تداعيات السابع من أكتوبر على إسرائيل: أزمات متعددة الأبعاد وتأثيرات طويلة المدى
7 أكتوبر 2025
يشكّل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 نقطة تحوّل استراتيجية غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل الحديث. لم تكن الأحداث التي وقعت مجرد أزمة أمنية عابرة، بل صدمة شاملة كشفت هشاشة الدولة في إدارة الأزمات المعقدة وطويلة الأمد، مؤثرة بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد، وقطاع التكنولوجيا العالية، والبنية الاجتماعية والسياسية، والثقة في المؤسسات العامة. دفعت هذه التداعيات صُنّاع القرار من المسؤولين والخبراء والعلماء ومراكز البحث إلى إعادة النظر في أساليب الحفاظ على التوافق الاجتماعي، ووضع استراتيجيات للتعافي الاقتصادي والاجتماعي، وصياغة رؤية متكاملة لإدارة الأزمات متعددة الأبعاد.
السابع من أكتوبر لم يكن مجرد أزمة أمنية إسرائيلية أخرى، بل صدمة متعددة الأبعاد تركت آثارًا اقتصادية واجتماعية وأكاديمية وأمنية عميقة، وهي في طور التشكل حتى الآن
يُعدّ قطاع التكنولوجيا العالية العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي، إذ يُسهم بنحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي، ويمثّل نصف الصادرات ونسبة كبيرة من الإيرادات الضريبية. بعد السابع من أكتوبر، تأثر نحو 15% من القوى العاملة في القطاع، ما أدى إلى تعطيل مشاريع تنموية حيوية، خاصة في الشركات الناشئة الصغيرة والمتخصصة. كما شهدت الاستثمارات الأجنبية انخفاضًا بنحو 45% نتيجة حالة عدم اليقين الاقتصادي والمخاطر الأمنية، فيما أدّت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية، مثل الكهرباء والاتصالات، إلى تراجع الإنتاجية وتأخر الابتكار.
التحدي الرئيسي أمام إسرائيل يتمثل في الحفاظ على مكانتها كمركز عالمي للابتكار، وضمان استمرارية سلاسل الابتكارات الرقمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية في بيئة محفوفة بالمخاطر. وتشير التقديرات إلى أن الحكومة بحاجة إلى دعم مالي يقارب 22 مليار شيكل خلال السنوات المقبلة لضمان استمرارية منظومة الابتكار وحماية القدرة التنافسية على المستوى العالمي. كما أن فقدان الكفاءات في مجالات التكنولوجيا والصناعات المتقدمة يهدد القدرة على تنفيذ المشاريع الاستراتيجية طويلة المدى.
لم تقتصر التأثيرات على قطاع التكنولوجيا فحسب، بل شملت الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله. فقد بلغت التكاليف المباشرة لعمليات الطوارئ نحو 86 مليار شيكل في عام 2025، بعد أن وصلت إلى نحو 170 مليار شيكل بنهاية 2024، نتيجة الإنفاق على العمليات العسكرية والإغاثة الطارئة. أما التكاليف غير المباشرة فتمثلت في تعطيلات الأعمال التجارية، وانخفاض الاستهلاك، وتأخير المشاريع الكبرى، وتراجع الأداء الصناعي والزراعي. أدّى ذلك إلى نمو ضعيف في الناتج المحلي الإجمالي لا يتجاوز 1%، مع توقعات بتعافٍ تدريجي خلال السنوات الثلاث المقبلة، إذا ما تم تبنّي سياسات إصلاحية فعالة.
كما تسببت الأزمة في ارتفاع معدلات البطالة في قطاعات متعددة، خصوصًا بين الشباب والنساء العاملين في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ما زاد الضغط على برامج الدعم والحماية الاجتماعية. وتشير البيانات الرسمية إلى أن بعض الشركات الكبرى اضطرت إلى تقليص عملياتها أو نقل استثماراتها إلى الخارج، ما انعكس سلبًا على القدرة التنافسية لإسرائيل في الأسواق العالمية.
في الجانب الاجتماعي، كشفت الأزمة عمق الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، حيث برزت خلافات سياسية ودينية واجتماعية حادة، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الموارد والخدمة العسكرية. وانخفضت الثقة في المؤسسات الحكومية إلى 21%، وفي الجيش إلى 38%، مقارنة بمستويات أعلى بكثير قبل الأزمة. وتكشف هذه المؤشرات عن هشاشة اجتماعية مستمرة تهدد قدرة الدولة على التعبئة المجتمعية خلال الأزمات المستقبلية.
وفي المقابل، أظهرت الأزمة بعض مظاهر التضامن المحدودة داخل إسرائيل، مثل المبادرات المحلية لدعم الأسر المتضررة والمشاريع التطوعية لتعويض النقص في الخدمات الأساسية، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية لتعويض التصدعات السياسية والاجتماعية المتسارعة.
أحد أبرز التداعيات طويلة المدى تمثّل في موجات الهجرة، سواء المؤقتة أو الدائمة، خاصة بين الشباب المهنيين والعائلات الصغيرة في مجالات التكنولوجيا والطب والأكاديميا. وقد أدّى فقدان هذه الفئات إلى تهديد مباشر للابتكار والإنتاجية، وإلى تغيّر في التركيبة الديموغرافية يُعقّد من قدرة إسرائيل على التخطيط المستقبلي. وتشير المعطيات إلى أن الدول الأكثر جذبًا لهؤلاء المهاجرين هي الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وهولندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا.
وتوضح الإحصاءات أنه في عام 2024 غادر نحو 82,800 يهودي إسرائيل، عاد منهم فقط 24,200، بينما وصل عدد المهاجرين الجدد إلى 31,068، بانخفاض قدره 32.6% مقارنة بعام 2023. وكان معظم المغادرين دون سن 49 عامًا، بينهم 27% أطفال، مع تركّز جغرافي في منطقة تل أبيب الكبرى (54%)، تليها حيفا، والجنوب، والقدس، والشمال. استمرار هذه الظاهرة دون تبنّي سياسات احتواء فعالة قد يؤدي إلى خسارة رأس المال البشري وخلق فجوة بين المجتمع المحلي والجاليات الإسرائيلية في الخارج، ما يضعف القدرة التنافسية طويلة الأمد.
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، دخلت الأكاديميا الإسرائيلية مرحلة غير مسبوقة من العزلة الدولية. فقد تحولت موجات المقاطعة السابقة، التي كانت محدودة، إلى ظاهرة مؤسسية تهدد موقع إسرائيل في البحث العلمي والتعليم العالي. وتشير التقارير إلى انخفاض عدد الطلاب الأجانب بنسبة 50%، وتراجع المنشورات العلمية بنسبة 21%، وانخفاض متوسط الاقتباسات لكل بحث إسرائيلي إلى 10.9 مقارنة بـ33 في البحوث المشتركة مع الاتحاد الأوروبي.
وأشار البروفيسور دانيال خايموفيتش إلى أن الأزمة تشكل تهديدًا مزدوجًا للاقتصاد والبحث والأمن الإسرائيلي، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني والصناعات المتقدمة. كما تراجعت مؤشرات الابتكار الدولية لإسرائيل من المرتبة الخامسة إلى الخامسة عشرة في مؤشر بلومبيرغ للابتكار خلال خمس سنوات، نتيجة فقدان الدعم الأكاديمي الدولي وتراجع المشاركة في المشاريع البحثية المشتركة.
خلاصة القول، إن السابع من أكتوبر لم يكن مجرد أزمة أمنية إسرائيلية أخرى، بل صدمة متعددة الأبعاد تركت آثارًا اقتصادية واجتماعية وأكاديمية وأمنية عميقة، وهي في طور التشكل حتى الآن. فقد كشفت عن هشاشة البنية المؤسسية، وأضعفت الثقة العامة، وبالتوازي مع ذلك كله، يشكك العديد من الخبراء في قدرة النخب السياسية الإسرائيلية الحالية على بلورة توافق داخلي حول هذه الرؤية، معتبرين أن تداعيات السابع من أكتوبر تمثّل تحذيرًا مستمرًا من المخاطر البنيوية التي قد تهدد مستقبل إسرائيل في العقود القادمة.
الكلمات المفتاحية

قوة الإنفاذ الدولية... هل تعني عودة الاحتلال لغزة؟
التحوّل من "الحفظ" إلى "الإنفاذ" يُثير مخاوف فلسطينية مشروعة من أن تتحول هذه القوة إلى ذراعٍ أمنية دولية تعمل بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية

إسرائيل تشرع بتسوية الأراضي في مناطق "ج" وتسجيلها كملكيات خاصة للمستوطنين.. أي سياق؟
في أيار/مايو 2025، قررت الحكومة الإسرائيلية "إبطال" عمليات التسوية التي أجرتها السلطة الفلسطينية في المنطقة "ج"، والبدء بتنفيذ مشروع تسوية شامل لتسهيل التوسع الاستيطاني

التحول في الموقف الأميركي من إسرائيل: بين تغير الأجيال وتبدل الوعي السياسي
بينما لا يزال الجيل الأكبر سنًا في هذه الجماعات يعبر عن دعم قوي لإسرائيل، يظهر بين الشباب ما يشبه حالة الفتور أو الانفصال العاطفي عن العلاقة التقليدية
بينيت: نقل السيطرة الأمنية في غزة إلى قوات متعددة الجنسيات يعرّض أمن "إسرائيل" للخطر
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت، إن "نقل السيطرة الأمنية في غزة إلى قوات متعددة الجنسيات، بعضها معادٍ مثل تركيا، يعرّض أمن إسرائيل للخطر"

الضفة: حملة اعتقالات واسعة وهدم منتزه في بلدة القبيبة بالقدس
شنت قوات الاحتلال اليوم الخميس حملة اعتقالات واسعة في مدن الضفة الغربية، تركزت في بلدة دورا جنوبي الخليل

مستوطنون يحرقون أجزاءً من مسجد في سلفيت ويخطّون شعارات عنصرية
أفادت محافظة سلفيت بإقدام مجموعة من المستوطنين، فجر اليوم، على إحراق مسجد (الحاجة حميدة) في بلدة ديراستيا شمال غرب سلفيت، وخط شعارات عنصرية على جدرانه الخارجية

أطباء بلا حدود: الأوضاع في غزة ما زالت مزرية للغاية بعد شهر من الهدنة
الأوضاع المعيشية في قطاع غزة ما زالت كارثية، فالبنية التحتية الحيوية مدمّرة، والنزوح واسع النطاق، والمساعدات غير كافية

