15-نوفمبر-2020

صورة توضيحية - gettyimages

قد تزول الآثار الصحية لدى معظم المصابين بفيروس كورونا (كوفيد 19)، بعد أيام أو أسابيع، عبر الطرق العلاجية الصحيحة، غير أن تفشي الفيروس نفسه، وما تبعه من تدابير وقائية وحجر منزلي وتباعد اجتماعي، خلف آثارًا نفسية لدى المصابين وغير المصابين، ربما تمتد فترة أطول، متسببة باضطرابات مختلفة، قد تلازم الشخص لعدة شهور.

المؤسسات المعنية سجلت نسبة كبيرة من حالات التبليغ ضد العنف من النساء، لا سيما في قطاع غزة

ويؤكد أخصائيون نفسيون أن إجراءات الحجر المنزلي، التي فرضت لمواجهة تفشي جائحة كورونا، غيرت عادات وطبائع الكثيرين، خاصة ممن يسكنون المدن، وولدت معاناة نفسية كبيرة لديهم.

اقرأ/ي أيضًا: إدارة الحجر المفتوح

ويشير المختصون لازدياد حالات العنف الممارس داخل البيوت، ضد النساء والفتيات.

وبرغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حول الأمر، إلا أن المؤسسات المعنية سجلت نسبة كبيرة من حالات التبليغ ضد العنف من النساء، لا سيما في قطاع غزة.

ومما زاد من تفاقم المشكلة، ما كشفت عنه منظمة الصحة العالمية من أن تفشي كورونا حول العالم، أدى إلى تعطل خدمات الصحة النفسية الضرورية في 93% من البلدان التي شملها مسح أجرته المنظمة، مما يؤكد التأثير المدمر للجائحة.

في الغالب، طالت الآثار النفسية السيئة للجائحة فئة الشباب، سواء الخوف من الإصابة أو انعكاسات الحجر المنزلي

وبحسب تقرير المنظمة، فإن الفجائع الناجمة عن فقدان الأحباب بسبب الموت، والعزلة، وفقدان الدخل، والخوف، أدت إلى ظهور حالات صحية نفسية أو تفاقم الظروف القائمة.

اقرأ/ي أيضًا: فيروس يمحو الواقع

وأضافت، أن العديد من الأشخاص قد يواجهون مستويات متزايدة من تعاطي الكحول والمخدرات والأرق والقلق.

صورة تعبيرية: فئة الشباب هي الأكثر عرضة لانعكاسات الحجر | Getty

وفي الغالب، طالت الآثار النفسية السيئة لجائحة كورونا فئة الشباب، سواء تعلق الأمر بما تسبب به الخوف من الإصابة، أو ما ارتبط بانعكاسات الحجر المنزلي وعمليات الإغلاق ومنع التنقل.

تجربة مريرة

الشاب "ع.د" -35 سنة- من رام الله، يقول إنه واجه ما أسماه "فوبيا المرض" على حد وصفه، حيث أن ضعف مناعته بسبب مرض رئوي يلازمه منذ صغره، إضافة إلى وجود رضيع لديه، جعله يحسب حسابًا لكل سلوك أو خطوة يقوم بها، خوفًا من إصابته بالعدوى وحدوث مضاعفات خطيرة على صحته، ومن أن ينقل العدوى لطفله.

الشاب "ع.د" -35 سنة- من رام الله، يقول إنه واجه "فوبيا المرض" خاصة مع الأخبار اليومية الكثيفة التي تخللتها شائعات حول تفشي الوباء

وقال: "اضطررت لملازمة المنزل حتى قبل إعلان الحكومة إجراءات الإغلاق التام، لم أكن أغادر إلا قليلاً ولقضاء حاجات الأسرة وشراء مستلزمات مختلفة".

اقرأ/ي أيضًا: أوبئة غيرت وجه الحياة في فلسطين

ويضيف، "معظم الوقت كنت أرتدي الكمامة والقفازات عند الخروج من المنزل، وعند العودة أنزعهم فورًا قبل الدخول، وأتخلص منهم، وأعقم كل ملابسي، وحتى أني كنت أتجنب تقبيل طفلي خوفًا من نقل الفيروس له".

وبيّن الشاب الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الحالة النفسية دفعته لفحص درجة حرارته كل بضع ساعات، واستشارة الأطباء حول أعراض صحية معينة، خوفًا من أن تكون مقدمة للإصابة بالمرض.

وأشار إلى أن الأخبار اليومية الكثيفة المتعلقة بتفشي الوباء، سواءً في فلسطين أو العالم، والتي تخللتها إشاعات خطيرة، أثرت بشكل بالغ على حالته النفسية، بقلق دائم وصل أحيانًا إلى حد الاكتئاب.

صورة تعبيرية | Getty

ورغم أن حالة "ع.د" ليست شائعة الحدوث، غير أنه، وفق مختصين نفسيين، زادات الإشكاليات والاضطرابات النفسية المرتبطة بتفشي الفيروس، بشكل أكبر بكثير عما كانت عليه قبل حدوث العدوى.

تسونامي كورونا

وفي هذا السياق، يقول الأخصائي النفسي محمد الخواجا، إن الخوف من المرض نفسه أدى إلى حدوث ما يطلق عليه "اضطراب الوسواس القهري"، وهو الخشية الكبيرة من الإصابة بالفيروس، أو التقاط العدوى.

الخوف من المرض نفسه أدى إلى حدوث ما يطلق عليه "اضطراب الوسواس القهري"

وقال إن الشخص المصاب بالوسواس يحاول تجنب الناس خوفًا من الإصابة بالعدوى، ويضطر لفحص نفسه عدة مرات في اليوم، وقياس حرارته بشكل متكرر، إلى  جانب أنه يتوسع في القراءة والبحث عن المرض وأعراضه وغير ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: القادم كوفيد

ولفت الخواجا إلى أن التخويف الزائد من المرض، والإشاعات المنتشرة حوله تؤدي إلى زيادة الاضطرابات النفسية.

صورة تعبيرية: التخويف من المرض والإشاعات سببا اضطرابات نفسية | Getty

وأشار إلى أن الحجر المنزلي الذي تطلبته إجراءات مواجهات الجائحة، والذي غير طبيعة الكثير من العلاقات مع الناس، أنتج  حالات اكتئاب، بعضها كانت حادة، محذرًا من ازدياد تلك الحالات، مثل القلق والتوتر والضغوطات، النفسية والاقتصادية والاجتماعية.

وبين الخواجا، أن الفئة العمرية ما بين 30 إلى 50 عامًا هي أكثر من لوحظ لديهم التأثر الأبرز بتلك الحالات والأعراض.

الفئة العمرية ما بين 30 إلى 50 عامًا هي أكثر من لوحظ لديهم التأثر الأبرز بحالات الاكتئاب

ويرى الخواجا، أن انتشار حالات القلق والاضطرابات والأعراض المرتبطة بتفشي الفيروس، تأثر بها سكان المدن، أكثر من أولئك الذين يقيمون في القرى، وذلك لطبيعة الحجر المنزلي في المدينة، وعدم وجود مساحات واسعة للتنقل والترحال دون الاختلاط مع أحد.

اقرأ/ي أيضًا: الكارنتينا: تاريخ الحجر الصحي في فلسطين

وأوضح، أن التدخل العلاجي مع تلك "الحالات المرضية"، يكون عبر طمأنة المرضى وتقليل المخاوف لديهم من الفيروس، لكنه حذر من أن بعض الأعراض إذا لم تخضع للعلاج الصحيح والمتواصل، قد تمتد لفترات طويلة، خاصة تلك المتعلقة بآثار الاكتئاب.

صورة تعبيرية: أعراض خطيرة ظهرت على زوار العيادات النفسية لشهور | Getty

وأضاف، "حتى اليوم، هناك أشخاص يزورون العيادة لتلقي الجلسات العلاجية النفسية لأعراض ظهرت لديهم في نيسان وأيار الماضي، وما تزال لديهم آثار خطيرة رغم عدم إصابتهم بالعدوى، ومرور شهور على ظهور تلك الأعراض النفسية لديهم".

وأطلق الخواجا اسم " تسونامي كورونا" على تلك الظاهرة، كونها أعقبت حلول "الزلزال الكبير" المتمثل بالجائحة وما رافقها من تدابير وقائية للحد من انتشارها.

الأوضاع الاقتصادية الصعبة ستزيد من الأعراض، والقادم أسوأ على صعيد المشاكل النفسية

واعتبر، أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة ستزيد من تلك الأعراض، وأن القادم أسوأ على صعيد المشاكل النفسية.

اليوغا لمحاربة آثار "كورونا"

الأخصائيون النفسيون، لم يكونوا القبلة الوحيدة التي توجه لها الباحثون عن التخلص من أعراض "كورونا"، خاصة من الجيل الشاب، فقد وجد الكثيرون في تمارين التأمل مثل "اليوغا" راحة للجسد والنفس والعقل، وسبيلاً للتخلص من كثير من ضغوطات الحياة اليومية.

مركز بيت الشمس، أحد الأماكن التي قصدها الكثيرون لممارسة "اليوغا"، وهو مركز مجتمعي فلسطيني يقع في مدينة بيت جالا، ويعد الأول في نوعية الخدمات التي يقدمها.

مركز بيت شمس لعب دورًا لافتًا في مواجهة آثار جائحة كورونا النفسية، من خلال اليوغا

وبحسب معلمة اليوغا والتأمل ايلدا زغموت، وهي المدير التنفيذي لمركز بيت الشمس، فإن المركز يعمل مع كافة فئات المجتمع من النساء والرجال والشباب والأطفال، بحيث "يأخذهم في رحلة نحو إدراك الذات وجوهر الكينونة الإنسانية الحقيقية، بهدف تعزيز مشاركتهم الفعالة في بناء مستقبل فلسطين، القائم على قيم العدالة والحرية والمحبة".

اقرأ/ي أيضًا:  هل سيطيح كورونا بالنظام الاقتصادي الحر؟

وأوضحت زغموت، أن مركز بيت الشمس "يؤمن بأهمية تطور الذات كخطوة أولى لتطوير المجتمع، باستخدام وسائل فريدة ومميزة مثل اليوغا والتأمل والاسترخاء".

وأضافت، أن المركز "لعب دورًا لافتًا في مواجهة آثار جائحة كورونا النفسية، حيث تعتبر رياضة اليوغا والتأمل وتمارين التنفس أدوات نوعية في تخفيف التوتر والضغط وتحسين جودة الحياة"، مبينة أن الفوائد التي يحصل عليها الفرد "تتنوع ما بين صحية ونفسية وجسدية وذهنية للأطفال والبالغين، على حد سواء".

مركز بيت شمس - فيسبوك

وأفادت زغموت بأن المركز، خلال فترة الإغلاقات التي فرضتها الجهات الحكومة لمواجهة آثار الجائحة، لجأ إلى صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لمشاركة تمارين تنفس وتمارين جسدية وأدوات رعاية ذاتية متنوعة، بسيطة وعملية، للتقليل من الضغط والتوتر والخوف.

تمارين اليوغا تساعد على إعادة احساسنا بالسيطرة على ذاتنا وافكارنا ومشاعرنا، وتحسين النوم، وتهدئة الجهاز العصبي

وقالت، إن تلك التمارين "تساعد على إعادة احساسنا بالسيطرة على ذاتنا وافكارنا ومشاعرنا، وتحسين النوم، وتهدئة الجهاز العصبي وتجديده، مما يساعد في تغير حالتنا الذهنية والجسدية والعاطفية والنفسية وتحسين ورفع جهازنا المناعي، الذي هو خط الدفاع الاول الذي يتأثر بسبب التوتر".

صورة تعبيرية: اليوغا تحسن النوم وتهدئة الجهاز العصبي | Getty

وأضافت، أنه وبعد إعادة فتح المدن، وإنهاء الإغلاق الكامل، عاد مركز بيت الشمس لتقديم حصص يوغا واسترخاء مع الالتزام بقواعد التباعد والسلامة العامة.

 ولفتت زغموت إلى أن إقبال المشاركين سواء من البالغين أو الأطفال، ازداد في الفترة الماضية، لما للتمارين من فوائد عديدة في هذه الظروف الصعبة.

الإقبال على مركز بيت شمس سواء من البالغين أو الأطفال، ازداد في الفترة الماضية

الجدير ذكره أن "اليوغا" رياضة هندية قديمة حظيت في 11 كانون أول/ديسمبر عام 2014 باعتماد يوم عالمي لها من قبل الأمم المتحدة في 21 يونيو/حزيران من كل عام بتأييد 177 دولة.

وجاء اعتماد اليوم العالمي لليوغا بناء على مقترح تقدمت به الهند آنذاك، نظرًا لأهميتها كأداة قوية للتعامل مع ضغوط الشكوك والخوف من المجهول والعزلة، فضلا عن أنها مهمة للحفاظ على صحة البدن.

صورة تعبيرية: محبو اليوغا مارسوها في المنازل خلال الحجر | Getty

وبحسب الأمم المتحدة، فإن محبي رياضة "اليوغا" أصبحوا يمارسونها في منازلهم بسبب إغلاق الأندية والصالات الخاصة ضمن إجراءات التباعد الاجتماعي التي اعتمدتها الدول لمكافحة جائحة كورونا.

وبغض النظر عن الطرق الحديثة أو التقليدية للتعامل مع الاضطرابات النفسية الناجمة عن تفشي كورونا، لكن الثابت بأن نتائج قاسية ستتبع انتهاء الوباء، وستخلف معاناة متفاوتة من التوتر والأرق والاضطرابات، يمكن أن تخلق علامات جسدية تتطلب متابعة طبية حثيثة.


اقرأ/ي أيضًا: 

يوميّات في الحجر الصحي.. عائلة فلسطينية في بكين

كورونوفوبيا مثل إسلاموفوبيا