقع في نفس الفخ المفاهيمي المتمثل في سوء فهم طبيعة حزب الله".

واستمر في القول: "في حين نجحت تفجيرات البيجر والضربات الإسرائيلية في إزالة طبقة من القيادة والسيطرة، فإن جوهر حزب الله كقوة لبنانية لا يزال سليمًا في نهاية المطاف. وفي جوهرها، تظل قوة محلية متمركزة في المدن والقرى والريف ولديها مهمة واحدة ومفهومة جيدًا: مقاومة القوات الإسرائيلية".

وواصل المقال، بالقول: "بينما شهد حزب الله لحظة "الصدمة والرعب" في هجمات أجهزة البيجر واللاسلكي والغارات الجوية، فإن إسرائيل تعاني من عيوبها الخاصة ــ ليس أقلها الإرهاق المتزايد ليس فقط في قدرتها العسكرية، بل وأيضًا في الإرهاق المتزايد في المجتمع الإسرائيلي بعد عام من الحرب. لقد تم نقل العديد من الوحدات التي كانت تقاتل في غزة إلى الشمال. كما أن الأزمة المتفاقمة في الضفة الغربية تستنزف الطاقات مع استمرار حرب عزة غزة".

وختم بالقول: "لقد تباهى الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة بالقتال على جبهات متعددة، ولكن العملية الطويلة المروعة في غزة لا تزال غير مكتملة ولا توجد خطة واضحة لليوم التالي. وقد أظهرت هذه الحملة أيضًا أوجه القصور في التفكير العسكري الإسرائيلي - ليس أقلها فكرة أن حرب المناورة يمكن أن تهزم الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تتصرف أحيانًا مثل القوات التقليدية ولكنها قد تلجأ أيضًا إلى حرب غير تقليدية". مضيفًا: "إذا كان للتاريخ أن يعلمنا أي شيء، وفي أعقاب غزوات إسرائيل السابقة للبنان في عام 1978، وفي عام 1985، وفي عام 2006، فإن أي غزو بري من المرجح أن يفشل في تحقيق أهدافه".

الهجوم البري على لبنان ليس رحلة

بدوره، قال مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف الإسرائيلية آفي أشكنازي، إن "المناورة [البرية] في لبنان ليست رحلة سنوية حيث تمشي على الطريق بين حقول دوار الشمس، إلى الشلالات التي لا نهاية لها، والماء على ظهرك ووجبات البامبا الخفيفة في يدك. مناورة الجيش الإسرائيلي في لبنان هي عملية حرب مجنونة، تخاطر بحياة العديد من الجنود، مع إطلاق نار كثيف، في حين أنه ليس من الواضح ما هي نتائج هذه الخطوة".

وأشار إلى أن "الجيش الإسرائيلي مصمم على القيام بمناورة في لبنان، فيما يتعلق بالقادة، ليس هناك من شك في أن الجيش الإسرائيلي تقدم عند الظهر خطوة أخرى نحو الغزو الرابع للبنان في السنوات الـ 45 الماضية"، مشيرًا إلى حشد "الجيش الإسرائيلي لواءين من ناحال في الاحتياط ونقلهم على الفور إلى الشمال. وفوق كل هذا، يواصل الجيش الإسرائيلي القصف الجوي".

وحول دافع العدوان البري، فقد أشار إلى أن الجيش يريد استباق فصل الشتاء، ودخول الجيش الإسرائيلي في "لحظة الهجوم"، بالإضافة إلى رغبة الجيش في عدم "خسارة أي إنجاز تكتيكي"، والخشية على صورة الجيش الذي "يخشى المواجهة المباشرة في لبنان ويفضل العمل من بعيد في عمليات استخبارية أو عمليات جوية"، كما اعتبر أن "سكان الشمال سيجدون صعوبة في العودة إلى منازلهم دون تحرك عسكري على الأراضي اللبنانية"، كما أضاف الجوانب المعنوية من هكذا خطوة، خاصة بعد فشل 7 تشرين الأول/أكتوبر وفشل تموز/يوليو 2006.

وختم أشكنازي بالقول: "دون الخوض في النبوءات، السؤال ليس ما إذا كان الجيش الإسرائيلي سيناور في لبنان، بل متى. ونعم، لن تكون المناورة رحلة بالماء على ظهرك وكيس بامبا في يدك، بل مهمة صعبة وخطيرة".

تهديد وربما يتطور

بدوره، قال المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يوسي يهوشوع: "الإعلان عن استدعاء وحشد قوات الاحتياط في الشمال وتصريح رئيس الأركان بشأن الدخول البري إلى لبنان يخلقان تأثير كون الهجوم البري سيكون في وقت قريب، لكنها في هذه اللحظة مجرد سوط مصمم لتهديد نصر الله، وتحضيرًا لخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة، لكن الحقيقة هي أن المناورة البرية ضرورية لعودة السكان إلى بيوتهم".

 

يوسي يهوشوع: الإعلان عن استدعاء وحشد قوات الاحتياط في الشمال وتصريح رئيس الأركان بشأن الدخول البري إلى لبنان يخلقان تأثير كون الهجوم البري سيكون في وقت قريب، لكنها في هذه اللحظة مجرد سوط مصمم للتهديد

وأشار إلى أن "نطاق ونوعية النيران الحالية لا تمثل القدرات الكاملة لحزب الله". قائلًا: إنها "حرب بلا شك، لكنها ليست قريبة بعد مما يمكن أن تكون عليه. فحزب الله لم يستخدم بعد عشرة في المائة من قوته، استنادًا إلى اعتباراته الخاصة. وبحسب التقديرات، فهو يخطط بالتأكيد للرد على الضربات الذي تلقاه".

وحول الإعلان عن استدعاء ألوية الاحتياط المحدود، قال إن الإعلان "يخلق تأثير غزو وشيك. لكن هذا مجرد تهديد لحزب الله الآن". مضيفًا: "المناورة البرية المحدودة هي أداة ضرورية من أجل إعادة أكبر عدد ممكن من السكان بأمان إلى منازلهم. ومن يعتقد أنه من دون الاهتمام بالبنية التحتية لحزب الله على خط التماس سيتمكن من إقناع الجمهور [بالعودة إلى المنازل]، فهو مدعو للانتقال إلى هناك والمراهنة بحياته على عادات حسن الجوار لدى قوة الرضوان"، وفق تعبيره.